د. جلال صالح: الوجود البجاوي في المنطقة أقدم من الحبشي

عبر فعاليته الثقافية الأولى بالرياض: “شاكات” الثقافي يناقش ندوة “الحبشة والبجة”

عبر فعاليته الثقافية الأولى بالرياض: “شاكات”  الثقافي  يناقش ندوة  “الحبشة والبجة”
  • 08 ديسمبر 2017
  • لا توجد تعليقات

الرياض ــ رصد التحرير:


جانب من الحضور

أقام منتدى شاكات الثقافي بالرياض، يوم الجمعة الماضي (2 ديسمبر 2017م) أولى فعالياته الثقافية بمدينة الرياض، عبر ندوة “الحبشة والبجة” التي استضاف فيها الباحث الإرتيري الدكتور “جلال الدين محمد صالح” الأستاذ المشارك بجامعة نايف للعلوم الأمنية، للحديث حول كتابه “الحبشة والبجة”، إلى جانب الدكتور “أحمد الصادق” أستاذ اللغويات بجامعة الخرطوم وجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض. وقدم الندوة الكاتب الصحافي عبد الجليل سليمان.

ابتدأ مقدم الندوة عبد الجليل سليمان حديثه بالقول: (في إطار تدشين أولى فعالياته الثقافية بهذه الندوة عن “الحبشة والبجة” ، يهدف منتدى شاكات الثقافي إلى التطرق لبعض قضايا واقعنا الثقافي والتراثي لإلقاء الضوء عليها وإتاحة التفكير والحوار حولها باعتبارها قضايا تتصل بوجودنا التاريخي وجزء من هويتنا التراثية، آخذين في الاعتبار، أيضاً؛ أن هذه القضايا التاريخية لا يزال لها وجود في واقعنا. كما يهدف المنتدى إلى تحريك نقاش حيوي جدي والتفكير بطريقة إيجابية في الجدل التاريخي المتصل بهوية الحبشة والبجا. فالحديث عن الحبشة والبجا في سياق تاريخي هو جزء من التعرف على الهويات المشكلة للوجود الراهن لشعبي البجا والحبشة؛ فالبجا والحبشة اليوم لا يشكلان قبيلة بعينها بقدر ما هما كيانان تاريخيان في حدود متاخمة لبعضها البعض. بالطبع لقد كان هناك تأثير وتأثر متبادل بينهما). وأضاف عبد الجليل في تقديمه للندوة: (ليس من المهم اليوم، في تقديرنا، تتبع وفحص الهويات الصافية في منطقة البجا والحبشة وعلاقتهما بالعرب، بقدر الأهمية التي يجب أن نوليها للمعرفة التاريخية حول هذين الشعبين كشعبين، لا كقبائل، واستلهام الوجود التاريخي للبجا بما يضيفه لوجودنا المعاصر في هذه المنطقة الممتدة بين السودان وإرتريا من عراقة وعمق في التاريخ. دون أي توهم لقيمة مضافة لشعب على شعب (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).

وختم مقدم الندوة حديثه بالقول (ندرك في منتدى شاكات بعمق: أن واقعنا القبلي اليوم يعكس اختلافاتٍ وأصولاً متعددة وكريمة لهذا الشعب أو ذاك، من شعبي هذه المنطقة ــ منطقة البجا والحبشة ــ مع التأكيد على أن الهوية البجاوية هي الإطار الغالب لنمط الحياة لجميع قبائلنا في هذه المنطقة).

بعد ذلك استهل الدكتور “جلال الدين محمد صالح” ، حديثه عن العلاقة التاريخية بين الجبشة والبجا من خلال تتبع تاريخي لطبيعة العلاقة، حيث أوضح بأن الجذر السامي ًللأحباش يعود إلى الهجرة التاريخية لقبيلتي “حبشات” و”الأجاعز” اليمنيتين اللتين هاجرتا قبل 3 آلاف سنة إلى الساحل الغربي للبحر الأحمر في الهضبة الحبشية، وأسسوا، فيما بعد، دولة وحضارة “أكسوم” التي شكلت امبراطورية الحبشة التاريخية. فيما أكد ، كذلك ، أن الوجود البجاوي في المنطقة أقدم من الوجود الحبشي ، وإن تميز الأحباش بالطبيعة المركزية لدولتهم إلى جانب الأبجدية والنمط الحضاري الإمبراطوري.

أما البجا فبحسب الدكتور جلال ، فقد تميز نمط حياتهم باللامركزية ، رغم حديث المؤرخين عن خمس ممالك لا مركزية كانت في أرض البجا التاريخية الممتدة اليوم على تخوم ثلاث دول ” مصر ـ السودان ـ إرتريا” .

وبخصوص العلاقة بين الحبشة والبجا تحدث الدكتور جلال الدين بأنها كانت علاقة صراعية سجل التاريخ عنها معارك كبرى بين الكيانين ، كما أبان ، في الوقت ذاته، ان مملكة أكسوم أن نهاية دولة أكسوم كانت على أيدي القبائل البجاوية ، بعد حروب عديدة قامت بين البجا والحبشة.

من جانبه ، تحدث الدكتور أحمد الصادق كمناقش أول في الندوة ، منوها بالتلخيص المتميز الذي قدمه الدكتور جلال الدين محمد صالح لمحتوى كتابه ” الحبشة والبجة” في الندوة ، ثم تحدث عن أهمية تكامل المنهج الأر كلوجي ” الآثاري” واللساني إلى جانب المنهج التاريخي لمنطقة الحبشة والبجا للخروج بتصور تاريخي يؤطر الحركة التاريخية للحبشة والبجة ضمن سياق معرفي عام. وأكد الدكتور أحمد الصادق أن كتاب الدكتور جلال سد فجوة مهمة في تاريخ هذه المنطقة أمام الباحثين لأن هناك قلة في الدراسات.

وقال الدكتور أحمد الصادق (وهو متخصص في اللغويات) بأن اللغة الجئزية من أعظم اللغات الأفريقية ، ولازالت آثارها وأصواتها موجودة في اللغات التي تحدرت منها ؛ كالأمهرية ، والتجريرنية ، والتقراييت. وتطرق د. الصادق إلى أهمية التواصل اللساني الذي انعكس على هامش الصلات البينية بين البجة والحبشة. كما استشهد د. أحمد الصادق بمقولة ” اللغة هي الأداة المثالية للإمبراطورية ” في إشارة إلى أهمية اللغة الجئزية في قيام الإمبراطورية الحبشية وحضارتها التي ارتبطت بها واصفا إياها كأعظم الامبراطوريات في التاريخ . ولهذا يرى أحمد الصادق أن هذه اللغات تعتبر في جزء منها ـ كالتقراييت ـ لغات حدودية مشتركة بين السودان وإرتريا ، إلى جانب التداخل القبلي والسودان وأثيوبيا . كما أشار وفي في ختام الندوة تم فتح الباب للمداخلات ، حيث تحدث في البدء محمد جميل ” رئيس منتدى شاكات الثقافي ” طارحاً تساؤلات عديدة حول المحاضرة التي قدمها د. جلال ؛ كالعلاقة المقطوعة بين الحبشة والعرب في الجزيرة ، إلى جانب اختلاف الذاكرتين التاريخيتين ، حيث طور الحبش حضارتهم بمعزل عن العرب في جنوب الجزيرة ، فيما يصور الدكتور جلال الأمر في كتابه ؛ كما لو أن تلك العلاقات علاقة ذات صلات حية ومتبادلة . وذكر محمد جميل أن البجا ، رغم وجودهم التاريخي على مدى 4 ألف سنة ليس لديهم كتاب واحد مرقوم ؛ إلى جانب أن هناك تمازج تم بين البجا والحبش ؛ فهناك قبائل حبشية ” تبجَّت ” ، والعكس صحيح. ثم تحدث بعد ذلك العديد من المتداخلين في نهاية الندوة ؛ كالأستاذ أبوبكر محمد علي ، والمهندس محمد أحمد إبراهيم ، والأستاذ إدريس كيكا ، وآخرون . وفي ختام الندوة تم تكريم كلا من : الدكتور جلال الدين محمد صالح ، والدكتور أحمد الصادق والفنان التشكيلي جمال محمد عمر ، عبر شهادات تقديرية على جهودهم الكريمة في إنجاح ندوة “الحبشة والبجة”.

يذكر أن منتدى ” شاكات ” الثقافي بالرياض هو مجموعة ثقافية تُعنى بالثقافة والإبداع والتراث والتاريخ واللغة والذاكرة والفنون لجميع الناطقين بلغة “التقراييت” من خلال مناشط ثقافية وفنية ؛ تستهدف : ترقية الخطاب الثقافي العام والتأكيد على هوية إنسانية أكثر تعبيراً عن المعنى الحضاري للتراث والثقافة في لغة ” التقراييت ” عبر مساهمات المبدعين والمثقفين والكتاب والفنانين الناطقين بها فيما تعني كلمة ” شاكات “: الينابيع الصغيرة في ذات اللغة التي يتحدث بها قبائل بنو عامر والحباب وغيرهم في شرق السودان وغرب إرتريا.

التعليقات مغلقة.