خضر الحاوي: أول حاوٍ سوداني وكان يجيد الغناء والعزف على العود والاوكورديون

خضر الحاوي:  أول حاوٍ سوداني وكان يجيد الغناء والعزف على العود والاوكورديون
  • 26 أكتوبر 2018
  • لا توجد تعليقات

الزين حجّاز

ولد خضر رحمة الله الياس المشهور بالحاوي عام 1898 في أم درمان بحي الرباطاب في البوستة جنوب . كان يبلغ من العمر عاما واحدا عندما استشهد والده في موقعة كرري . تعود جزوره الى الشريق بالشمالية و ينتمي الى قبيلة الرباطاب التي اشتهر أهلها بالبديهة الحاضرة والذكاء الفطري . لم يتلق تعليما نظاميا ولكنه كان شغوفا بالعلم ولذلك علّم نفسه بنفسه وكان يتساءل عن جدوى أن يعلّم الناس بعض الناس فهو في ذلك الزمان قد استهجن ذلك الأسلوب وعدّه اعتمادا على الغير!! . كان خضر في الخمسينات يسافر إلي الهند في عدة رحلات بغرض التجارة وجلب البخور والضفرة وكل ما له علاقة بالعطارة على نسق أعمامه أصحاب محلات (التيمان) والتي صارت معلما بسوق أم درمان ثم انتشرت فروعها في أم درمان.

في واحدة من تلك الرحلات مكث في الهند سبعة أعوام تعلّم خلالها فنون الألعاب السحرية وعاد حاويا خارقا في الستينات ليصبح الحاوي الوحيد في السودان . احتفت العاصمة بحفلاته التي يقيمها لعروض الحواة وقدّم عروضا أفرحت الناس وأدخلت البهجة في النفوس وقد شاهدها السيد علي الميرغني و السيد عبدالرحمن المهدي . في بداية الاستقلال شاهده الزعيم إسماعيل الأزهري وهو يقوم بتقديم منولوجاته و ألعابه السحرية البارعة فأعجب به وأصدر توجيهات بأن يطوف الحاوي على المدارس في كل أقاليم السودان لتقديم عروضه التي كانت تجلب السعادة والترويح للتلاميذ .

طاف على العديد من المدارس الأولية نذكر منها مدرسه الهجرة و مدرسة النموزجية و مدرسة العباسية و مدرسة بيت المال في أم درمان و مدرسه الخرطوم شرق مدرسة الجريف غرب و مدرسة شندي و مدرسة بورتسودان . كان كذلك يقدّم عروضه في حديقة الحيوانات و حديقه المقرن في أيام الأعياد وساحة ميدان الخليفة أثناء الاحتفال بالمولد النبوي . خضر الحاوي كان جزءا أساسيا من سعادتنا في طفولتنا وقد أدخل البهجة والحيرة فينا بألعابة السحرية . كنا نقلده ونحاول أن نعرف ما يصنعه من خفة يد ولكن فشلنا و مازالت عبارته المشهورة (شخارم بخارم)عالقة بالذاكرة . شاهدته لأول مرة في نهاية الخمسينات في مدرسة أم درمان النموزجية حيث قدّم لنا عرضاً أدهشنا و أبهجنا دفعت مقابل حضوره قرشين ثمنا للتذكرة .

خلال العرض كان أحد التلاميذ ممسكا بمنديل في يده وجالسا في الصف الأمامي فطلب منه العم خضر أن يتقدم إلى المسرح ثم أخذ المنديل منه ووضع فيه بيضة ثم أعطاه صندوقا زجاجيا صغيرا بلا غطاء وطلب منه أن يرفع يده اليسرى ويضع الصندوق تحت إبطه . نفض العم خضر المنديل فإذا بالبيضة تقع في الصندوق الموجود تحت إبط التلميذ وسط ضحكات الحضور وتصفيقهم ولا يدري أحد حتى الآن كيف حدث ذلك. كان له فى ساحة المولد مسرح خشبي ثابت يقدم منه الألعاب السحرية المدهشة والأراجوز الشهير (مستر شيكو) و العزف على آلة الأكورديون يصحبه فى تلك العروض أبناؤه عبد اللطيف و حسين .

فى واحد من تلك العروض رأيته يدخل إبنه عبداللطيف بجسمه الفارع فى صندوق خشبي بنفس طوله ويرقد ممددا بالداخل ثم أحكم قفله وقام بقص الصندوق بالعرض الى نصفين من أعلاه الى أسفله بواسطة منشار.

فتح الصندوق و خرج منه عبداللطيف سالما معافى وسط دهشة المشاهدين . أيضا رأيت إبنه حسين وفى رأسه زهرية وباقى جسمه مختفيا تماما عن الأنظار وتعرف تلك الحيلة بالبلورة السحرية .

عبداللطيف خضر

تزوّج خضر رحمة الله من آمنة عبد الخالق و له منها اربع بنات و ثلاثة ابناء هم فاروق و عبداللطيف و حسين . كان يحب الغناء وكان عازفا على العود والاكورديون وهو الذي علم أبناءه الموسيقي . من خلال عروضه كان يقدم فواصل موسيقية وكان يحتاج إلى شخص من ضمن الأسرة ليرافقه فاختار ابنه عبداللطيف فعلّمه العزف وبعض أسرار الحاوي الأمر الذي انعكس على ابنه فتقطعت دراسته وفي كثير من الأحيان كان يفوته الإمتحان ويعود للدراسة من منازلهم .لم يرث عبد اللطيف ثروة من والده الذي كان ينثر الدهشة السحرية ولكنه ورث منه هواية الموسيقى وحين احترف المهنة صار الموسيقار حاويا في استنباط الألحان المؤثرة والمؤسرة والمؤنسة فبرز الينا انسانا مهذبا و موسيقيا وملحنا بارعا بألحانه الناجحة التي ساهمت كثيرا في نهضة الأغنية السودانية . ابنه حسين زاملته في مدرسة الأحفاد الوسطى و أمتعنا بعزفه على الأكورديون و قد سافر و استقر في السويد

هاشم محمد عثمان حارس مرمى المريخ في الستينات تزوّج من إحدى بنات العم خضر و أنجب ابنه هشام الذى ورث من جده موهبة العزف على آلة الأكورديون وقد قابلته و هو يعزف على هذه الآلة مع الفنان إبراهيم عوض في حفل جماهيري للجالية السودانية نظّمته في مدينة الأمير محمد بن فهد الترفيهية شرق السعودية وحسب ما علمت فقد صار موسيقيا لا يشق له غبار وهو الآن في امريكا . في الستينات توفي ابنه الاكبر فاروق خضر في حادث حركة .

تعتبر دمية اليد وسيلة تعليمية شيّقة وجاذبة للصغار وفي نفس الوقت بسيطة الصنع والتركيب وسهلة الاستخدام .لم يكن العم خضر أول حاوي سوداني فقط بل كان أيضا أول فنان محرّك لدمية اليد في السودان والتي كان يسميها (مستر شيكو) والتي استمعنا اليها في طفولتنا وهي تتحدّث و تغني . المبدع خضر الحاوي كان يفعل نفس ما فعله كثير من الفنانين العالميين نذكر منهم فنان العرائس العالمي الروسي الجنسية (سيرجيي ابرازتسوف) في مجال ثقافة الطفل وفنون الترفيه وهو مؤسس مسرح العرائس الشهير بموسكو والذائع الصيت بفضل عروضه التي جابت كل الأنحاء والذي يعتبر مسرحه واحدا من أجمل الأمكنة والانشطة الثقافية في موسكو . ذكرت هذا المبدع الذي وهب فنه لتثقيف الأطفال وللترفيه عليهمو وتذكّرت العم خضر الحاوي و تحسّرت علي أطفالنا في السودان الآن الذين لا نولي تربيتهم وثقافتهم العناية والاهتمام اللازمين وهذا ما يتضح جليا في عدم اهتمام الدولة بهذه القضية وتقصيرها في تأسيس مسرح عرائس ثابت ومتنقل لتقديم رسالته العظيمة للأطفال في السودان . العشم علي صحوة التوثيق التي انبثق نورها بين أوساط الشباب والأجيال الجديدة وعلينا دعمهم بقوة .
يحكى عن خضر الحاوي الكثير من النوادر منها :

# استيقظ العم خضر مذعورا على صوت طرق عنيف على باب منزله في فترة القيلولة وكان الطارق أحد الذين يطلق عليهم في مصر لقب الرفاعية وهم يخرجون الثعابين من البيوت وفي العادة يحملون الثعابين معهم في سلة من السعف مغطاة فسمح له العم خضر بالدخول ومزاولة عمله وبعد فترة قصيرة جلس الرجل على الأرض محتارا لأن ثعابينه قد اختفت في المنزل . بعد أن أخذ العم خضر وعدا من الرجل بألاّ يحضر لحلّة الرباطاب مرة أخرى وألاّ يزعج الناس في فترة راحتهم أرجع له ثعابينه والرجل لم يكن يعرف مع من كان يتعامل .

# في إحدى المرات أمام قهوة يوسف الفكي أوقف العم خضر صاحب تاكسي يعرفه ليوصله الى المقرن وفتح الباب ثم انشغل في حديث مع أحد المارة وأقفل الباب لكي يواصل حديثه فظن سائق التاكسي أن العم خضر قد ركب فانطلق وعندما وصل حديقة المقرن التفت فلم يجد عم خضر فظن أنها إحدى خدع الحاوي. قام بقفل زجاج السيارة والأبواب ورجع إلى المقهى وصار يصرخ : “عم خضر زاغ مني .. كان راكب معاي فجأة لقيتو مافي .. لو ما عايز يدفع لي ما مهم بس ما يجننني .. أنا عندي أولاد بربي فيهم ” !! .

# المربّي النصري حمزة كان المدير المالي لمدارس الأحفاد وعند تسديد قسط المصروفات المدرسية كان يقول للطالب حسين ابن خضر الحاوي : ” انت تجيني آخر زول ” . عندما ينتهي الجميع يفتح درجا خاصا ويقول له : ” فلوس أبوك دي أنا ما ضامنها وما بدخلها الخزنة مع قروش أولاد الناس .. أمشي و تعال لي بكره للوصل ” . بعد أن يتأكد العم النصري أن قروش ود الحاوي لم تنقلب إلى ورق أبيض يقوم بتسليمه الوصل .

لقد كان خضر الحاوي أسطورة من أساطير أم درمان الثقافية بل كان رائدا في مجال فنون الترفيه والأهم من ذلك كان رائدا وبلا منازع في مجال ثقافة الطفل في السودان . التحيه لروحه الطاهرة وستبقي ذكراه العطره خالدة في كتاب الفن والحداثة والابداع السوداني الأمدرماني الاصيل . رحم الله الحاوي المبدع خضر رحمة الله الياس و أسكنه فسيح الجنات و التحية لبناته و أبنائه و أحفاده المبدعين .

المصدر: الوان

الوسوم الزين-حجّاز

التعليقات مغلقة.