النصر… مجد يتجاوز الحدود ويستقر في القلوب

النصر… مجد يتجاوز الحدود ويستقر في القلوب
  • 28 ديسمبر 2025
  • لا توجد تعليقات

السمؤال محمد إبراهيم

ليس من قبيل المصادفات العابرة أن يسطع اسم نادي النصر السعودي في الوجدان العربي على هذا النحو المهيب؛ بل هو قدر كتبه التاريخ بإتقان، حتى غدا النصر علامة فارقة، ورمزاً يستوطن الذاكرة قبل أن يزاحمها أي نادٍ آخر. فالنصر، في حقيقته العميقة، ليس مجرد فريق ينافس، بل هو حالة إنسانية مفعمة بالجمال والسمو، تتجسَّد فيها روح الأصالة، وتنبض فيها رؤى المستقبل، وترفرف فوق ساحاتها قيم البذل والشغف والإصرار. إنَّك حين تتابع النصر، لا تتابع مباراة فحسب، بل تشهد مشهداً شعريَّاً مكتمل الأركان، يكثف معنى الإرادة التي لا تهزم.
ولم يكن أبناء السودان يوماً في أطراف هذه الحكاية أو في هامشها، بل كانوا في لبها وروحها، يقاسمون النصراويين الفرح كما يقاسمونهم الانتماء. نحن السودانيين لم نتعلق بالنصر تعلق المتفرج، بل تعلق العاشق الذي وجد في هذا النادي مرآة لروحه : صدقاً، ووفاءً، ونبلاً في الخصومة، ومروءة في المنافسة. نتابع انتصاراته كأنَّها امتداد لأفراحنا الوطنية، ونحفظ أسماء رموزه كما نحفظ أسماء من نحب ونجل. ويبلغ هذا الفخر ذروته حين نذكر المؤسس الرياضي الراحل أحمد البربري، ذلك السوداني الذي جاء بفكره النير وهمته العالية ليكون أحد الذين أناروا البدايات في مسيرة هذا الكيان العظيم. لم يكن البربري مجرد رجل أسهم في تأسيس نادٍ؛ بل كان حلقة وصل بين قلبين : قلب السودان الذي لا يعرف سوى الإخلاص، وقلب المملكة الذي لا يعرف سوى الكرم والعزم. إنَّ ذكره بالنسبة لنا ليس سطراً في دفتر التاريخ، بل صفحة من صفحات العطاء السوداني الذي امتد ليمنح الرياضة السعودية قيمة سامقة ورونقا يستحق الاحتفاء.
وهكذا، فإنَّ محبتنا للنصر ليست شعاراً، بل امتداداً لدم حار، وجذور ضاربة، وعلاقة وجدانية عمقها أبعد من أن تختصر بالكلمات. إنها محبة تكتب بصدق، وتروى بفخر، وتصل المسؤولين قبل الجماهير، لتقول لهم : إنَّ في السودان قلوبا تصفر مع النصر، وتنبض بحبه، وتؤمن بأنه ليس مجرد نادٍ… بل مجد نحبه كما لو كان جزءا من وطننا.
إنجازات ترسم ملامح المجد :
إنَّ مسيرة نادي النصر ليست مجرد أعوام تمضي في سجلات الرياضة، بل هي ملحمة من الضوء، تتقد فصولها كلما خط الفريق اسمه فوق منصات البطولات. فمن بطولات الدوري التي اعتلاها في مواسم متعددة، إلى كؤوس الملك التي رفعها بيدين لا ترتجفان، إلى ألقاب السوبر التي جاءت كتتويج طبيعي لمسيرة لا تعرف الانطفاء، كل إنجاز من هذه الإنجازات كان أشبه بوشم ذهبي ينقش في ذاكرة الرياضة العربية. ولم يقف النصر عند حدود المنافسة المحلية، بل وسع أفقه إلى القارة، يقف شامخا في البطولات الإقليمية، حتى بلغ مشاركته العالمية الأولى التي لم تكن مجرد تمثيل شرفي، بل لحظة تاريخية واثقة حجز بها النصر مقعده في الصفوف الأولى من الحضور العالمي، مثبتا للعالم أن لهذا النادي روحا لا تخضع لقيود ولا تعرف المستحيل.
إن إنجازات النصر ليست أرقاما تسجل في جداول، ولا بطولات تعلق على الجدران؛ هي قصائد من الإلهام، ومشاهد من التحدي والإصرار، ودروس في أنَّ المجد لا يمنح، بل ينتزع بعرق الرجال الذين يعرفون قيمة الشعار الذي يحملونه. كل بطولة من بطولاته تحمل خلفها ليالي طويلة من الصبر، وأياما من العمل المتواصل، وحكايات من الطموح الذي لا يلين. ولأننا نحن السودانيين نرى في النصر صورة من الروح التي تشبهنا، روح الإصرار والكرامة والاعتزاز فإن كل انتصار يحققه هذا النادي ينعكس فرحا في قلوبنا، وكأنه نصر وطني نعيشه في بيوتنا وساحاتهم. إننا ننظر إلى إنجازات النصر بعين المحب، لا بعين المتابع؛ وبقلب الوفي الذي يوقن أن هذا الكيان العريق ماضي في صناعة مجد جديد، يشهد عليه القاصي والداني.
إن هذه المسيرة الأصفرية المشرقة، بكل ما تحمله من عظمة وتميز، تجعلنا نكتب اليوم بإيمان كامل أن النصر ليس مجرد فريق ناجح… بل هو فصل من فصول المجد العربي، وراية يحق لكل محب وفي مقدمتهم السودانيون أن يفخر بأن تظل خفاقة في سماء المنافسة والإنجاز.
جسور محبة بين شعبين :
ليست العلاقات بين الشعبين السعودي والسوداني علاقة طارئة تصاغ عند الحاجة، ولا هي مشاعر عابرة تهب مع الرياح ثم تنطفئ؛ بل هي علاقة ضاربة في عمق التاريخ، امتدت جذورها في الأرض قبل أن تمتد في القلوب، وتشابكت عبر عقود من الأخوة الصافية والشهامة المتبادلة والمصير الذي جمع الشعبين تحت راية الود والاحترام. إن هذا الاتصال الروحي لم تصنعه المصالح العابرة، بل صنعته طبائع الكرم الأصيل، وطبائع النبل التي تشبه بعضها في كلا البلدين، حتى بدا وكأن القلبين ينبضان بإيقاع واحد.
وفي وسط هذا الامتداد العريق، جاءت الرياضة كدبلوماسية شعبية وفي مقدمتها كرة القدم لتكون لغة إضافية من لغات المحبة، وجسرا آخر يمد بين القلبين، يعبر فوقه الفرح، وتنتقل عبره مشاعر الانتماء الخالص. وكان نادي النصر واحداً من أبهى هذه الجسور؛ جسراً مذهباً يتلألأ مثل راياته، يجدد كل عام مساحات الود، ويزيد وشائج القرب بين الشعبين. لقد وجد السودانيون في النصر شيئا يشبههم : صفاء الروح، وصدق العاطفة، وقيمة الوفاء. ولذلك لم تكن علاقتهم بهذا النادي علاقة مشجع بفريق، بل علاقة قلب بقلب، وانتماء يتجاوز الرياضة إلى ما هو أعمق وأجمل. إنَّ حبهم للنصر ليس مجاملة ولا فورة تشجيع، بل هو امتداد لعلاقة تاريخية تفيض احتراما للمملكة وشعبها، وتنعكس على هذا الكيان الرياضي الذي أصبح دون مبالغة أحد رموز الود بين البلدين.
وفي كل مرة يرفع فيها النصر رايته، وفي كل لحظة يخط فيها انتصارا جديدا، تتردد الأصداء في بيوت السودانيين كما لو أن الفرح قد عقد في ساحاتهم. وهذه المحبة الصادقة، التي يمتلئ بها وجدان السودانيين تجاه النصر، هي رسالة نقدمها للمسؤولين والجماهير على حد سواء : إن لهذا النادي مكانة في قلوبنا لا تتزحزح، وإنه جسر محبة نعتز به كما نعتز بتاريخنا المشترك، وكأنما خلق ليكون سفيرا للود بين البلدين.
ختاما… انتماء لا يخبو ونور لا ينطفئ
إنَّ حبنا لنادي النصر ليس عاطفة عابرة تولد في لحظة حماس ثم تنطفئ، ولا هو موجة تشجيع تصعد وتهبط وفق نتائج مباريات؛ إنه انتماء ضارب في أعماق الروح، يغذيه التاريخ، وتقويه الأيام، وتجدده تلك الراية الصفراء التي ترفرف فوق منصات المجد. فالنصر، في جوهره، فكرة قبل أن يكون فريقا؛ رؤية تتجاوز حدود المستطيل الأخضر، ورسالة في الصبر، والإصرار، والارتقاء، تتربع في قلوب عشاقه من الخليج إلى قلب إفريقيا.
ولأنَّ أحد مؤسسي هذا الكيان الوضيء الراحل أحمد البربري يمتد بجذوره إلى وطننا السودان، ولأن قيمه تشبه قيمنا، فقد حمل السودانيون النصر في صدورهم كما يحمل المرء اسماً من أهله، وذكرا من أحبابه. أما رموزه الذين مروا على ملاعبه جيلا بعد جيل، فقد أسرونا بأخلاقهم قبل بطولاتهم، وبعطائهم قبل شهرتهم، حتى غدت علاقتنا بالنصر علاقة محبة خالصة لا تعرف التردد، ووفاء أصيلا لا يعرف الانطفاء. إن النصر بالنسبة لنا ليس مجرد كيان رياضي نتابعه، بل جزء من ذاكرة عاطفية نعتز بها، وتاريخ نرويه لأبنائنا، ووشيجة محبة تمتد من قلوب السودانيين إلى قلب كل مسؤول وجماهير النادي. وإننا ونحن نكتب هذه الكلمات، إنما نكتبها بروح تهديكم من السودان تحية تقدير، ومحبة صادقة، ودعاء دائما بأن يبقى النصر كما عهدناه: شعلة مجد لا تخفت، ونورا لا ينحسر، واسما يزداد ألقا كلما امتد عليه الزمن.
وهكذا يبقى النصر في قلوبنا ليس مجرد فريق… بل حالة انتماء لا تنتهي، ووفاء لا يبهت، وعشق يزداد رسوخا وإشراقا مع كل يوم جديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*