أزمة القبيلة في السودان

أزمة القبيلة في السودان
  • 17 سبتمبر 2025
  • لا توجد تعليقات

حسن أبوزينب

والله نحن مع الطيور الما بتعرف ليها خرطة
ولا في أيدا جواز سفر
نمشي في كل المدائن ..نبني عشنا بالغناوي
وننثر الأفراح درر والربيع يسكن جوارنا
والسنابل تملا دارنا والرياحين والمطر
والحبيبة تغني لينا ..لا هموم تسكن دروبنا
ولا يلاقينا الخطر
الشاعر الملهم حافظ عباس … العندليب المغرد مصطفى سيد أحمد
كان زمنا وضيئا حيث لا أمنيات تخيب ولا كائنات تمر ..عشنا وسمعنا عن بشر ملأوا الدنيا وشغلوا الناس بعلمهم وإنجازاتهم فقد كانوا يحملون جينات المعرفة والعلم والإبداع .. فأنا لا أعرف حقيقة قبيلة الأسطورة طاهر حسيب سوى ترقيص خطوط الدفاع مع الحارس قبل إيداع الكرة في الشباك ولا أعرف قبيلة الفنان الكابلي ولا الأثنية التي ينحدر منها تاج السر الحسن فما يهمني هو الاستمتاع بما قاله (لليالي الفرح الخضراء في الصين الجديدة والتي غنيت في قلبي لها ألف قصيدة) بل لا أعرف قبيلة إدريس جماع الذي قال فيه العقاد إن مكانه الطبيعي هو مستشفى المجاذيب ولكنني أتمايل ومعي الملايين طربا ومتعة مع سيد خليفة حينما يترنم بكلماته (ثم ضاع الأمس منى وانتهى في القلب حسرة). لا تهمنا قبيلة عبد الرحمن الريح ولكننا نتذوق كلماته بطعم الشهد والعسل وهو يحلق بنا عاليا في سماوات العذوبة والجمال
نسمة الأسحار مزاجا نفحة ندك ..وزهرة الأزهار بستانا صفحة خدك
السرور أوقاتك والمحاسن خمرك والزمان خدامك وممتثل لي أمرك
مرة خليك جائر ومرة خاف من ربك .. المدام المسكر والعسل من فمك
أن أمرتني بقبل بالوقوف في جمرك يا حبيبي نساء الدنيا ما ولدنك
(2)
لم أسأل عن قبيلة محمد أحمد محجوب ولكنني أعرف أنه انتزع وبحنكة وخبرة نادرة لقب المتحدث الرسمي للدول العربية في الأمم المتحدة بعد حرب حزيران 67 وهل يخفى مهندس الدبلوماسية السودانية الدكتور منصور خالد الذي قال عنه سليم اللوزي رئيس تحرير مجلة الحوادث اللبنانية آنذاك تذهب إلى واشنطن فلا تجد إلا هنري كيسنجر وتذهب إلى موسكو فلا تجد إلا أندريه جروميكو وتذهب إلى الخرطوم فلا تجد إلا منصور خالد وماذا نقول عن العلامة الدكتور عبد الله الطيب عضو المجمع اللغوي الذي كان يجلس أمامه كل مفكري المغرب يتقدمهم الملك الحسن للاستزادة من علمه في القصر الملكي ولي ألف حق ان أطير فخرا للروائي العالمي الطيب صالح الذي اختيرت روايته موسم الهجرة إلى الشمال ضمن أفضل مائة عمل روائي في العالم وأتحدى هنا من يعرف قبيلة نصر الدين عباس جكسا ولا كمال عبد الوهاب ولا سبت دودو .. لا أرغب معرفة قبيلة الشاعر الفذ الهادي آدم الذي هامت به كوكب الشرق أم كلثوم ولكن أجوع لكلماته كجوع كل دم الغريق إلى الهواء كما يقول السياب
هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفكر
هذه الدنيا ليال أنت فيها العمر
هذه الدنيا عيون أنت فيها البصر
هذه الدنيا سماء أنت فيها القمر
(3)
ولا يهمني الانتماء العرقي ولا السياسي للتيجاني يوسف بشير ولكن ما يهمني هو الإبحار في متعة ليس ضفاف والأذن تلتقط عذوبة المفردات
صِح في الرُبى والوهاد وإسترقص البيدا وأسكب على كل نـاد ما يسحر الغيدا
وفـجر الأعواد رجعاً وترديدا حتى ترى في البلاد من فرحةٍ عيدا
وأمسح على زرياب وأطمس على معبد
وأمش ِ على الأحقاب وطُف على المربد
وأغشى كنار الغاب في هدأة المرقد
وحدث الأعراب عن روعة المشهد
ولا أعرف عشيرة أسطورة بطولية اسمها (محمود الفلج) لفظ أنفاسه حيا وهو يجلس فوق صاج مليء بزيت يغلي بدلا من الاستسلام للاذلال والمهانة من جلاديه الخواجات الذين طلبوا منه وأمام حشد من الناس منهم سرب من حسناوات سواكن الركض والرضع من ثدي خطيبته مقابل إطلاق سراحه انتقاما منهم لقتل أحد منسوبي الحكم الثنائي في وهاد (تهاميام).
(4)
أرفع الرأس عاليا فخورا بأنني أنتمي إلى هذه الكواكب الساطعة التي لازالت تضيء سماء السودان ولكن مرت الأيام كالخيال أحلام كما قالها مبارك المغربي وصدح بها عبد الدافع عثمان وليتها لم تمر وليت المياه كفت عن الجريان تحت الجسور وتأكيدا أقول أنه إذا تحدث أحدهم مثلا عن لاعب شبل بكفاءة وحرفنه الأسطورة ليونيل ميسي وقوة تسديدات المدفعجي روبرتو كارلوس ومهارات لاعب الوسط مودريتش في ربط الهجوم بالدفاع فإن أول سؤال يتوجه للمتحدث من الحضور في زمن العنصريات البغيضة والجهويات النتنة (بروك أومبرو ناتك) وتعني بلغة البدوايت ما قبيلة هذا الشبل؟ وليذهب الآخرون ميسي وكارلوس ومودريتش إلى الجحيم كما يقول سارتر. نحن الآن في زمن قميء نسأل فيه عن قبيلة الوزير قبل أن نسأل عن شهاداته العلمية وخبراته العملية ونعرف عن ظهر قلب إثنية سكرتيره بل نعرف القبيلة التي تنحدر منها والدة الطابعة على الآلة الكاتبة في مكتبه.
(5)
ترى ماذا دهانا هل انقلبنا على الزمان أم أنقلب الزمان علينا وقد تحول السودان الحدادي مدادي بسبب العصبيات والمحاصصات القائمة على الجهويات والحروب الناتجة منها أضيق من قد الابرة وأصبحنا بفواكهنا البرية التي تكفي بلادنا وتفيض نتسول الطحين والزيت من منظمات الإغاثة كما قال ذات مرة الدبلوماسي والشاعر الفذ محمد المكي محجوب ..متى يعود إلى أحضان الوطن النازحون واللاجئون والمشردون وإلى أي شاطئ سترسو سفينة السودان التائهة بعد انطلاق صراع السودان الذي تتآكل أطرافه مع الرباعية وأخيرا من يرد على محمد عثمان كجراي إذ يتسائل
فيا وطن الضياع المر
يا نصلاً يمزقني ويكثر من جراحاتي
متى ينسلّ موج الضوء يغسل رمل واحاتي؟
oabuzinap@gmail.com

الوسوم حسن-أبوزينب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*