الإصلاحات الاقتصادية في السودان: قصة بطلها رفع الدعم

الإصلاحات الاقتصادية في السودان: قصة بطلها رفع الدعم
  • 07 أبريل 2020
  • لا توجد تعليقات

د. عبدالحليم عيسى تيمان



05/04/2020

مقدمة:

بعد سقوط النظام البائد وجدت الحكومة نفسها أمام تحديات اقتصادية جسيمة تمثلت في انهيار الصناعة والتجارة ومعظم القطاعات الاقتصادية بسبب الحصار الاقتصادي، وسياسات الحكومة البائدة الفاشلة، وتفشي الفساد الكبير بكافة أشكاله، وغيرها من الأسباب، التي أدت إلى أن يعاني السودان من أزمة اقتصادية كبيرة أثرت سلباً في شؤون البلاد ومعيشة المواطنين.

بعد أجواء انتصار الثورة وتأسيس حكومة جديدة أعدت الحكومة ميزانية جديدة للعام؛ بهدف مخاطبة شعارات الثورة (حرية سلام وعدالة).

موازنة 2020:

هدفت موازنة 2020 الى إصلاح مؤسسي وتثبيت الاقتصاد الكلي وخفض التضخم واستقرار سعر الصرف ورفع معدل النمو والتنمية وخفض حدة الفقر، حملت الموازنة بشريات منها مضاعفة الصرف على التعليم وتوفير وجبة مدرسية مجانية في المدارس الحكومية، ومجانية التعليم في مرحلة الأساس في المدارس الحكومية، ومجانية العلاج في المستشفيات الحكومية، وزيادة المرتبات حتى 100% في بعض الأحيان، وتوفير أكثر من 250 ألف وظيفة للشباب وبرنامج اجتماعي لدعم الأسر الفقيرة بواقع 1500جنية شهرياً لعدد 4 و نصف مليون أسرة وتطوير برنامج الدخل الأساسيي، إضافة إلى إدخال مليون أسرة في التأمين الصحي، وتقديم الكفالة النقدية لعدد 200 ألف طالب جامعي.

وأقر مبدأ التمييز الإيجابي للولايات المتأثرة بالحروب، وذلك بتحصيل 7% لهذه الولايات، شملت إنشاء صندوق للتنمية والإعمار الذي سيوجه للولايات المتأثرة بالنزاعات، مع تخصيص مبلغ مليار جنيه للدمج، والتسريح قابل للزيادة من أجل حفظ السلام.

هذه الميزانية انحازت للفقراء وهدفها تحقيق العدالة الاجتماعية، وهي تعبر تماماَ عن مقاصد الثورة (حرية، سلام وعدالة).

بعد صدور الميزانية كلَف المجلس القيادي المركزي لقوى الحرية والتغيير لجنة من الخبراء الاقتصاديين لدراسة موجهات ميزانية 2020 وذلك في ديسمبر2019 ورفعت ملاحظاتها، وكان أهمها رفض عملية رفع الدعم التدريجي كما ورد في موجهات الموازنة. ولاحقاً تمت إجازة الميزانية بواسطة المجلس التشريعي المؤقت (مجلس السيادة والوزراء) بحضور قوى الحرية والتغيير، مع تأجيل رفع الدعم حتى قيام المؤتمر الاقتصادي.

وبسبب عدم التوافق تم تأجيل البشريات المذكورة؛ لأنها تعتمد علي توفير الأموال من عملية رفع الدعم. و تتحمل لجنة الخبراء مسؤولية تعطيل الميزانية التي كانت مجهزة وفق خطة مترابطة . وكذلك تتحمل الحكومة المسؤولية لرضوخها للضغوط التي مارستها لجنة الخبراء. كما أن عدم التوافق بين أعضاء اللجنة مع تحكم بعض الأعضاء في قرارات اللجنة تسببت في ضعف أداء اللجنة.

 وليس صحيحاً ما يقوله بعض أعضاء اللجنة عن قرار رفع الدعم عن الوقود بأنها خطة صندوق النقد الدولي، والصحيح أن الهدف واضح، وهو سد عجز الموازنة من أجل تعزيز النمو والحد من البطالة وزيادة احتياطات النقد الأجنبي وتحسين وضع الدين العام. علماً بأن صندوق النقد الدولي لا يتدخل في شؤون أيَ دولة إلاَ بطلب من الدولة المعنية.

يتحدث بعض أعضاء لجنة الخبراء لقوى الحرية والتغيير عن بدائل لسد العجز في الموازنة لكن جميع هذه البدائل تصلح كإصلاحات مالية لازمة لدعم استقرار الاقتصاد على المدى الطويل نذكر منها (الإصلاح الضريبي وتجريم التجنيب وسيطرة الدولة علي الذهب و إنشاء بورصات للذهب والمحاصيل …إلخ).

وكان من المقرر أن تساهم برامج الحماية التي تضمنتها بشريات الموازنة إلى تخفيف أثر عملية الإصلاح في الشرائح الضعيفة وحسب البرنامج سيتم توجيه نسبة من الوفر المحقق في المالية العامة إلى زيادة الرواتب، وتحسين الخدمات في الصحة والتعليم، والدعم النقدي، وتقديم الوجبات المدرسية، ومجانية الصحة والتعليم بديلاً لدعم الطاقة غير الموجهة بدقة إلى المستحقين.

ما هو الدعم:

من الواضح أن أغلب الدعم في السودان يتركز حول الدعم غير المباشر والذي تقدمه الحكومة لبعض الفئات في المجتمع ويشمل ذلك المنتجات البترولية من بنزين وغاز وجازولين والكهرباء بالإضافة إلى بعض السلع مثل الدقيق والأدوية والتأمين الصحي. والدعم غير المباشر هو الفرق بين تكلفة الإنتاج وثمن البيع.

إصلاح منظومة الدعم :

إصلاح منظومة الدعم يجب أن تكون على رأس الإصلاحات الاقتصادية للدولة، ويجب أن يكون الهدف الأساسي من الدعم الحكومي هو دعم الفئات الاجتماعية الأقل دخلاً، وكذلك معالجة الاختلالات في قطاعات الإنتاج.

 كما سبق فإن هناك ضرورة لتحويل الدعم إلى برامج زيادة الرواتب ودعم الخدمات الصحية والتعليم، وسوف يساهم ذلك في الحد من تسرب الدعم ويساعد في وصوله إلى مستحقيه، فهذه الخطوة لها ميزات عديدة فهي تساعد على إعادة توجيه الدعم، فبدلاً من دعم طبقة ميسورة من خلال دعم البنزين يكون الوضع الأمثل بيع البنزين بالسعر السائد عالمياً، هذا الأمر يجب أن ينطبق على البنزين المستخرج محلياً؛ لأن العدالة تقتضي أن يستفيد جميع المواطنين بشكل متساوٍ من موارد البلاد.

ومن أهم أهداف إصلاح منظومة الدعم هي:

  1. زيادة كفاءة الدعم من أجل ضمان وصوله لمستحقيه.
  2. يساهم رفع الدعم من تقليل الاستهلاك، إذ يجعل نمط استهلاكه أكثر رشادة ومسؤولية.
  3. 3.      كما أنه يسد ثغرات التلاعب والفساد والتهريب.
  4. إضافة إلى أنه يسير سيراً على خطى دول العالم المتقدم، إذ إن جميع دول العالم المتقدم تقريباً تعمل بحسب أسعار السوق العالمية.

وحسب ما ورد فهناك عدة عيوب مرتبطة بعملية الدعم الحالي أبرزها عدم وصول الدعم إلى مستحقيه حيث يحصل عليه المستحق وغير المستحق، فمثلا تحصل كل البعثات الأجنبية وعربات العبور الدولي والأغنياء والشركات الكبرى على هذه السلع بالأسعار نفسها التي يحصل عليها محدودي الدخل والمنتجين.  وبالنسبة إلى الولايات، فإن سعر الجازولين اليوم في أم روابة 7000ج للبرميل، وفي الفاشر 13000ج، وفي الجنينة 25000ج، وفي منطقة المثلث 3500ج، ويشتريه أصحاب المصانع ب 12 ألف داخل ولاية الخرطوم. ومن هنا يكون السؤال: هل الولايات مستفيدة من هذا الدعم؟

أمثلة لدول رفعت الدعم :

تواجه الدول المستوردة للنفط تفاقماً في عجز موازناتها كما هو الحال في موازنة 2020، حيث بلغ العجز حوالي 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، ويبقى الخوف والتردد من الاضطرابات الشعبية عائقاً أمام السير قدماً على طريق الإصلاح في معظم الدول من أجل معالجة عجز الموازنة. لكن مع ذلك نفذت عدة دول خطة رفع الدعم من أجل أن يستثمر المبلغ الذي يتم توفيره في تطوير منظومة التعليم، وكذلك الصحة، بعد عمل إعادة هيكلة للإنفاق العام من رفع قدرة الدولة علي الإنفاق. ومن هذه الدول:

  1. مصر

رفع الدعم عن الوقود خطة نفذتها مصر منذ 2014م، ليس له علاقة بقرض صندوق النقد الدولي، ولكن من أجل سد عجز الموازنة. ساعدت الإصلاحات الاقتصادية في مصر علي تعزيز النمو، والحد من البطالة، وزيادة احتياطات النقد الأجنبي، وتحسين وضع الدين العام، ووضعه علي مسار تنازلي.

  • الكويت

قرر مجلس الوزراء في 1 أغسطس 2016م، رفع أسعار الوقود بنسب تتخطي 80%، وتعدّ تلك الخطوة الأولى لرفع الدعم عن الوقود منذ 50 عاماً.

وقد سبقتها السعودية والإمارات والبحرين.

  • قطر

وفي السياق ذاته، رفعت قطر أسعار البنزين بنسب تراوح بين 30% إلى 35% وكان ذلك في 2016م.

  • عمان

  أعلنت سلطنة عمان في يناير 2016م أسعاراً جديدة للبنزين والديزل، وقالت إنها كلفت لجنة بتحديد الأسعار شهرياً بحسب تغيُرات أسعار الوقود في السوق العالمية.

  • إيران

   تبنت إيران خطة عامة في 2010 ترمي إلى زيادة أسعار البنزين والمحروقات الأخرى تدريجياً.

  • البرازيل

اختارت البرازيل سياسة الرفع التدريجي للدعم، وبهدف حشد الدعم الشعبي للإصلاحات، التزمت الحكومة بأن يؤدي تخصيص تجارة المنتجات النفطية وتحريرها إلى انخفاض الأسعار، وتحسين الخدمات، وبدأت العملية في أوائل تسعينيات القرن العشرين من خلال عمليات تحرير واسعة النطاق، شملت أسعار البنزين والديزل للمستهلك النهائي.

  • غانا

تميزت خطة إصلاح سياسة الدعم في غانا بإشراف الحكومة على حملة إعلامية واسعة، شملت خطباً عامة لرئيس الجمهورية ووزير المالية تشرح منافع الإصلاح وأخطار الاستمرار في سياسة الدعم الشامل، وتضمنت الخطة زيادة الحد الأدنى للأجور، وزيادة تمويل برامج الرعاية الصحية في المناطق الفقيرة.

  • الأردن

التجربة الأردنية كانت مميزة، ففي نوفمبر 2012م حررت الحكومة أسعار المحروقات، واعتمدت آلية تلقائية لتعديل الأسعار الداخلية وفق تقلبات الأسعار العالمية. وتوزع الحكومة تعويضات نقدية علي الأسر التي لا يتجاوز دخلها الشهري 800 دينار (ألف و 120 دولاراً)، وتبلغ قيمة الدعم السنوي 70 ديناراً لكل فرد في الأسرة التي تستحق الدعم.

هذه فقط بعض من الأمثلة لدول رفعت الدعم عن الوقود من أجل ترشيد الإنفاق لرفع الإيرادات.

سياسة إدارة العملة:

الوضع الراهن في سياسة إدارة دولار الصادر والدولار الجمركي للواردات يستدعي إعادة تقييم حقيقي وإعادة نظر واضحة. سعر الصرف الموازي ساعد عملية تدوير الفرق بين السعرين خارج النظام المصرفي، وفي هذه الحالة تتحكم الدولة في نسبة من عائد الصادر، بينما يتم تدوير الباقي في المضاربات في العملة داخل وخارج السودان وهؤلاء هم من يعارضون أي اتجاه من أجل الاستمرار في النهج نفسه. وعليه، يكون تحرير سعر صرف دولار الصادر مهماً من أجل أن تعود الفائدة للمنتج بشكل أساسي؛ لأن الزيادات بالعملة المحلية سوف تزيد من تداول الكتلة النقدية، وسوف يساعد أيضاً علي زيادة الأسعار للمنتج.

من ناحية أخرى، يجب تقييم الدولار الجمركي علي أساس السعر الجاري من أجل تعظيم عائدات القيمة المضافة وبسبب اعتماد المستوردين لسعر الدولار الجاري لإجمالي الفاتورة في قياس تكلفة الواردات وبذلك لا يستفيد المستهلك عن نسبة الخصم الممنوح للمستورد في حساب الفاتورة لغرض التقييم الجمركي.

ختاماً:

حسب تجارب كثير من الدول، نلاحظ كيف تمّ حل مشكلة الدعم من خلال قرارات متشابهة.

يواجه الاقتصاد السوداني صعوبات كبيرة، ويكون الحل في قرارات شجاعة تراعي مصالح كل مواطني السودان في مختلف أماكنهم، خاصة أن الملايين منهم أصواتهم لا تصل الي المسؤولين، في حين يرى كثيرون أن الحكومة تستمع إلى من هم أعلى صوتاً.

يجب أن تعمل الحكومة من أجل تفادي سياسات النفير، وإطفاء الحرائق، وتضع بدلاً عن ذلك سياسات توفر استدامة استيراد المواد البترولية من خلال رفع الدعم بدون تردد.

من المؤكد أن تسفر هذه القرارات عن حملات مناهضة من الطبقات الطفيلية المستفيدة من تشوهات عمليات الدعم، لكن ستنجح الحكومة إذا واصلت بإصرار في برنامج رفع الدعم بدون تردد.

ميزانية أي دولة يجب أن تخاطب الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. والبشريات التي تضمنتها الموازنة تساهم في إصلاح الاقتصاد وتؤسس للعدالة الاجتماعية، وليس من المعقول تأجيل كل هذه الفوائد بسبب التردد من مواجهة تعنت بعض أفراد لجنة خبراء الحرية والتغيير؛ لذلك القرار طبيعته الأخلاقية.

لقد تحمل وزير المالية شتى صنوف الإساءة وتقليل الشأن والاستخفاف فقظ بسبب سياسات واضحة سارت عليها أغلب البلدان في حالات مشابهة.

يتعين على رئيس الوزراء تحمل مسؤولية الدفاع عن الميزانية بالتضامن مع وزير المالية؛ لأن الميزانية هي ميزانية الدولة.

ويجب أن تؤدي الحرية والتغيير دوراً أساسياً في مساعدة الحكومة من أجل تطوير علاقاتها الدولية لتامين المساعدات المطلوبة.

الحل ليس في تغيير الوزراء، بل في مواجهة التحديات، وزيادة الموارد، وحسن إدارتها. كما شهدنا في أواخر العهد البائد عمليات تغيير متتالية لوزراء المالية ورئيس الوزراء أدت في النهاية إلى انعكاسات سلبية، وساهمت في سرعة زوال النظام.

 أخيراً، يجب العمل على تجاوز انتظار المؤتمر الاقتصادي، والعمل من أجل تجهيز ميزانية طوارئ تحمي الاقتصاد من الخلل المفاجئ الذي تسببت فيه جائحة كورونا، والذي سيقود إلى تدني كبير في الإيرادات وارتفاع في معدلات البطالة ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تفاقم العجز وربما يقود إلى انكماش الاقتصاد.

التعليقات مغلقة.