كلام عابر

تـابـلـــويـد

تـابـلـــويـد
  • 21 أكتوبر 2018
  • لا توجد تعليقات

عبدالله علقم

ظهرت صحافة الإثارة والفضائح، التي حملت فيما بعد اسم التابلويد وهو اسم مستمد من حجم صفحة الصحيفة التي هي أصغر حجماً من حجم صفحات الصحف المعروف، ظهرت للوجود في أوائل القرن التاسع عشر كطرح جديد في الصحافة يتجاوز التقاليد الصحفية والمجتمعية المتعارف عليها، وانصب اهتمام هذا النوع الجديد من الصحافة بشكل خاص على أخبار نجوم المجتمع والرياضة والفنون وأخبار فضائح المشاهير والجرائم.

ولقيت هذه الصحافة المنفلتة رواجاً متزايداً لدى عامة الناس، حتى أصبحت بمرور السنين والتغيرات المجتمعية المتواصلة تتصدر أرقام توزيع الصحف على حساب الصحافة التقليدية المتحفظة التي تقيدها الثوابت المجتمعية والمهنية والقواعد الأخلاقية.

بدخول عصر الفضاءات الإسفيرية انتقلت ثقافة صحافة التابلويد لكثير من مواقع الإنترنت والوتساب وتويتر وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي التي هي أوسع وأسرع وأسهل انتشاراً من التابلويد الورقي.

كان مجتمعنا في زمن قريب مضى يعف عن تداول واقعات الفضائح، بل ويتكتم على هذه الفضائح ما أمكن إلى ذلك سبيلاً، بحكم الموروث المجتمعي والأخلاقي وتجنبا لإلحاق الضرر بأسرة المخطىء أو المرتبط بالفضيحة، وعملاً بالحكمة التي تقول إن المرء لو أبصر عيوب نفسه لانشغل بها عن عيوب الناس؛ وإن المرء مطالب بإصلاح نفسه أولا وسيسأل عنها قبل غيرها، وأن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف راحله، ومن سمع بفاحشة فأفشاها، كان كالذي بدأها.

كلنا، إلا من رحم ربي، مثقلون بالعيوب والخطايا، ولولا ستر الله على عباده بلطفه وكرمه لماتوا من الخجل.

قال الله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدثر:38).وقال جل جلاله: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء:15). وقال سبحانه وتعالى:(وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)(الأنعام: من الآية164).

ثقافة التربص بالناس وتلفيق التهم والجرائم لهم، والتشهير بهم ثقافة جديدة تماما أشاعها بعض أهل النظام في حياتنا في سياق الحرب على الآخر، وانساق الناس وراء هذه الثقافة البغيضة، من منطلق الشماتة ومبدأ العين بالعين والسن بالسن، إمعانا في كره النظام ونهجه المجتمعي في مجاراة غير حميدة لهذه الثقافة.

وهنا تصبح الخسارة مضاعفة.. اتباع نفس النهج والثقافة والوقوع في نفس الخطأ من جهة، والخصم الذي يحدث لا محالة من احترام الذات والقيم الجميلة من جهة أخرى. ليت ثقافة التابلويد التي ابتدعوها تنتهي عندهم مثلما بدأت منهم، فنحن حقا في أسوأ الأزمنة، وأسوأ الأزمنة هو الذي وصفه أخي الدكتور عمر محمد أحمد بأنه:

زمن تختلط فيه أقدار الناس

فيصبح الصغير كبيرًا ويصبح الكبير صغيرًا

ويغدو فيه الجاهل عالمًا ويصبح العالم جاهلًا

ويموت فيه أصحاب المواهب

ويقفز إلى قمته الأراذل و الجهلاء.

غني عن القول أن احترام الذات يقتضي نهج الخطاب الطيب الشريف في مواجهة ومناهضة القبيح. ربما تأسيساً لأي سلم مجتمعي حتى لو كان في رحم الغيب.

واستغفر الله لي ولهم ولكم.

khamma46@yahoo.com

 

 

التعليقات مغلقة.