حين يصبح السلام ممكناً: دروس من مدينة الرسول (ﷺ) وسيراليون ورواندا وليبيريا

حين يصبح السلام ممكناً: دروس من مدينة الرسول (ﷺ) وسيراليون ورواندا وليبيريا
  • 01 أكتوبر 2025
  • لا توجد تعليقات

د. أحمد التيجاني سيد أحمد

عندما دخل الرسول ﷺ المدينة المنورة، لم تكن متجانسة. كانت خليطاً من قبائل وديانات ومصالح متنافسة. لكنه لم يجعل من ذلك سبباً للتناحر، بل كتب صحيفة المدينة، دستوراً واقعياً جمع المختلفين في عقد مشترك يضمن الأمن ويصون الحقوق ويتيح للناس أن يعيشوا معاً رغم تباينهم.في السودان، عرفنا لحظات مشابهة كان يمكن أن تؤسس لدولة عادلة. لكن ثورتي ١٩٦٤ و١٩٨٥ تعثرتا، لأن القوى لم تستطع أن تتوافق، وانشغلت بخلافات ومساومات طويلة، فضاعت الفرص كما ضاع الأمل. واليوم، لا يمكن أن نكرر الأخطاء نفسها.التجارب العالمية تعطينا إشارات تفاؤل:- في جنوب أفريقيا، تجاوز الناس قرون الفصل العنصري عبر دستور شامل ومصالحة صعبة لكنها واقعية.- في رواندا، خرج بلد ممزق من جراح الإبادة إلى إعادة بناء سريع اعتمد على العدالة، والتعليم، والصحة، والزراعة.- في ليبيريا، أنهت الحروب الأهلية عبر اتفاق سلام (٢٠٠٣) ولجنة حقيقة ومصالحة أعادت بناء الثقة، لتشهد أول امرأة رئيسة منتخبة في أفريقيا.- في سيراليون، وضعت الحرب الأهلية المريرة أوزارها باتفاق سلام (١٩٩٩) ومحكمة خاصة ولجنة مصالحة، أعادت دمج الأطفال الجنود والمقاتلين في المجتمع، لتتحول البلاد لاحقاً إلى ساحة انتخابات سلمية.هذه الدروس تقول لنا إن الشكوك، مهما تعمقت، يمكن تجاوزها بروح الاتفاق. وأن التأجيل لسنوات من المحاورات العقيمة لا يصنع سلاماً، بينما الاتفاق العاجل على دستور جامع وخطوات عملية يعيد الأمن، ويُرجع النازحين، ويفتح أبواب الصحة والتعليم والعمل، هو السبيل الأجدى.الفوائد المباشرة للاتفاق السريع:١. استعادة الأمن والطمأنينة: حتى يشعر المواطن أن حياته اليومية محمية.٢. إعادة النازحين والمهاجرين: ليعود الناس إلى قراهم ويستعيدوا أرضهم ومساكنهم.٣. بناء أساس متين للصحة والتعليم والزراعة: باعتبارها ركائز الكرامة الإنسانية.إن الإصرار على بذل أواصر المحبة، وتنمية القدرة على التسامح، هو ما يحوّل هذا الاتفاق من نصوص على الورق إلى واقع حي. وبهذا فقط يمكن أن يبدأ السودان رحلة جديدة، يكتب فيها تاريخه بيديه، ويثبت أن السلام ليس حلماً بعيداً، بل حياة ممكنة الآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*