تجمع المهنيين وتوجس المنتفعين

تجمع المهنيين وتوجس المنتفعين
  • 30 مارس 2019
  • لا توجد تعليقات

إسماعيل عبد الله

عندما اندلعت شرارة التاسع عشر من ديسمبرفي خواتيم العام الماضي , طفق المشككون يثيرون الرأي العام بموضوع عدم وجود القيادة الفاعلة للحراك الشعبي حين انفجاره , وبعدما أخذ تجمع المهنيين زمام المبادرة و نظم التظاهرات والاحتجاجات بجداول زمنية مرتبة , عزف المشككون على وتر ماهية الشخوص الذين يقومون على إدارة مؤسسة تجمع المهنيين , و حينما أعلن التجمع عن بعض قادته شككك المشككون في خلفيات هؤلاء القادة الفكرية والحزبية , وأخيراً انكشفت أقنعة بعض النفعيين القدامى الذين يطلق عليهم رجال كل حكومة , بعد أن بدأوا يجندون الأقلام الرمادية التي لم يعرف عنها مناطحة للنظام الاخواني المناطحة الثورية التي تليق به , فالثقة الشعبية التي نالها تجمع المهنيين أوغرت صدور قدامى النفعيين هؤلاء بالغيرة و الحسد , و قذفت الرعب و التوجس و الخوف في قلوب الانتهازيين , الذين قال عنهم ظرفاء المدينة , أن الواحد منهم يعشق أن يكون محمولاً على أكتاف الحشود الشعبية , حتى لو كان جنازة مسجية على نعشٍ يرتكز على ذات الكتوف.

إنّ الذين حاموا حول حمى النظام باحثين عن هبوطٍ ناعم , لن يتحملوا وطأة التضامن الشعبي الكبير الذي حظي به تجمع المهنيين , لأنهم يعلمون أن حسابات السياسة يحسمها التأييد الجماهيري , وأن الكلمة المفصلية في أي اطروحة سياسية تستهدف المواطن , تكون هي الكلمة التي يدلي بها هذا المواطن , لذلك سوف يسعى المعتادون على التكسب والاستطعام من موائد الدكتاتوريات العسكرية بمحاولاتهم اليائسة , إلى اغتيال شخصية من أعلنهم تجمع المهنيين متحدثين باسمه , فاصحاب العقول القديمة لم يتعلموا من فنون السياسة الا فن التآمر و التشكيك و التخوين , و الانكفاء على الصراعات البينية مع نفس القوى الديمقراطية , الطامحة الى تخليص الوطن من أنياب الحكم الاسلامي الأحادي الفكرة و الاتجاه.

لقد طال انتظار شعوب السودان المنتهكة الحرية و الكرامة , حتى وصلت الى هذا الانجاز الثوري المشهود , والذي جاء نتيجة لتضحيات غالية قدمها شيب وشباب و طلاب السودان , وإنها المرة الأولى منذ مجيء نظام الجبهة الاسلامية إلى الحكم , أن توحدت جميع الفئات و الكيانات الشعبية تحت راية إسقاط النظام , ولم يشغلها أي أمر آخر سوى إسقاطه , حتى اكتملت (بحمد الله) عملية الاسقاط المعنوي , و ما يزال حبل جرار الثوار الشعبيين يكابد مشقة جر النظام , ليلقي به الرمية الأخيرة في قاع بئر الخلاص , فهذه الشعوب المقهورة لا تنظر الى وجه من يخرجها من جحيم (الانقاذ) , بقدر نظرها إلى الفعل و البيان العملي للابداع في التنسيق و التنظيم و الإدارة لهذا العمل الثوري , فقد أضاع قدامى النفعيين كل الفرص و السوانح التي جاءتهم على طبق من ذهب , وفشلوا في الاستجابة الفورية لصوت الشارع , فاليوم , ما عليهم الا أن يمدوا يد المساهمة لجموع المتظاهرين ولتجمع المهنيين , لكي يشاركوا المشاركة الفاعلة في عملية الاسقاط حتى تأتي كاملة غير منقوصة.

إنّ بلاد السودان على اعتاب حقبة جديدة من تاريخها السياسي , وتعايش مخاض ولادة جيل جديد له أدوات جديدة في صراعه مع تحديات الحياة و ضرورات الوجود , يصعب على جيل الأجداد استيعابها والالمام بمفاتيح ابوابها , و هؤلاء الاجداد هم من في سن المشير و الامام و السيد , فحقيقة هبة ديسمبر أنها لا علاقة تجمعها بمطالب الخبز و الرغيف و المواد التموينية , بقدر ما هي عملية مصيرية وكونية محتومة , ماضية لتحقيق خلافة جيل لجيل آخر , وانه لمن عجائب الزمان أن لا يتعظ الاسلاميون الذين يحملون الكتاب , ويقرؤونه ليل نهار و يخاطبون الناس بنصوصه , بما ذكر في ذات الكتاب من كثير من علامات التأكيد على عدمية الديمومة للأشخاص وللأشياء , و واقعية وحقيقة حدوث خلافة الانسان لأخيه الانسان في الأرض , وهذه الخلافة ليست بالشكل (التدجيلي) الذي رسمه هؤلاء الاسلاميون لأنفسهم وغسلوا به عقول وأدمغة النشأ , من أنهم هم المستخلفون في الأرض ولا احد سواهم , فالحقيقة أن المستخلف هو (الجيل) وليس الحزب ولا حملة الأفكار المنبعثة من الكتب الصفراء.

فالشعوب هي من يصنع الثورات , وهي من يؤسس الأحزاب و يقيم الكيانات , وليس العكس , وكل من يتقاعس عن دوره في مواكبة التطور الطبيعي لوعي هذه الشعوب أو لم يرتقي بفكره و قراءاته للواقع , لن تسعفه فكرته الواحدة ورؤيته الجامدة في مسايرة الناس ومعرفة احتياجاتهم , فالملاحظ أن الوضع في البلاد قبل الانتفاضة الشعبية الديسمبرية , كان راكناً ركون قادة الفعل السياسي في المعارضة جمعاء , مع وجود حالة من اليأس دفعت ببعضهم الى الاستجابة لخارطة طريق النظام , و الرضوخ لآليات الوساطة الاقليمية التي وضعت شروط و متطلبات بعينها , لاستكمال عملية السلام مع تحالف شقين من المعارضتين المدنية و المسلحة , ذات التحالف الذي نادى برحيل النظام من باريس قبل أيام , مترجماً معنى ومدلول اسم وعنوان الفيلم المصري (زوج تحت الطلب).

ما يقوم به تجمع المهنيين من حسن تدبير وجميل تنسيق مع الحراك الشعبي , وما يحدث من تناغم بينه وبين المواطنين , يجب أن لا يوقفه توجس منتفع ولا حرص حريص , فالعبرة تكون بنتائج الأعمال و ليست بما تثيره الظنون و الهواجس , أما وقد وجد الحراك القاصد الى اسقاط نظام البطش و التنكيل الدليل و المرمشد , ما على الذين تأخروا عن الأخذ بزمام المبادرة الا المباركة و السير في درب شعار(تسقط بس).

ismeel1@hotmail.com

التعليقات مغلقة.