أحوال

من يعلن الطوارئ؟

من يعلن الطوارئ؟
  • 26 مايو 2017
  • لا توجد تعليقات

عبد الرحمن زروق

الأزمة في السودان تتعدد مظاهرها وتجلياتها، وهي في الأساس أزمة إرادة سياسية، فعندما تضرب الكوليرا النيل الأبيض تتحول المشكلة من أزمة صحية تستوجب التحرك السريع إلى مجرد مناكفات بين المسؤولين، وينتقل التركيز إلى الصراع الجديد، بينما يتمدد المرض، ويلتهم الأجساد المنهكة، بل يزداد انتشاره، والجميع بانتظار المنتصر في السجال.
والي النيل الأبيض قال: “إن الموت من الله”، وإنهم عملوا كل ما يمكن عمله، وإن إعلان الطوارئ ليس من اختصاصه، وبدلاً من أن ينزل الجهاز التنفيذي للدولة إلى معترك الكوليرا، ويلتقط عبارة الوالي، ويعلن الطوارئ، فإنه بدا كأنه يتابع مع الآخرين معركة في غير معترك.
وقد نبهت مسألة الطوارئ إلى الافتقار إلى المرشد، والمعين، وموجهات العمل التي ينبغي أن تتوافر لدى كل مسؤول، وهو يواجه مثل هذه الأزما،ت والدور الذي ينبغي أن يقوم به إذا لم تكن هذه الخطوة أو تلك ضمن مسؤولياته، والدور المناط به عندما تحدث الأزمة ضمن دائرة مسؤولياته، وما ينبغي القيام به إذا لم تكن الطوارئ من ضمن تفاصيل التكليف، فهو على الأقل مطالب بالتبليغ إلى من يملك حق إعلان الطوارئ بموجب حدوث المشكلة في منطقته.
ومن أزمة إلى أخرى تظل البلاد نهباً لصراعات ومعارك وهمي، بينما تستشري مشكلاتها وأزماتها المتلاحقة، تطغى كل واحدة منها على سابقتها إلى أن أصبحنا دولة أزمات بامتياز..
ونحن الآن أمام وباء يتمدد وتتوافر وسائل انتقاله بما فيها مياه النيل الأبيض الذي يتحرك في مساحة مقدرة تعج بالبشر، وبالطبع، فإن الطوارئ ليست كل الحل، ولكنها ضرورية لتوضيح حجم الوباء، واستنفار العون الداخلي والخارجي، وكان من الممكن محاصرة الوباء في بدايته، لكن للأسف، فإن الأولويات في بلادنا تنصرف إلى كل ما هو غير ضروري وغير عاجل.
ومن الواضح غياب الإرادة السياسية التي تتوفر على التخطيط والتدبير؛ لتسيير الحياة العادية، ومواجهة الأزمات بما ينبغي.
ولا يمكن بأي من الأحوال أن تكون هنالك إرادة سياسية في غياب الكوادر المؤهلة التي تعي دورها، والتي تحاسب ضميرها، والتي تعمل وفقاً لضوابط تحكم عملها وتسترشد بها.
ففي أعلى الجهاز التنفيذي يكمن الخلل طالما أنه يتكون وفقاً لترضيات ومحاصصات تحرص على تمثيل الموالين لحكومة المؤتمر الوطني، ولا يهم إن كان هؤلاء أصحاب بذل وجهد ودراية بما يوكل إليهم من مهام، بل من الضروري أن يكونوا من أصحاب الولاء والطاعة، وهم بذلك يفتقرون إلى الإرادة السياسية الحرة التي تجعلهم مبادرين وسباقين متى استلزم الأمر ذلك.
وبهذه الطريقة العشوائية تجري الأمور في السودان، وفي عصر تبرز فيه القيادات المؤهلة لإدارة دفة الحكم مع قناعتها ومشاركتها في التدابير الديموقراطية المعروفة، التي تعلي من خيارات الشعب وتحترمها، وتفسح المجال أمام الإرادة الشعبية لتقول كلمتها، وتقدم من يملثها دون ضغط أو قهر.

التعليقات مغلقة.