فيديو الشفيع خضر

فيديو الشفيع خضر
  • 08 فبراير 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

تداولت الأسافير بصورة واسعة فيديو يتحدث فيه الأستاذ الشفيع خضر القيادي السابق بالحزب الشيوعي في جلسه سودانية مع عدد من الاشخاص عن موضوع مقابلة رئيس مجلس السيادة البرهان مع رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو ، الأهمية التي حظي بها هذا الفيديو تنبع من الشبهة التي تثور حول دور الاستاذ الشفيع خضر الخفي في الحكومة الانتقالية ، فالرجل قد ألبسته كثيرا من التحليلات عباءة العميل صفر الذي يكون هو الدينمو المحرك لكل شيء ولكن من خلف الكواليس ، و سواء صدقت هذه التحليلات ام لم تصدق الا انها أتخذت كحقيقة حين تم تداول هذا الفيديو على نطاق واسع وكأنه دليل دامغ واعتراف داخلي موثق على كذب حمدوك ، فالرجل قال في هذا الفيديو عن رئيس مجلس السيادة ( واضح انه أطلع رئيس الوزراء وحميدتي ، و أن الحديث عن عدم إبلاغهما غير دقيق وغير صحيح ) و الذين اتخذوا حديث الشفيع كدليل دامغ وصلوا سريعا إلى إستنتاج نهائي بأن حمدوك كاذب و البرهان صادق .

حتى اذا افترضنا جدلا صحة رواية وجود دور للشفيع خضر خلف بزة حمدوك وبالتالي إطلاعه على حديث حمدوك مع البرهان من عدمه ، إلا إن سؤالا مهما يظهر هنا وهو كيف عرف الشفيع ان البرهان ايضا قد أطلع حميدتي بمقابلة نتنياهو ؟!! بكل تأكيد الاستاذ الشفيع هو ليس الرجل الغامض خلف حميدتي ولا العميل صفر لقوات الدعم السريع وبالتالي لا يمكنه الإحاطة بأي حديث يدور بين البرهان وحميدتي ، بل يمكن الجزم بأن ما قاله في هذا الخصوص هو محض تحليل وإستنتاج ، وبالتالي اذا كان حديث الشفيع عن حميدتي مجرد استنتاج فإن حديثه عن حمدوك لن يعدو ان يكون استنتاجا هو الاخر .

يمكن الاتفاق مع الاستاذ الشفيع في استنتاج وحيد وهو من وجهة نظري أكثر الاستنتاجات قربا من الحقيقة وهو ان هناك حديثا قد دار بين البرهان وحمدوك قبل سفر البرهان ، وأن البرهان ذكر في هذا الحديث لحمدوك انه بصدد القيام بمبادرة جريئة من أجل اختراق حاجز الجمود في العلاقات الخارجية ( بدون ان يذكر اسم نتنياهو او التطبيع مع اسرائيل ) وان هذه المبادرة سوف تكون مرتبطة بتحقيق مصالح الشعب السوداني العليا ، وحين سمع حمدوك بان الزيارة هدفها مصلحة السودان العليا وكانت الزيارة إلى يوغندا لم يكن يتوقع سوى شيء مرتبط بأفريقيا وعلاقات الجوار الافريقي ولذلك قال للبرهان ( Go ahead ) .

كثير ما يتخاطب شخصان حول موضوع واحد ، ولكن أثناء الحديث يحتفظ كل منهما بصورة ذهنية لما يدور حوله الحوار مختلفة تماما عن الصورة التي في ذهن الآخر، بيد انهما يتفقان على الخلاصة النهائية والتي تأتي خلاصة عامة لا تلمس اطلاقا تفاصيل الصور التي يختزنها كل منهما والتي لو ظهرت لربما تغيرت هذه الخلاصة تماما ، وهذا بالضبط ما يجعل الطرفان بعد حدوث الواقعة أن يختلفا بناءا على الصور الذهنية المختلفة لكليهما فينكرها طرف وهو صادق ، ويثبتها الطرف الآخر وهو صادق ايضا ، وتقع الحيرة على المتابع لهما إذ يظن الظنون بأن أحدهما لا محالة كاذب والآخر صادق ، ولكن من هو الكاذب ومن هو الصادق هنا تكمن صعوبة الأمر .

هذا السيناريو هو الاقرب الى حقيقة ما حدث بين البرهان وحمدوك ، سيناريو أن حديثا دار بالفعل بينهما حول سفر البرهان وما سوف ينجزه في هذه الرحلة ولكنه لم يكن حديثا معمقا ، لم يكن حديثا تفصيليا ولم يضع كل ما يتعلق بهذه الرحلة بوضوح وصراحة على الطاولة ، بل كان مجرد حديث حول ان غاية هذه الرحلة ستكون هي تحقيق المصلحة العامة للوطن ، وبالتالي تم الاتفاق على الخطوة بدون ان يتم بشكل دقيق تحديد القيمة التي تجنيها المصلحة العامة من عدمها من ما سيحدث في هذه الرحلة .

سوف يستفيد البرهان وكذلك حمدوك من هذا الموقف المحرج لكلاهما ، وسوف يستفيد كذلك المجلس السيادي ومجلس الوزراء من الربكة والإحراج الذي سببه عدم الشفافية والمكاشفة والصراحة والوضوح في أمر حساس كهذا ، وسوف يعتمد الجميع في المستقبل على الوضوح الكامل حين يدور الحديث عن تنفيذ أي خطوة حساسة تستهدف المصلحة الوطنية العليا . من ناحية أخرى سيستفيد قطاع عريض من الشارع من هذا الفيديو في كشف حقيقة الرجل الغامض صفر الذي ما عاد غامضا ولا صفرا .


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.