يوم حقوق الإنسان – كيف تتحرك الأمم المتحدة لكسر دائرة الإفلات من العقاب في السودان؟
4 كانون الأول/ديسمبر 2025
يعيش السودان إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية والحقوقية في تاريخه المعاصر. ومع اقتراب الصراع من عامه الثالث، لا تزال التقارير الدولية ترصد نمطا مروعا من الجرائم والانتهاكات، بدءا من الإعدامات الميدانية والعنف الجنسي، مرورا بالنزوح القسري والجوع، وصولا إلى انتشار خطاب الكراهية والعنف ذي الطابع القبلي.
وتتقاطع النزاعات المسلحة والانتهاكات الجسيمة مع انهيار مؤسسات العدالة وتقلص المساحات المدنية، في وقت يواجه فيه ملايين المدنيين مصيرا مجهولا.
بمناسبة يوم حقوق الإنسان، تحدثنا مع لي فونغ ممثلة مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في السودان التي أشارت إلى أن حجم ووحشية الانتهاكات الموثقة حطمت حياة الملايين وأدت إلى أكبر حالة طوارئ إنسانية ونزوح جماعي في العالم.
وأكدت المسؤولة الأممية أن المساءلة هي التحدي الأكثر إلحاحا لكسر الحلقة المفرغة من الإفلات من العقاب التي غذت دورات العنف في السودان.
وشددت على أن مكتبها “يواصل توثيق الانتهاكات لضمان أن تسهم المعلومات في الإجراءات القضائية المستقبلية على المستويين الوطني والدولي”.
وفي ظل محدودية الوصول، خاصة لدارفور، دعت فونغ المجتمع الدولي إلى “العمل السياسي لوقف تدفق الأسلحة والضغط من أجل سلام شامل”. ورغم خطورة الأزمة، أشارت إلى أن الأمل يبقى متجذرا في الصمود الاستثنائي للشعب السوداني وخاصة المدافعين عن حقوق الإنسان.
المزيد في الحوار التالي مع السيدة لي فونغ، ممثلة مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في السودان

أخبار الأمم المتحدة: السيدة لي فونغ، شكرا لانضمامك إلينا اليوم لمناقشة وضع حقوق الإنسان في السودان في سياق يوم حقوق الإنسان. كيف تصفين الأوضاع في السودان اليوم؟
لي فونغ: لا يزال وضع حقوق الإنسان في السودان خطيرا للغاية. فالوضع في المقام الأول أزمة حقوق إنسان وحماية ناجمة عن عامين ونصف من الصراع والانتهاكات واسعة النطاق للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدولي في جميع أنحاء البلاد.
وقد أدى هذا إلى أكبر حالة طوارئ إنسانية في العالم، ونزوح جماعي، ومستويات صادمة من الجوع. حجم ووحشية الانتهاكات التي نواصل توثيقها يعكسان أزمةً حطمت حياة الملايين، وحرمت أعدادا لا تُحصى من السودانيين من الحماية الأساسية التي يستحقها كل إنسان.
يصعب وصف الأثر المدمر للصراع على السكان المدنيين بالكلمات. مدنٌ تحولت إلى أنقاض، وعائلاتٌ تمزقت بين عشية وضحاها. والمدنيون يُجبرون على اتخاذ خيارات مستحيلة لمجرد البقاء على قيد الحياة.
في هذا السياق، يواصل مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وقوفه إلى جانب شعب السودان، ليشهد على الانتهاكات ويوثقها، ويدعو إلى اتخاذ إجراءات لحماية حقوق الإنسان، ويدعم الأمم المتحدة والاستجابة الإنسانية.
في هذه الأزمة. سلّطت أعمالُنا في مجال توثيق حقوق الإنسان والتقارير الضوء على الانتهاكات المروعة وتأثيرها على المدنيين، ووفرت إنذارات مبكرة وتحليلات لصياغة الاستجابة للأزمة.
لقد تواصلنا مع الضحايا والناجين، والمجتمعات النازحة، والنساء والشباب، لإسماع أصواتهم، وتعزيز مطالبهم بالعدالة والحماية.
ونواصل توثيق انتهاكات خطيرة للغاية للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.
وتشمل هذه الانتهاكات الإعدام بإجراءات موجزة*، العنف الجنسي، الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري، القيود على الحيز المدني، والهجمات على البنية التحتية المدنية.
ويساورنا قلق بالغ إزاء إضفاء طابع قبلي على الصراع، وتنامي العنف وخطاب الكراهية بدوافع قبلية.
السودان يواجه أكبر حالة طوارئ إنسانية في العالم، ومستويات صادمة من الجوع
وللأسف، أضعف الصراع بشدة سيادة القانون ومؤسسات العدالة، مما قوّض آليات الحماية الأساسية للمدنيين.
لذا، في يوم حقوق الإنسان، رسالتنا واضحة: يجب صون حقوق الإنسان للشعب السوداني. وعلى كافة الأطراف احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي، وحماية المدنيين وضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات. يستحق شعب السودان السلام والعدالة والاحترام الكامل لإنسانيته.

OHCHR/Sudan
أخبار الأمم المتحدة: يخشى الكثير من السودانيين من أن تمر الانتهاكات المستمرة دون عقاب. ما هي آلية المساءلة الحالية، وما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه مكتبكم في ضمان العدالة للضحايا في السودان؟
لي فونغ: لا تزال المساءلة من أكثر التحديات إلحاحا في السودان، ولكن على الرغم من تحديات الوضع الراهن، والصراع الدائر، والانتهاكات المستمرة على نطاق واسع، إلا أن هناك آليات متعددة قائمة.
ولمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان – وخاصة مكتبنا القُطري في السودان – دور بالغ الأهمية في تعزيز المساءلة.
أولا، لنا دور على المديين القريب والبعيد، فنحن نواصل توثيق انتهاكات القانون الدولي والتحقق منها في ظروف بالغة الصعوبة.
ونقوم بذلك من منظور الحفاظ على ما حدث على أرض الواقع، وإعطاء صوت للناجين والضحايا والشهود، وضمان أن يُسهم ذلك في عمليات المساءلة.
وستكون المعلومات التي نجمعها حاسمة للإجراءات القضائية المستقبلية على المستويين الدولي والوطني. كما أننا نرفع تقاريرنا إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان الذي يقدم أيضا تقاريره إلى مجلس حقوق الإنسان، وهذا يضمن بقاء الوضع في السودان على جدول الأعمال الدولي.
نتواصل مع الناجين، وندافع عن حقوقهم، ونسعى لإدماجهم، وندعم الجهود الرامية إلى إعادة بناء وتعزيز مؤسسات سيادة القانون القادرة على تحقيق العدالة
المفوض السامي منخرط أيضا مع مجلس الأمن لضمان أن تكون المساءلة عن الانتهاكات محور جهود السلام والأمن، وفي الوقت نفسه، نعزز نهجا يركز على الناجين ويرتكز على حقوق الإنسان لمعالجة الوضع وتعزيز المساءلة.
نتواصل مع الناجين، وندافع عن حقوقهم، ونسعى لإدماجهم، وندعم الجهود الرامية إلى إعادة بناء وتعزيز مؤسسات سيادة القانون القادرة على تحقيق العدالة.
نواصل الضغط على جميع أطراف النزاع وجميع الجهات ذات النفوذ للوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، والعمل على منع مزيد من الانتهاكات، والسعي إلى المساءلة لضمان عدم تكرارها.

© UNOCHA/Ala Kheir
أم نازحة مع بناتها في أحد مخيمات النزوح في دارفور
أعتقد أنه على المستوى الدولي أيضا، هناك العديد من الآليات المهمة. فالمحكمة الجنائية الدولية، بناءً على إحالة من مجلس الأمن، مُكلفة بالتحقيق في الجرائم الدولية المرتكبة.
كذلك، أنشأ مجلس حقوق الإنسان بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان، ويكمّل دورها دورنا كمكتب قُطري، وهي توثّق الانتهاكات، وتنظر في المسؤولية والجرائم الدولية التي ربما ارتُكبت.
ولكن في خضمّ كل هذه الجهود الدولية، أودّ أن أؤكد أيضا على أن المساءلة على المستوى المحلي أساسية. ولهذا السبب، نعمل مع مختلف مؤسسات سيادة القانون، باحثين عن القدرات اللازمة لتعزيز المساءلة والعدالة لشعب السودان، لأن المساءلة الوطنية أساسية في نهاية المطاف.
ولضمان السلام المستدام والتعافي والعدالة، أودّ أيضا الإشارة إلى أن المساءلة لا تقتصر على الملاحقات القضائية. فمفهوم العدالة الانتقالية بالغ الأهمية. فهي تشمل كشف الحقيقة، والتعويضات، وضمانات عدم التكرار، وإدماج المتضررين في مسارات العدالة. وهذا ما نقوم به. نعمل مع المدافعين عن حقوق الإنسان، ومع منظمات المجتمع المدني أيضا لدعمهم.
أخبار الأمم المتحدة: الوصول إلى المناطق المتضررة في السودان، وخاصة دارفور، يظل محدودا للغاية. كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يدعم بشكل فعّال توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في هذه المناطق؟
لي فونغ: أعتقد أن دعم المجتمع الدولي ضروري للغاية للاستجابة للأزمة في السودان من جوانب عديدة.
أولا، تمويل الاستجابة لحقوق الإنسان، فالاستجابة الإنسانية تتطلب موارد كافية لتلبية الاحتياجات الماسة وأولويات الشعب السوداني.
ثانيا، العمل السياسي. للدول الأعضاء دور بالغ الأهمية في دعم القانون الدولي، واستخدام نفوذها للضغط من أجل الحوار، ومن أجل السلام، ومن أجل محادثات سلام تُفضي إلى وقف إطلاق نار، ومن أجل وضع حدٍّ فعلي لتدفق الأسلحة، ومن أجل المضي قدما في تحقيق المساءلة والعدالة لشعب السودان.
أخبار الأمم المتحدة: هذه ليست المرة الأولى التي يشهد فيها السودان انتهاكاتٍ فظيعة لحقوق الإنسان. ويعزو الكثيرون ذلك إلى عقودٍ من الإفلات من العقاب. ما الإجراءات الملموسة التي يتعين على المجتمع الدولي اتخاذها لكسر هذه الحلقة المفرغة من الإفلات من العقاب؟
لي فونغ: الإفلات من العقاب يُغذّي دوراتٍ مُستمرة من العنف والانتهاكات. الإجراءات الملموسة التي يُمكن اتخاذها هي دعم جميع الجهود الرامية إلى تحقيق المساءلة، ودعم تقصي الحقائق، والرصد، والتوثيق.
سيؤدي ذلك إلى عمليات مساءلة تُمكّن مراقبي حقوق الإنسان من الوصول، وآليات تمكنهم من توثيق الوضع على أرض الواقع، والدعوة الفعّالة إلى حماية المدنيين وإجراء التحقيقات.
وأن تكون المساءلة جزءا من الطريق نحو السلام في السودان. أعتقد أنه من المهم جدا أيضا الدعوة إلى الشمولية، وإلى سماع أصوات الشعب السوداني من جميع أنحاء البلاد، من مختلف الفئات، لضمان أن تكون مسارات السلام شاملة وأن تعكس أولويات واحتياجات وواقع الناس على أرض الواقع.

OHCHR/Sudan
فريق مكتب حقوق الإنسان في السودان يستمع إلى نساء سودانيات.
أخبار الأمم المتحدة: بينما نُحيي يوم حقوق الإنسان، هل من بصيص أمل فيما يتعلق بوضع حقوق الإنسان في السودان؟
لي فونغ: نعم، على الرغم من المعاناة الهائلة التي نراها وحجم الانتهاكات التي نواصل توثيقها، إلا أن هناك بصيص أمل، وهو يأتي في المقام الأول من الشعب السوداني نفسه.
أعتقد أنه على الرغم من التحديات الهائلة، يواصل المدافعون السودانيون عن حقوق الإنسان، والمتطوعون الإنسانيون المحليون، والمجموعات والشبكات المجتمعية، إظهار شجاعة وإصرار استثنائيين.
إن صمودهم ومبادراتهم لدعم مجتمعاتهم المحلية تؤكد الحاجة الملحة إلى استمرار وجودهم الدولي، واتخاذ تدابير حماية أقوى، ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
عزم المجتمعات يُؤكد أن أسس مستقبل عادل ومستدام لا تزال قائمة، وأنها موجودة وتعيش مع الناس
في الأسبوع الماضي، كنت في العاصمة الخرطوم، وشهدتُ صمودا ملحوظا وسط الدمار في العاصمة. ورأينا أن المجتمعات التي عانت من مصاعب لا يمكن تصورها، واصلت بالفعل دعم بعضها البعض، وحماية جيرانها، والإصرار على العيش بكرامة رغم المخاطر والصعوبات التي تواجهها بصورة يوميا.
إن تصميمهم يُذكرنا بقوة بأن أسس مستقبل عادل ومستدام لا تزال قائمة، وأنها موجودة وتعيش مع الناس.
أعتقد أن هناك أملا أيضا في تجدد الاهتمام بالوضع في السودان. من المؤسف أنه على الرغم من التحذيرات العديدة بشأن مخاطر الفظائع والانتهاكات واسعة النطاق، لم يبدأ الاهتمام الدولي بالسودان إلا بعد حدوث تلك الفظائع.
لكننا الآن بحاجة إلى اغتنام هذه اللحظة، ومواصلة الضغط من أجل السودان، ومواصلة الاهتمام به، ومواصلة الاهتمام باحتياجات حماية شعبه.
وأعتقد أننا بحاجة إلى النظر في كيفية حشد الجهود في هذا الصدد، وكيفية الاستفادة من تكاتف المجتمع الدولي لإدانة الانتهاكات والسعي إلى إيجاد مسار للمضي قدما.
وأعتقد أن الجهات الفاعلة في المجالين الإنساني والحقوقي تلعب دورا بالغ الأهمية في هذا الصدد. نواصل الدعوة إلى توفير الوصول والحماية والمساءلة، وتوفير الموارد والدعم السياسي اللازمين للقيام بذلك.
سيكون الطريق طويلا، ولكنه يتطلب نهجا متعدد الجوانب على مستوى منظومة الأمم المتحدة. نحن فريق الأمم المتحدة في السودان، نعمل جاهدين لمعالجة أزمة الحماية هذه، وحالة الطوارئ الإنسانية التي سببتها. ولجعل الناس محور الاستجابة للأزمة، وللدعوة إلى تحرك سياسي جريء لإنهاء هذا الوضع.
لذا، أشعر أن هناك بصيص أمل، وهو بحاجة إلى دعم. سنواصل العمل، وسنواصل دعمنا لشعب السودان، لا سيما الآن في يوم حقوق الإنسان، وفي ختام حملة الـ 16 يوما من النشاط ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي، وللوقوف إلى جانب نساء السودان أيضا.


