فاصل ونواصل

انحنا وانتـــــــو (1-2)

انحنا وانتـــــــو (1-2)
  • 13 مايو 2017
  • لا توجد تعليقات

عبدالحميد قرناص

في ذات نهار عطبراوي لم تقلع فيه كتاحة خرجت (السرة بت السريرة بت سيد أحمد ود خشم الرايحة) متجهة بكامل زينتها وشياكتها وثوبها (الرسالي اللندني) الذي كان أحدث موضة آنذاك .. خرجت من منزلها الكائن مربع (5 شرق) في الموردة إلى القلعة؛ لحضور صبحية (ستونة بت ست النفر بت ود اللقية).
كان الشارع هادئاً يخترقه قليل من السابلة وبعض العمال على (عجلاتهم)، إذ كان الصوت الوحيد المسموع في الشارع هو صرير جنازير هذه العجلات، التي يفتقر معظمها الى الزيت والشحم… كل سارح في شأنه وهمومه؛ (العطشجي) الذي يحلم بأن يكون (سواق قطر)، والمحولجي الذي يعد السنين ليصبح (كمساري تذاكر)، وفيهم الكمساري الذي يتمنى أن يتجمد الزمن حتى لا يرقى الى (ناظر محطة خلوية)!!
كيف لا (والسرة) اا زالت تتذكر ابن خالها العسكري (إسماعين قلشين) الذي كتب ورقة استرحام للكومندان لتأخير ترقيته إلى وكيل عريف عاماً آخر؛ ليظل في مكانه بوليساً لكوبري عطبرة لحاجة في (لوري يعقوب)!
فيما عدا هؤلاء، فإن الشوارع عادة تبقى خالية وهادئة في هذا الوقت من الظهير؛ ذلك لأن الفرنجة كانوا قد أحكموا على عطبرة نوعاً من الانضباط الوقتي والمرتبط بصوت الصفارة، تلك التي تضبط إيقاع الحياة في عطبرة ابتداءً من الخامسة صباحاً وحتى الساعة الثانية ظهراً .. لكل وقت صفارة معلومة في زمن معلوم لغرض معلوم.. إلا أن هذا الانضباط بدأ يتلاشى رويداً رويدا مع الإحلال والإبدال والصالح العام و التطهير (واجب وطني) إضافة إلى الأرانيك المرضية من غير مرض أو عل..
وقفت (السرة) عند محطة (حليمة ماضي)، وهي تعيد ترتيب زينتها من وقت إلى آخر في انتظار (الباظ)، بينما هي تمسح بعينيها شارع السلك مخترقاَ (امبكول) على امتداد البصر، حتى يرتد إليها مرتطماً بردمية السكة حديد الترابية والسلك الشائك .. متوقعة أن تنضم إليها في أي لحظة (حوا كراكة) الخفيفة اللفيفة، باعتبارها مضمونة في أي حفلة مثلها مثل كراسي عمك (مكرم) صاحب محل (إيجار لزوم الحفلات من كراسي خلافه) المجاور لعيادة (فلبس مرقس محروس) الفاتحة على ميدان المولد، والمركز، الفاتح بدوره على مطعم (شطرابي)، الذي انطلق منه (عباس الشخص) مترنحاً في محاولة فاشلة لحفظ توازنه بفعل (عصير العيش)، الذي استطاع بعد لأي أن يقطع ميدان المولد ليعبر رواكيب السوق الشعبي، حتى اذا ما وصل موقف (حاج الريح) كان (باظ) الموردة قد حان موعد إقلاعه، وكان (عباس الشخص) آخر الواصلين.
السُرة في و قفتها تلك تحاشت بأعجوبة كل غبار (الباظات) العابرة بما فيها (باصات) طالبات المدارس الحكومية منها والخاصة الإرسالية والانجيلية والأقباط و الكمبوني.
حتى إذا ما لاح لها باص الموردة اعتدلت في وقفتها، وأعادت ترتيب زينتها ومكياجها، وفي دواخلها شوق جارف للوصول إلى بيت (اللعبة) هناك حتماً ستلوى الأعناق، وستصطك الأسنان، وترتفع حواجب الدهشة، بينما ترتخي الآذان للقطيعة والربا والتلاف ..
فهذا التوب (الرسالي اللندني) الأخضر المبطش والمذوق بالبصلي والكحلي لم ترتده امرأة قط، ولا حتى زوجة الحاكم العسكري، ولا قاضي المديرية، ولا مدير السكة حديد في حي السودنة..
وقف (الباظ) وحشرت نفسها في داخله لتجد نفسها جالسة مباشرة في المقعد المجاور (لعباس الشخص)، الذي آثر الوقوف ممسكاً بالشماعة في محاولة جاده للحفاظ على ما في أحشائه من خلاصة عصير العيش المركز، إلا أن الباص، لسوء حظه كان قد اتجه عند محطة حليمة شمالاً استجابة لرغبة الأغلبية المكانيكية للركاب، متغلباً على الأقلية التي كانت ترغب أن يستمر الباص في ذات الاتجاه ناحية جامع المطبعجي ليعود في خط دائري في اتجاه ( زقلونا ) والقلعة .

(نواصل)

التعليقات مغلقة.