التَّرْسِينية حالة إخبارية

● خبر وفاة ألف شخص في قرية ترسين غير صحيح
● ما تزال الوكالات ووسائل الإعلام العالمية تردد الخبر
الترسينية نسبة إلى قرية تَرْسين في شرق جبل مرَّة التي انتشر خبرها يوم أمس الثلاثاء الثاني من سبتمبر 2025 بأن ألف مواطن توفوا بسبب انزلاق أرضي من جراء هطول أمطار غزيرة، وقال الخبر إن شخصًا واحدًا نجا من الحادث.
ما يزال هذا الخبر يتردد على القنوات ووسائل الإعلام العالمية بما فيها الوسائل المشهورة بتحري الأخبار مثل رويتر والبي بي سي (الخبر منشور قبل ثماني ساعات من كتابتي لهذه الأسطر).
بدا لي الخبر غريبًا أول سماعي له، فأردت التأكد منه، ووجدت أن مصدر الخبر حركة تحرير السودان (عبد الواحد محمد نور) التي تقع منطقة القرية في نطاقها. ولما كانت القرية في منطقة جبلية نائية، فمن المحتمل أن يكون مسؤول الإعلام في الحركة قد وقع في خطأ، أو ربما أن الحركة المسلحة (المتمردة) تعمَّدت الكذب، فقد صرنا نسمع الخبر ولما نتأكد من (مَيْنه وحَينه) أي كذبه قالوا لنا: “دايرين نتمَّ بيه شغل”، أي أن الكذب يريدون منه تحقيق غرض عسكري أو غيره.
وقد يقال إن الخبر لم يكن كذبًا محضًا، إذ وقع انهيار أرضي بالفعل، لكنه انهيار محدود، وربما أن ناقل الخبر اكتفى بجزء من فيديو يقول فيه شاهد عيان: “أمطار عمل خسارة شديد، خسارة ما بعده خسارة”، وفي نهاية الفيديو يتحدث عن موت شخص وطفل وجرح شخص ثالث.
يعني الضجة العالمية هذه كلها في شخصين توفيا في حادث محدود!
هذا مما يسميه العرب قديمًا بالتزيد والتزيُّب والائتشاك والابتشاك…
وبعد التثبت من الخبر نقلت تصحيحًا للخبر وعلقت عليه بالقول المشهور لأبي شهاب الزهري: “يخرج الحديث من عندنا شبرًا ويعود إلينا من العراق ذراعًا”!
لدارسي الإعلام منذ اليوم أن يسموا هذه الحالة من التزيد بالترسينية، والحالة ليست جديدة، وقد أشرت إليها في رسالتي للدكتوراة (لغة الخبر في الصحافة العربية) وأتيت له بمثال لخبر من أخبار تلك الأيام:
نشرت صحيفة الأسبوع في 28 مارس 1987م خبرًا من مراسلها في شندي عبده فرح يقول: تعرضت العربة الخاصة بحرس السيد أحمد الميرغني رئيس مجلس رأس الدولة بمنطقة جبل جاري لحادث إطلاق أعيرة نارية من مجهولين. وكان أفراد الحرس في طريقهم للِّحاق بالسيد الميرغني في زيارته لكدباس.
ولم يصب أحد في الحادث.
في اليوم التالي نشرت صحيفة أخبار اليوم المصرية الخبر في صفحتها الأولى تحت عنوان بارز: محاولة لاغتيال الرئيس السوداني.
وجاء في الخبر أن سيارة الرئيس تعرضت لإطلاق أعيرة نارية، ولم يكن الرئيس بالسيارة وقت وقوع الحادث.
ونشرت صحيفة الأهرام بعد يوم واحد أن الرئيس مبارك هنأ الرئيس السوداني بنجاته من محاولة الاعتداء الآثمة و”يؤيد قرار السودان بانسحاب القوات الليبية”…”
وفسَّر بيان من القصر الجمهوري أن الحادثة كانت من مجموعة مهربين (شفتة) ظنوا أن عربة الحرس هي إحدى عربات الشرطة. (انتهى)
حمانا الله وإياكم من الترسينية، ومن التزيّد والتزيّب ومن الائتشاك والابتشاك