حامد 23

كانت الساعة، ساعة بث الأغنيات الكئيبة، وملل الحيوانات الأليفة، وصبر الطيور الصغيرة على العطش، كانت الساعةً ساعة، صمت الأشجار عن فجور الشمس، وصبر النيل على مكر الصحراء، ورقة الشعر وعنت التلوث.
كنت سعيدا برؤية سليمان، عند النيمة صاح مبارك: جيب كرسي تاني يا عبدو، صاح عبدو من الداخل، بصوت ينضح بنفاد صبر:
ياخ أنا كمال البيه؟ مافي كراسي تاني، خشو جوه.
ابتسم سليمان، وأشار علي ندخل جوه أحسن، عبده أخلاقه ضيقة
ولكن (بلاكا)، أصر على معرفة ما حدث مع السائق:
زعلك في شنو مثلاً؟ نحنا عندنا في اليونان هناك تلحق تضرب سواق التاكسي…..
لم يعره سليمان اهتماماً، فقد لمس مني غضباً، وتوجس شراً.
تم لينا قصة السويدية، قاطعه مبارك
اعتدل عبد الحميد وحينما قال: أها، سحبني سليمان من يدي، يتبعني فضولي العارم، لمتابعة قصة (كريستين)،
سيبك من العواطلية ديل. قال سليمان، وهو يتقدمني بخطوات واسعة.
دخلنا إلى البيت، وفي الديوان، سلمنا علي الوالد، وهو في نفس رقدته التي رأيته فيها، اخر مرة زرت فيها بيتهم، وفي معيته ضيف يتحدث بصوت عالٍ:
عليك بالانقارا يا حاج، وزيت سمسم ومويه زمزم، وللسكري، تغلي صفق النيم، وتشرب موية الصمغ والقرنفل…
وجدنا عبد الرحيم في الغرفة الثانية، يناضل في العود، همس لي سليمان: لهسي واقف في عزة في هواك. وأضاف بتوقيت مفاجئ، ونحن نهم بالجلوس: حامد اختفى طبعا؟
أجبته بمرارة: ماهو لو موجود. أنا هسي كنت أكون في جدة متوجه لخميس مشيط. شوف، أنا فكرة السفر، طلعت من نفسي، يديني جوازي، والقروش.. وعفا الله عما سلف
تهدج صوتي، حتى أشرفت على البكاء. فربت على ظهرى، وقال إن الموضوع ما بستاهل!
ثم سردت عليه رحلتي بالتفصيل. ومع ذلك سألني مشيت لبرعي فسردت عليه وقائع الليلة السريالية، أبدى اهتماماً قصير الأجل، ثم ضحك. قال يطمئنني، لا تقلق، مثلما اختفي فسيظهر، فهو هكذا، مثل المتصوفة، ورجال الله الصالحين، يقب ويقلع، وأكد بأنه ليس محتالاً. ساد صمت، فتسرب إلينا من البعيد، صوت مذياع في عزلة: كم بعنا في الغرام وأشترينا.. قطع انسيابه صوت الضيف مثل نشاز في آلة الكمان:
الينسون يا حاج، والله تقوم تاني يوم عمتك في كتفك!
اختتم سليمان الكلام حول موضوع حامد، بقوله:
لو لغاية بكرة ما ظهر، مافي حل غير نسافر (أربجي)، مرات بيسافر عنده خال هناك، بيحرص على زيارته، وبيغيب فترة ويرجع.
تغير مزاج المذياع، فجأة، وأتى الصوت يحمل غناءً مغايراً:
في اتحادنا الاشتراكي يا بلادي….
لم يقطع صوت الضيف، الغناء هذه المرة.
فقال سليمان:
الجامعة مولعة، وهذا اليوم له ما بعده، قوم نأكل لينا حاجة.