زكريا حامد… حين تكتب السخرية بمداد الوعي
في الخامس من ديسمبر، تمر ست سنوات على رحيل أحد أعمدة الصحافة السودانية، الكاتب الساخر زكريا حامد، الذي غادرنا في صمت، لكنه ترك وراءه صدى لا يخبو في ذاكرة قرائه وزملائه ومحبيه.
ولد زكريا حامد ليكون صحفياً مختلفاً. منذ تخرجه في جامعة الأزهر عام 1985، انطلق في مسيرة مهنية حافلة، تنقل خلالها بين عدد من الصحف، لكنه لم يكن مجرد ناقل للأخبار، بل كان صانعاً للدهشة، وناقداً لاذعاً للواقع، بأسلوب ساخر لا يُجارى. زاويته اليومية الشهيرة “حاجة غريبة” لم تكن مجرد عمود صحفي، بل كانت مرآة تعكس هموم الناس، وتفكك تعقيدات الواقع بلغة بسيطة، ذكية، ومهضومة.
كان زكريا من أولئك الذين يكتبون كما يتنفسون، لا يتكلفون ولا يتصنعون، بل ينسجون من تفاصيل الحياة اليومية نصوصاً تفيض بالوعي والمرح. لم يكرر نفسه يوماً، وكان قارئه على موعد دائم مع فكرة جديدة، أو مفارقة لاذعة، أو ابتسامة تحمل في طياتها مرارة الواقع.
لكن زكريا لم يكن فقط كاتباً بارعاً، بل كان إنساناً نبيلاً، وجاراً وصديقاً لا يُنسى. جمعتني به محطات سكنية متعددة، من ديوم الخرطوم إلى الصحافة، ثم مدينة الصحفيين بشرق النيل، حيث لُقّب بـ\”شيخ الوادي\”، تقديراً لدوره المجتمعي البارز. كان عضواً فاعلاً في لجان التنمية والخدمات، وساهم في إعداد أوراق مهمة عن الثقافة والفن والرياضة، كما ترأس نادي المدينة، وعمل على تطوير مركزها الصحي.
في آخر مأمورية إعلامية جمعتنا، كنا في ولاية النيل الأزرق، في ضيافة الوزير عبد الرحمن بلال، نائب الوالي آنذاك. كانت تلك الرحلة شاهدة على روحه الطيبة، وحنكته المهنية، ودفء إنسانيته.
زكريا حامد لم يكن مجرد اسم في قائمة الصحفيين، بل كان مدرسة في السخرية الهادفة، وصوتاً للناس، وضميراً حياً. رحل جسده، لكن كلماته باقية، تضيء لنا الطريق، وتذكرنا بأن الصحافة ليست مهنة فقط، بل رسالة.
رحم الله زكريا، وجعل مثواه الجنة


