الخطاب الخارجي

الخطاب الخارجي
  • 01 سبتمبر 2025
  • لا توجد تعليقات

صباح محمد الحسن

طيف أول: 
دربٌ افتتح مساراً للحياة،
بينما الخطوة ضلّت قوامها،
وتعثرت حين تنحّى العشم!!

وبعد أن أصبحت في السودان حكومتان غير شرعيتين، برئاسة جنرالي الحرب، باتت منصتا الخطاب العسكري والسياسي متاحتين لقراءة التصريحات ودلالاتها، التي تحدد مواقف كل قيادة وكل حكومة من الحرب والسلام.
ورغم أن الحكومتين تمثلان نتائج مؤامرة كيزانية تربصت بهذا الوطن وخلقت هذا الواقع المرير، والذي لا شك أنه إلى زوال، فإن قراءة واجهة التصريحات تكشف عن مفارقة لافتة في الخطاب الخارجي بين طرفي الصراع في السودان: قيادة الجيش من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى.
فالناظر والمتأمل في الخطاب العسكري الخارجي، الذي تبعث به القيادات العسكرية رسائلها إلى المجتمع الدولي وتحدد من خلاله المواقف السياسية والعسكرية، يجد أن قيادة الدعم السريع استطاعت أن تُقدّم نفسها أمام المجتمع الدولي بصورة أكثر انفتاحًا ومرونة، مقارنةً بخطاب الجيش الذي اتسم بالتحفظ والرفض والتعنت، وخرج فيه قادة الجيش في أكثر من مناسبة عن الاتزان السياسي، وصرّحوا بتصريحات غير مدروسة، ربما كان لها أثر كبير في تشكيل وبلورة الانطباع الدولي.
فقيادة الجيش، مثلًا، رفضت السلام في أكثر من منبر خطابي علنًا مايعني رغبتها في الحرب، كما أن عددًا من القيادات تحدثوا عن نيتهم استخدام السلاح المميت، وقالوا إنهم حصلوا عليه وهو تحت تصرفهم. كذلك، صرّح عدد من القيادات في الجيش، وعلى رأسهم البرهان، بأنهم فخورون بالكتائب الإسلامية وبقياداتها، رغم ارتكابها أفظع الجرائم في الحرب، الأمر الذي تسبب في عزلة الجيش وفرض عقوبات عليه، علمًا أن المجتمع الدولي ينظر إلى هذه الكتائب باعتبارها جماعات إرهابية متطرفة.
كما صرّحت كثير من القيادات في المؤسسة العسكرية بدعم واستمرار الحرب، في وقت بلغت فيه الأوضاع الإنسانية حالة حرجة، ما كشف أن قيادة الجيش كأنها غير آبهة بضياع الأرواح التي تُزهق جراء الأزمة.
ورفضت أيضًا قيادة الجيش دخول بعثة تقصي الحقائق إلى السودان
في المقابل، نجد أن قيادة الدعم السريع، وعلى الرغم من سجلها الميداني الدموي، حرصت في خطابها الخارجي على المحافظة على علاقتها بالمجتمع الدولي، واستخدمت الأسلوب الدبلوماسي في الحرب. فمن أول دعوة للتفاوض، رحّبت بها وطالبت البرهان بالجلوس إلى الطاولة، ودعته إلى وقف الحرب وتحقيق السلام. وقال حميدتي للبرهان في أكثر من خطاب إنه يمد يده للسلام. كما أنها لم ترفض أي منبر دولي، وكانت وفودها تسبق وفد الجيش، وأعلنت استعدادها لاستقبال المساعدات الإنسانية، ورحّبت ببعثة تقصي الحقائق الدولية، في خطوة تعكس إدراكًا لأهمية الشرعية الدولية وضرورات التواصل مع العالم الخارجي.
علمًا أن قيادة الجيش السوداني اتخذت موقفًا أكثر تصلبًا، إذ رفضت التعاون مع بعثة تقصي الحقائق، ووصفتها بأنها “جسم سياسي” يفتقر إلى المهنية والاستقلالية.
هذا الرفض، الذي تكرر في أكثر من مناسبة، أضعف صورة الجيش أمام المجتمع الدولي، وأثار تساؤلات حول مدى التزامه بمبادئ العدالة والشفافية، خاصة في ظل الاتهامات المتبادلة بارتكاب جرائم ضد المدنيين.
هذا التباين لا يعكس فقط اختلافًا في التكتيك السياسي، بل يكشف عن فجوة في فهم أدوات التأثير الدولي. فبينما اختارت قوات الدعم السريع أن تراهن على الخطاب، اختار الجيش أن يراهن على الرفض والمعاندة، في وقت باتت فيه المعركة على الشرعية لا تقل أهمية عن المعركة على الأرض.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، يبدو أن من يُحسن مخاطبة العالم، ولو كان متورطًا في الفظائع، قد يتمكن من كسب مساحة من التعاطف الدولي. وهذاما انعكس على الموقف الدولي، الذي تبحث فيه قيادة الجيش عن إجابات: لماذا لم يصنّف العالم الدعم السريع كجماعة إرهابية؟ ولماذا يُسمّي قادة الجيش وقادة الدعم السريع بطرفي الصراع؟ ولماذا ساوى المجتمع الدولي بينهما في العقوبات بتهمة الجرائم ضد المدنيين!!
الإجابة هي أن الدعم السريع أدرك أهمية أسلوب الخطاب الخارجي مع المجتمع الدولي، في الوقت الذي جهلها الجيش، الذي أغلق أبواب الحوار وخاطر بعزل نفسه.
وتجلّت صورة هذا الإدراك بوضوح في خطاب قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، بعد إعلان حكومته من نيالا، إذ أعلن استعداد الحكومة للتعاون مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لإيصال المساعدات إلى جميع المحتاجين في أي مكان داخل السودان، وتعهّد بالسماح بمرور المساعدات وحماية القوافل والعاملين على توصيل الإغاثة لمستحقيها.
وذكر أن الحكومة ملتزمة بجميع المواثيق الدولية، وسياسة حسن الجوار، وبناء العلاقات مع الدول على أسس المصالح المشتركة، وتحقيق السلم والأمن الدوليين.
وجدّد حميدتي تصريحاته بأن الحرب أشعلها عناصر النظام السابق، وقال: “أجدّد دعوتي بضرورة إجراء تحقيق دولي شفاف يحدّد من خطّط ورتّب وأشعل هذه الحرب وتسبّب في معاناة السودانيين”.
هذا مايكشف أن الفلول فشلت ايضا في صناعة منصة للخطاب السياسي للجيش وألقت به في هاوية الاتهمات والعقوبات !!.

طيف أخير: 
#لا_للحرب
تحاول بعض الجهات الرسمية التي تعمل في مجال الطب والصحة إخفاء الأدلة والتقارير التي تثبت موت المواطنين المشتبه في أنهم ماتوا بسبب الكيماوي، لتبرئة الجيش.
ولكن عندما تتجلى الحقائق، ستخسر هذه الجهات سمعتها ومصداقيتها، وستكون شريكة في الجريمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*