الصحافة الناطقة بالانجليزية في السودان مساع للبقاء في سوق متقلب

الصحافة الناطقة بالانجليزية في السودان مساع للبقاء في سوق متقلب
محجوب محمد صالح
  • 09 أبريل 2020
  • لا توجد تعليقات

رصد- التحرير:

تقرير (سونا) : تقوي فتح الرحمن

بتدشين صحيفة خرطوم تودي Khartoum Today الإنجليزية عادت للصحافة السودانية إحدى تقاليدها القديمة الراسخة إذْ لم تخل الخرطوم من الصحف الإنجليزية إلا لأوقات قصيرة طوال أكثر من قرن من الزمان.

لكن هذه الإصدارات الانجليزية غالبا ما كانت تواجه مصاعب مالية أوقفت الكثير منها فماذا أعدت (خرطوم توداي) لتفادي ذات المصير؟ يبدو أن الخطوة الأولى لـ(خرطوم توداي) هي أن تبقى صحيفة الكترونية تصدر على الانترنت على الأقل في بدايتها حتى تتفادى التكلفة الباهظة للإصدارات الورقية.

تاريخ مديد للصحافة الانجليزية:

تحفظ الذاكرة السودانية أسماء عديدة لأصدارات بالانجليزية اختفى أكثرها وتحاول الآن عدة جهات أن تُعيدها سيرتها الأولى.

صدرت أول صحيفة بالإنجليزية في العام 1911 تحت اسم (Sudan Herald) وتوالت بعدها إصدارات منها دورية (Notes and Records) و(Sudan Star) في العام 1940 واستمرت المحاولات قليلة على استحياء لاعتبارات مختلفة.

 ثم أصدرت دار الأيام لصاحبها الأستاذ محجوب محمد صالح عميد الصحافة السودانية (Morning News) والتي توقفت في العام 1970.

وقد تهاوت كل هذه الاصدارات عدا واحدة استطاعت البقاء والاستمرار، منذ إنشائها في العام 1976، وهي مجلة (Sudanow) التي تعد وكالة السودان للأنباء العدة لإصدار النسخة الورقية منها من جديد،

 كانت مجلة (Sudanow) هي الأقدر على البقاء حيث تراس تحريرها الان الأستاذة /عائشة سليمان يريمة ضو البيت /منذ ستة أعوام أحدثت نقلة في محتوى المجلة، حيث أصبحت تصدر بواقع إسبوعي منتظم تحوي كافة الأحداث المجتمعية (سياسية، اقتصادية، اجتماعية).  

البرفيسور عبده مختار الذي تبوأ منصب رئيس التحرير بها لفترة شاهد على العصر.

يقول الأستاذ عبده مختار: (إن المجلة ومنذ قيامها وجدت إهتماما كبيرا من الحكومة متمثلة في رأسها (جعفر النميري)، لدرجة أن غلاف المجلة كان يطبع بلندن في المناسبات الخاصة كأعياد الإستقلال، وأنها كانت ذات إنتشار محلي و عالمي واسع؛ وهذا لتميز الطرح الذي تقدمه للجمهور حيث أنتجت جميع أنواع الفنون الصحفية من تقارير وتحقيقات وأعمال إستقصائية.

بمجيء الإنقاذ بدأت المجلة بالتدهور الذي أخذ أشكال عُدة، كان أولها التعيين السياسي لرئيس التحرير أحمد كمال الدين خلفا ل فتح الرحمن محجوب و ذلك في بداية العام 1990، لم يمضي وقت طويل لتظهر أثاره جلية حيث أرسلت بعض الجهات الأجنبية بطلب لإلغاء إشتراكها؛ فالتغيير الذي أصاب الخط التحريري بات واضحاً، و كان نهاية المطاف توقف المجلة في العام 1996.

أُعيد إصدار المجلة مرة أُخرى تحت مظلة الإعلام الخارجي في العام 1998، وأُنتدب الأستاذ عبده مختار من رئاسة الجمهورية (المكتب الصحفي) ليصبح رئيسا للتحرير، عمل عبده ليُعدها ألقها. . فبدء بمعالجة ما تلف حتى أن الجهات التي سحبت إشتراكها سابقاً عادت مجددا، لكن التعيين السياسي مرة أُخرى لرئيس التحرير كتب مرحلة الهبوط الثانية ل(Sudanow)، واعتلت الحيرة خيارات الحكومة بين أن تتبعها لوكالة السودان للانباء أو أن توقفها عن الإصدار.

لم يستمر الأمر في (Sudanow) على وتيرة واحدة حيث إستقر بها الحال اخيرا في وكالة السودان للأنباء في العام 1999 على موقع بالشبكة العنكبوتية تحت عنوان sudanow-magazine.net. وكان رئيس التحرير الذي اعادها للحياة في موقعها الالكتروني الراهن هو الاستاذ /محمد عثمان ادم – مدير التحرير الحالي في وكالة السودان للانباء (سونا) -والذي استطاع  اعادتها في شكلها الالكتروني بعد ان توقفت ورقيا لعدة سنوات وذلك  تحت اشراف المدير الاسبق لسونا / الاستاذ عوض جادين محي الدين عثمان

نذكر هنا أيضا أقلام بارزة في المجلة: الأستاذ السر سيد أحمد يمكننا القول بأنه الصحفي المخضرم بمجلة (Sudanow)؛ لازمها منذ النشأة و على رغم من تركه العمل بها في العام 1980 إلا انه مازال يراسل موقعها الإلكتروني و كان أخر عمل قدمه بعنوان(Generating Wealth before Sharing it)، حيث تناول ضرورة الإنتاج و تشجيع المبادرات الإنتاجية المجتمعية مثل تجربة قرية ود بلًال بالجزيرة.

يصف أستاذ السر جمهور (Sudanow) بالمميز فهو قارئ بالإنجليزية لذا وجب عليهم تقديم المميز لهذا الجمهور، حيث تفردت المجلة بتقديم ما سماه (source information)، فكانت تنشر تقارير المؤسسات الحكومية بشكل دوري قبل أن تقوم تلك المؤسسات بنشرها.  

يقول السر: إن  الصحف الورقية بما فيها الصحف الصادرة بالإنجليزية تواجهه هجوما كاسحا في العالم بشكل عام؛ نسبة للتقدم التقني المتسارع بيد أن الإعلام السوداني يعاني من ضعف مريع ويحتاج التركيز أكثر على أساسيات العمل الصحفي، و أن هذا الضعف يعتبر أحد أسباب حالة الارتباك والغموض التي تسود الساحة السياسية والاقتصادية. 

بعد الفترة الإنتقالية عام 1986 صدرت عُدة صحف ناطقة بالإنجليزية كان منها اسبوعية انجليزية تسمى  Forward رأس تحريرها جزيف موديستو الذي كان نائبا برلمانيا عن الحزب الشيوعي في برلمان 1986  ولم تصدر سوى ثلاثة اشهر قبل أن تغلق الانقاذ كل الصحف.

قلة الإعلانات وعدم وجود راع كان له أثر كبير على الصحف الصادر بالاجليزية، لكن الإغلاق القسري للصحف من جانب السلطالت الأمنية أمرٌ يدعو للتساؤل، وهذا ما حدث لصحيفة (Khartoum Monitor) حيث أُغلقت بواسطة الحكومة إثر إنفصال الجنوب.

الصحيفة التي لم يرضى عنها المؤتمر الوطني في الشمال وكان ينظر لها على إعتبارها عنصرية تضم أبناء الجنوب فقط، ولم ترضى عنها الحركة الشعبية في الجنوب التي إعتبرتها منافية لسياساتها الرامية للإنفصال، يقول عنها محمد عثمان آدم أحد مؤسسيسها و كتابها: أنها تبنت مفاهيم الحريات وحقوق الإنسان و العدالة و قضايا الهامش.

نالت الصحيفة قبولاً اجنبيا واسعا يدلل على ذلك أن الأمم المتحدة تتخذها مساحة للإعلان هذا إضافة للطرح المميز؛ الأمر الذي مكنها من الإستمرار قرابة ال10 سنوات كما جاء في رواية محمد عثمان ادم والذي لم يسلم بدوره من استدعاءات جهاز الأمن؛ على اعتبار ما يجيء في عموده الراتب بعنوان (Frankly Speaking) الأمر الذي أثار استغرابه حيث كان عموده يعزز الوحدة ويدعو للسلام.

ثم جاءت تجربة (Sudan Vision) الصحيفة العربية المترجمة على حد وصف الأستاذ محمد عثمان دبايوا، الذي عمل بها رئيسا للتحرير بعد عودته من الخليج حيث كان يعمل بصحيفة (Gulf News).

  الأستاذ دبايوا كان مؤمنا بأن الصحافة الصادرة باللغة الإنجليزية هي نافذة البلاد على العالم، لكنه سرعان ما ترك العمل بـ(Sudan Vision)؛ لعدم توفر معينات العمل المهني التي طالب بها القائمين علي أمر الصحيفة.

وفي تضاد معه يقول الأستاذ السماني عوض الله المحرر بحصيفة (Sudan Vision): إن الصحيفة كانت تقدم محتوى ثقافي و إجتماعي أكثر منه سياسي، و كانت تُجمل الصورة الموجودة و تقدم السودان على أنه بلد للتعايش السلمي و أنه قادر على حل مشاكله، و أن تدخل المجتمع الدولي حسب رائيه أزَم الأوضاع في مناطق النزاع مثل دارفور.

أُغلقت الصحيفة بأمر من مجلس إدارتها بتاريخ 15/12/2019، لكن السماني يعزو ذلك الى ضغوطات مارستها لجنة التمكين و إسترداد الأموال على الصحيفة بإعبارها مملوكة لجهاز الأمن، حيث يصف السماني القرار بالخاطئ العاجل غير المدروس.

وخاطب العاملون بالصحيفة جهات عُدة بدءً بإدارتها و وزارة الإعلام، و مجلس الوزراء، و مجلس السيادة لمراجعة هذا القرار وهم في انتظار الردود ملتمسين خطا لرجعة عنه. 

التغيير السياسي الذي أشرنا إليه في البداية يحتم إصدار صحف باللغة الإنجليزية، هذا ما أشار إليه الأستاذ بابكر الطيب الرئيس السابق لقسم التحرير الإنجليزي بوكالة السودان للأنباء قائلاً: إن وجود صحافة إنجليزية تتميز بالمصداقية والمهنية مهم جدا؛ خاصة في فترة ما بعد الثورة واتخاذ الدولة سياسات انفتاحية على المجتمع الدولي في شتى المجالات الاستثمارية والسياسية والثقافية والتعاونية، وأن هذه الصحف ستعكس حقيقة الأوضاع في السودان دون الحاجة لمترجمين كما يحدث الأن.

يبدو أن وجهة النظر هذه مشتركة بين المهتمين بأمر الصحافة الناطقة بالإنجليزية، فالأستاذ محمد علي فزاري الذي دشن مع مجموعة من الشباب لإصدار أول صحيفة باللغة الإنجليزية  يعد قيام الثورة تحت اسم (Khartoum today)، حيث أرجع الأستاذ سبب اختفاء الصحف الناطقة بالإنجليزية إلى ضعف مستوى اللغة حتى بين دارسيها، ويتطلع فزاري إلى إنشاء صحيفة مستقلة التوجه وستكون في بداية إصداراتها إلكترونية نسبة لذاتية التمويل.

ويتفق كل الذين تحدثنا إليهم على أن الصحافة الناطقة بالانجليزية قد تراجعت لأسباب كثيرة منها ضعف الاهتمام بالنشر وقراءة اللغة الإنجليزية في البلاد بشكل عام خاصة عقب انفصال الجنوب والعزلة الدولية التي عانت منها البلاد كما كان حظ الإصدارات الانجليزية من الإعلانات قليلا ومحدودا، إضافة لتطاول يد السلطات الأمنية.

لكن “ وجود صحافة إنجليزية تتميز بالمصداقية والمهنية مهم جدا؛ خاصة في فترة ما بعد الثورة واتخاذ الدولة سياسات انفتاحية على المجتمع الدولي في شتى المجالات الاستثمارية والسياسية والثقافية والتعاونية،” وفقا للاستاذ بابكر الطيب.

الوسوم رصد-التحرير

التعليقات مغلقة.