السبت - 23 جمادي الثاني 1447 هـ , 13 ديسمبر 2025 م

الخارجية الأميركية: السودان على رأس أولوياتنا

الشمالية .. عودة الدولة أم مزيد من الفوضى

الشمالية .. عودة الدولة أم مزيد من الفوضى

منذ مايقارب 3 سنوات، والولاية الشمالية تتقلب بين هدوء ظاهري وعاصفة مكتومة. لكن الأيام الماضية كشفت وجهًا آخر، أكثر قسوة وفوضى، حين انقسم الناس على غير عادتهم — وهم يشاهدون الشاذلي الإدريسي، قائد مليشيا “الأسود الحرة”، محاطًا بجنرالات من القوات المسلحة، يعلن في انكسار واضح تسليم آلياته وعدّته للجيش. كان المشهد محمّلًا بمرارة الرجل وهو يردد أن المعدات اشتراها من ماله الخاص، بعد أن باع ممتلكاته وعماراته “لحماية الولاية من الأعداء”. لم يكن أحد يتوقع أن تنتهي قصته إلى هذا الإذعان الصامت.

وقبل ذلك بأيام، كانت دنقلا تعيش ليلًا طويلاً من الاشتباكات بين الجيش ومليشيا “أولاد قمري” التي رفض قائدها تنفيذ أوامر التسليم والتسريح. مليشيا عرفتها الولاية في سنوات الحرب بوصفها “حامية الاستنفار”، لكنها في جوهرها ظلّت قوةً تفرض نفوذها تحت غطاء القبيلة والمقاومة الشعبية، وتغرق في التهريب والإتاوات والعنف.

السؤال الذي انفجر في العلن: لماذا قررت القوات المسلحة، فجأةً وعنفًا، تسريح مليشيات هي التي رعَتها وسمحت لها بالتمدّد؟

الإجابة تبدأ من مكان بعيد ومن زمن ابعد يعود الى يوليو الماضي… من فجرٍ موحلٍ على مشارف الصحراء

قبل أن تبزغ شمس  ذلك اليوم بلحظات، وفيما كانت الرياح الباردة تهبّ من جهة الغرب حاملةً غباراً كثيفاً من الصحراء، انطلقت الشاحنة ذات الهيكل الرمادي المتهالك من قلب مدينة الدبة، تتهادى بثقل غامض على غير العادة. كان السائق، رجل في أواخر الأربعينيات، يُعرف في الأوساط الضيقة بـ”الظل”، يطوي الطريق بعينين يقظتين وذهن مشغول، يعلم أنه في مهمة ليست كسائر المهام.

الشاحنة التي خرجت قبل الفجر، لم تمر على نقاط التفتيش الروتينية، ولم يُطلب من سائقها إبراز تصريح أو كشف حمولة. لم يكن ذلك صدفة، بل امتيازٌ خاصٌ لا يُمنح إلا لمن يعمل تحت عباءة أحد “أساطين” الولاية الشمالية —الشاذلي الإدريسي، الاسم الذي يُقال إنه لا يُذكر على طريق إلا فُتحت له الحواجز، ولا يُطلب عند المعابر إلا ويُكتفى بهمهمة احترام وتحيّة

خلف مقود الشاحنة، لم يكن السائق يقود فقط حمولة، بل يسير وسط حقل ألغام من التناقضات: مهمة تُصوَّر على أنها “تجارة”، لكنها تتستر بغطاء من البلح والتموين، وتُخفي تحت ذلك شحنة من الوقود والذخائر. تتجه غربًا، نحو دارفور، عبر طرق غير مأهولة ونقاط ارتكاز تابعة لمليشيات قبلية مسلحة، حيث تُشترى السلامة بأموال تُسلَّم يدًا بيد، وحيث لا تسأل البنادق عن وجهتك إن دفعت الثمن.

لكن في مكان ما، قرب مشارف مناطق نفوذ قبيلة “الهواوير”، خانهم الحساب. الحمولة كانت زائدة، والطريق كان رمليًا وموحلًا بفعل عاصفة الليلة السابقة. انزلقت الشاحنة فجأة وانقلبت بجسمها الثقيل. ارتفع عمود من الغبار، وتحطمت الصناديق، وظهرت محتويات لم تكن معدّة للعيون: براميل وقود مهرب، وصناديق اسبيرات سيارات مغطاة بالخيش، وأكياس بلح كانت موضوعة بعناية في الأعلى لتخفي ما تحتها.

وصل السكان المحليون أولاً، تلتهمهم الدهشة، ثم جاءت وحدات مستنفري القبيلة لم تكن تعلم شيئًا عن هذه الرحلة. بدأت الأسئلة تتناسل  والهواتف ترن حاملة أصواتا مختلفة تطالب بانهاء الامر في مكانه ودفن الخبر في رمال الصحراء، غير ان شابا صغيرا تمسك بموقفه رافضا كل الاغراءات فالشحنة خطيرة وقود واسبيرات والوجهة دارفور فيجب ان تعلم السلطات بمايجري خلفها ومايحاك ضدها. تم التحفظ على السائق ، وبدأت الألسنة تتلعثم في دواوين الحكومة المحلية. من أرسل هذه الشحنة؟ ولصالح من؟ وما هو دور الإدريسي في كل ذلك؟ وهل كان الحادث عرضياً أم أن جهة ما قررت أن تكسر الحصانة الصامتة؟

هذه ليست قصة شاحنة انقلبت فحسب. إنها نقطة البداية لتتكشف خيط ممتد من ممرات التهريب في الشمال، إلى الأسواق السوداء في الغرب، مرورًا بعلاقات متشابكة بين نافذين في السلطة وتجار حرب وعناصر داخل أجهزة الدولة.

نُقل السائق إلى مدينة الدبة مكبّل اليدين، وهناك ــ في مبنى الشرطة الذي تحاصره الإشاعات أكثر من الأسوار ــ جلس وحيدًا، يتصبب عرقًا تحت وهج الاعترافات، قال بحسب الرواية إن الإدريسي لا علم له بما فعل، وإنه وحده من حاول تهريب الوقود والذخائر. بدا كمن يحاول النجاة بنفسه في بحرٍ تتقاذفه التيارات من موت محقق إن ربط سيده بالواقعة، او فعلا نطق لسانه بالصدق، انه كان يستغل اسم الادريسي ليغتني وحده الذي يعلم الحقيقة

ولان الأمور في عالم المليشيات لا تُترك للعدالة وحدها. فحين تتشابك المصالح وتتحرك الأوامر من خلف الستار، يُكتب الرد بالرصاص لا بالكلمات. جاءه الرد سريعًا: خُطف الشاب ــالذي رفض دفن قضية الشاحنة في رمال الصحراء ــ في وضح النهار، كمن يُقتاد إلى ثأر قديم لا ناقة له فيه ولا جمل. فزعت قبيلته، هجمت كالعاصفة، استخرجوه من أيدي خاطفيه، وخطفوا آخر  لكنهم لم يعلموا أن فصلاً جديدًا يُكتب. أعيد اختطافه مرة أخرى، وكأن الانتقام يأبى إلا أن يُسدد الثمن مضاعفًا

وفي الثالث من يوليو، انفجر المشهد. كانت الدبة قد استيقظت على همسات الغضب، لكنها ما كانت تتخيل أن يتحول سوقها إلى ساحة معركة، رصاص يتطاير، محال تُغلق، نساء تصرخ، وأطفال يحتمون خلف كل مايظنون انه سيحميهم من نيران اشتعلت فجأة على رؤسهم ، يومان من الرعب لم تعرف المدينة مثلهما في تاريخها. يومان حملت فيهما الشوارع أصداء المعركة التي تناقلتها المواقع الإخبارية على استحياء، وسمّتها صراعًا قبليًا بين الكبابيش والهواوير دون ان تثبر غورها، خوفا،من بعضها وطمعا من أخرى وكسلا من الكثير.

الحقيقة ــ التي تحاول الألسن كتمها والبيانات الرسمية تجاهلها ــ تقول شيئًا آخر: لم تكن حرب قبائل، بل مواجهة بين مليشيات ارتدت عباءة القبيلة، واستنجدت بالدم والانتماء لتغطي على جريمة العصابات، معركة صغيرة بحجمها، خطيرة بما فتحت من أبواب جهنم على استقرار المنطقة.

( القصة منشورة بالكامل في موقع افق جديد بتاريخ 5 أغسطس 2025)

في الدبة وكريمة وكرم كول، وفي مروي ودنقلا، كان الهواء نفسه يعلّق أنفاسه كلما مرّ مسلح أو دوّى عيار. مدن كانت في الصباحات الأولى تشبه صفحات نخيلٍ تُقلب على مهل، يتداخل فيها ضوء الشمس مع رطوبة الطمي، تحولت الآن إلى مسرحٍ مفتوح لمدافع تتحرك بلا موعد، وفوضى منظمة تتسلل من الأزقة كأنها تعرف طريقها جيدًا.

كان الناس يتساءلون: هل ما يزال للدولة صوت؟

أم أن الصحراء صارت تهمس بأسماء أخرى؟

تقديرات عسكرية

يقول صديق عبد المحسن لـ”أفق جديد”، وهو يشبك أصابعه ويحدّق في نقطة لا يعرف مكانها أحد:

“لا أخفيكم القول إن مشاعري تجاه الشاذلي الإدريسي متناقضة…”

يصمت قليلًا، كأنه يتتبع أثر خطوة ضائعة في الرمال.

“لست أعلم ما هو الدور الذي كان مُسنَدًا إليه، ولا لماذا تخلّى عنه فجأة. ما نعرفه أن الرجل كان مؤمّنًا للصحراء، وأن قوته الكبيرة كانت متركزة هناك. الآن، الأحاديث متناقضة حول الأسباب التي دعت إلى حل قواته ووضعه في شبه حالة احتجاز.”

ينحني للأمام، يخفض صوته، كأن الكلام صار أثقل من أن يُقال بصوتٍ عالٍ:

“نعم… قواته كانت تستأسد على المواطنين، وتفرض إتاوات على العربات الداخلة والخارجة من الولاية. هذا صحيح. لكن كل ذلك كان يتم تحت بصر القوات المسلحة والأجهزة الأمنية… فما الذي استجد الآن؟”

في مقابل هذا التشكيك، يخرج صوتٌ رسميّ أكثر هدوءًا مما ينبغي. مصدر رفيع في لجنة أمن الولاية ينفي الروايات الدائرة، يتحدث بثقة رجل اعتاد الجلوس خلف الطاولة لا في الميدان:

“مجموعتا الأسود الحرة وأولاد قمري ليستا بالحجم الذي يمكن أن يؤثر على أمن الولاية. القوات المسلحة وغيرها من القوات النظامية قادرة على تأمين الحدود بالكامل.”

يسترسل وهو يضم يديه فوق الطاولة كمن يوزّع الطمأنينة ويقول لـ” افق جديد”:

“أطمئن المواطنين… الولاية مؤمّنة تمامًا، ولا خوف من أي اختراق أمني.”

لكن حين يتعلق الأمر بقرار حل المجموعتين، تتغير نبرة صوته قليلًا، وتُغلق الأبواب غير المرئية:

“الأسباب؟ هذه تقديرات عسكرية. اتُّخذ القرار بناءً على المصلحة العامة، ولا يمكن الخوض في تفاصيل أكثر.”

وهكذا يبقى المشهد معلّقًا:

مدن تغرق في ضجيج المليشيات، وأسئلة تتوالد من الصمت، وقرارات تُعلّق على جدارٍ واحد…

جدار اسمه “تقديرات عسكرية”.

السلاح… لمن يصرخ

لم تعد حيازة السلاح مرتبطة بتأهيل أو انضباط. الأمر بسيط: اصرخ بأعلى صوتك دعمًا للجيش، واذكر “الغحاطة” بسوء، وستُمنح بندقية وربما سيارة دفع رباعي. لا أحد سيسألك عن سوابقك أو نواياك بهذا الشرط الوحيد، انخرط في ما يُسمى بـ”الاستنفار الشعبي” كل من أراد حماية نشاطه المشبوه: تجار مخدرات، مهربون، لصوص، وحتى من اعتادوا الاقتيات على الفوضى. بناءً على إفادات ضباط في الشرطة، ووجهاء إدارات أهلية، وعدد من المواطنين، تتوزع المجموعات المسلحة في الولاية الشمالية إلى خمس تشكيلات رئيسية، أبرزها. صغار المستنفرين وتضم شبابًا حديثي التجربة، يُديرهم جهاز الأمن مباشرة، ويوكل لهم مهام الحراسة الليلية في الأسواق والمرافق الحيوية. يُنظر إليهم على أنهم الأقل خطرًا، رغم أن بعضهم لا يخلو من طيش.

مجموعة “البراؤون” وتعد أكثر عنفًا من الأولى، وتضم عناصر من الحركة الإسلامية، إلى جانب معتادي الإجرام ومتعاطي المخدرات. تتخذ من نادي البركل العريق مقرًا، وتسيطر على عدد من المرافق الحكومية، تستهدف الناشطين والسياسيين الرافضين للحرب بشكل مباشر، ونفوذها آخذ في التمدد مجموعة

“أولاد قَمَري” (بفتح الراء) منها وفيها تبدأ القصة الأخطر، مجموعة لم تولد من رحم الحرب، بل من باطن الجريمة قبل الحرب، كانت “أولاد قمري” شبكة تهريب محترفة تعمل في تجارة السلاح والمخدرات، متغلغلة في الصحراء بين دنقلا والحدود الليبية. ومع اندلاع الحرب، طُلب ودّهم، جلس وفد من السلطات للتفاوض معهم، ووفق شاهد حضر الجلسة، اشترطت المجموعة إسقاط ملاحقاتها الجنائية، مقابل تأمين طرق الصحراء. وافقت القوات المسلحة، على مضض، واشترطت فقط التوقف عن التهريب. لكن من يراقبهم؟ لا أحد.!! تحولت “أولاد قمري” قبل حلها  إلى مليشيا بمقام سلطة موازية. تملك السلاح، ولديها غطاء سياسي، وتسيطر اليوم على مدن بأكملها: القولد، دنقلا، بل وحتى أطراف الدبة في سوق دنقلا، لا أحد يصرّح.

لكن الجميع يعرف يقول تاجر ــ بصوت خافت وجسد متلفت ــ إن أفراد “أولاد قمري” يفرضون إتاوات على كل شاحنة تدخل المدينة أو تغادرها، تتراوح ما بين مليون إلى خمسة ملايين جنيه، بحسب الشحنة ووجهتها. “إنهم ليسوا مقاومة شعبية”، يهمس الرجل، “إنهم مافيا تنشط في تجارة الذهب، والوقود، والمخدرات… تحت سمع الحكومة وبصرها.”

فوضى بمباركة الدولة؟

السؤال الذي كان يتردّد في أزقة دنقلا وحارات الدبة: هل ما يحدث محض فوضى؟ أم هو نظام غير مُعلن، حيث يُسمح للجريمة بأن تحكم طالما رفعت شعار الجيش؟.

الأسود الحرة أو اخوان الشاذلي ، فبراير من العام 2022 هو التاريخ الذي خرج فيه اسم “الشاذلي الإدريسي” إلى العلن لأول مرة، وسط دوّي الرصاص وصفير العربات المسلحة. عشرون مركبة رباعية الدفع، تحمل رجالاً مدججين بالسلاح، مزقت الهدوء الذي يلف تلك المناطق، اتجهت العربات وسط دهشة ورعب المواطنين صوب منزل أسرته في بلدة الغابة، لا لشيء سوى المطالبة بتسليمه. الحدث الذي تناقلته وسائل الإعلام في حينها اكتفى بالإشارة إلى أن المهاجمين يتبعون لقوات الدعم السريع، دون الخوض في التفاصيل. غير أن خلف الكواليس، كانت الحقيقة أكثر تعقيداً وتشعباً، فمجالس قرى الشمالية اشارت الى جهة أخرى جهة عابرة للحدود، انها مليشيا ليبية هكذا كانوا يقولون، وبالتقصي قادتنا المعلومات إلى مصادر مقربة من قبيلة “التبو”—وهي مجموعة عرقية منتشرة في حزام الصحراء الكبرى، من شمال تشاد إلى جنوب ليبيا وشمال النيجر، وصولاً إلى أقصى شمال غرب السودان. أحد أبناء التبو الذين تحدثنا إليهم أكد لنا وقوع الهجوم، مرجحاً أن تكون دوافعه مالية، تتعلق بخلاف بين الشاذلي الإدريسي وقائد مليشيا تبوية كان يرتبط معه بعلاقات تجارية قديمة. وأوضح المصدر أن تلك الخلافات، وإن كانت عنيفة في مظهرها، إلا أنها في الغالب سويت لاحقاً بعيداً عن الأضواء.

شبكة علاقات

اللافت أن الهجوم لم يكن حدثاً معزولاً، بل فتح نافذة على شبكة العلاقات الغامضة والمعقدة التي تحيط بالإدريسي، الرجل الذي لا يعرف له تاريخ واضح في مجال المال والاعمال، ورغم ان تقريرا أمنيا رسميا حصلنا عليه يصف مليشيا ” اخوان الشاذلي بانها الأقل عددا وعدة اللا ان الواقع يكشف أن رجاله كانوا يتنقلون بين القرى والمدن بلا هوية واضحة، أحياناً راجلين، وأحياناً أخرى على ظهور مركبات رباعية الدفع من نوع ” تندرا”. مجموعة “الأسود الحرة” كما يُطلق عليها، أو “إخوان الشاذلي” كما يفضل أنصارها تسميتها، باتت عنواناً للغموض والخطر في شمال السودان، تتقاطع مع الدعم السريع، وتتماوج علاقتها مع مليشيات “أولاد قمري”، وتتوغل في مفاصل المقاومة الشعبية والقبلية كما تتوغل الرمال في أقدام العابرين.

في الفترة التي سبقت حلها بشهور قليلة ، بدا أن العلاقة بين “الأسود الحرة” والجيش السوداني تجاوزت مستوى التنسيق الميداني العابر إلى ما يشبه الشراكة الميدانية على الأرض، وإن ظلّت دون غطاء رسمي معلن اذ، شوهد مقاتلو “الأسود” يقاتلون جنبًا إلى جنب مع وحدات من القوات الخاصة في بعض المعارك الصغيرة في الصحراء، وقد حمل بعضهم أجهزة اتصال عسكرية تُوزّع عادة على الوحدات النظامية، وارتدوا صدريات واقية شبيهة بتلك التي يحملها الجنود النظاميون، في مشهد أربك المراقبين.. رغم ان ذات التقرير الي اشرنا اليه سابقا صنفهم كمجموعة منفلتة تصعب السيطرة عليها. أحد الضباط، الذي شارك في قيادة محور عمليات، أخبرنا أن المجموعة تلعب “دورًا نوعيًا في تأمين المحيط الريفي” لما يصفه بـ”مثلث الخطر”، الممتد بين الكاسنجر، الزومة، وشمال القولد. “هم يعرفون الأرض أكثر من أي أحد، ويمتلكون شبكة علاقات تجعلهم فاعلين، ويتفق مع التقيم الرسمي بقوله:” لكنهم أيضًا ليسوا منضبطين، ولا يمكن السيطرة عليهم بالكامل” ـ ، قبل أن يُنهي المكالمة فجأة حين سألناه عن التنسيق الاستخباري معهم. ورغم هذا الحضور شبه الفعّال ميدانيًا، لم تُدرج وزارة الدفاع السودانية اسم “الأسود الحرة” في أي بيان رسمي، ولم يُعترف بهم كمجموعة داعمة للجيش ضمن المبادرات القبلية أو بيانات التعبئة، وهو ما يثير أسئلة حول النوايا المتبادلة وحدود الثقة. ِ

ظل الدولة

في شمال السودان، بدت الدولة وكأنها تتحول تدريجيًا إلى ظل باهت، بينما تتشكل سلطة جديدة بلا ملامح واضحة، تصنع الأمن مثلما تصنع الفوضى. ليست هذه مجرد مجموعات مسلحة منفلتة، بل طبقات من القوة نشأت من رحم الحرب، وتحوّلت إلى لاعب أساسي في المشهد.

من يملك السلاح يملك الطريق، ومن يملك الطريق يملك القرار

وهكذا صار السؤال الذي يهمس به الناس في الأسواق والطرقات، بين خوف مكتوم ودهشة متعبة:

هل تستطيع الدولة أن تعود أصلًا… بعد أن صار من يحملون البنادق هم الذين يكتبون قواعد اللعبة؟

أفق جديد

لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

حجز اسمكم المستعار سيحفظ لكم شخصيتكم الاعتبارية ويمنع الآخرين من انتحاله في التعليقات
دخول سجل اسمك المستعار
حجز اسمكم المستعار سيحفظ لكم شخصيتكم الاعتبارية ويمنع الآخرين من انتحاله في التعليقات
التعليق كزائر سجل اسمك المستعار نسيت كلمة المرور
حجز اسمكم المستعار سيحفظ لكم شخصيتكم الاعتبارية ويمنع الآخرين من انتحاله في التعليقات
التعليق كزائر سجل اسمك المستعار نسيت كلمة المرور