الثورة في الطريق الخطأ

الثورة في الطريق الخطأ
  • 04 أكتوبر 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

بلادنا عجزت طوال تاريخها عن معالجة اهم قضيتين وهما قضية السلام وقضية الديمقراطية، ودفعت مقابل ذلك ثمنا باهظا من الارواح والانهيار الاقتصادي، لذلك اي مدخل لحل أزمة البلاد التاريخية يستثني واحدة من هذه القضايا سيقود إلى الفشل الذريع في بناء الدولة الحديثة المستقرة التي تلبي تطلعات الجميع، كما أن أي تقديم او تأخير لاحداهما عن الأخرى سيقود إلى الفشل وعودة الشمولية، فهما قضيتان متلازمتان.

ولتسهيل فكرة التلازم هذه نطرح هذا التساؤل هل كان غياب الديمقراطية سببا للحرب؟ أم كنت الحرب سببا لغياب الديمقراطية؟ الإجابة بنعم على السؤالين صحيحة، فغياب الديمقراطية قاد إلى الظلم والفساد والتهميش وأدى إلى تعميق جذور التباعد الوطني حتى وجد الكثيرون أنفسهم مضطرون لاستخدام السلاح لانتزاع حقوقهم. في المقابل الحرب نفسها كانت عاملا مشجعا للانقلابات والدكتاتورية، ففرية انعدام الآمن ظلت هي أشهر الشعارات التي تستخدمها الحكومات الشمولية مبررا للانقلاب على الديمقراطية وللاستمرار في الحكم بقبضة أمنية صارمة. لهذا فغياب أي واحدة سيؤدي إلى غياب الاخرى، وتلازمهما يضمن استمرارهما، علاج مشكلة الحرب هو استدامة الديمقراطية، وعلاج مشاكل الديمقراطية يكمن في استدامة السلام، لذلك لابد أن نتقدم في الميدانين معا بنفس الوتيرة ونفس الخطوات، اذا سبق السلام الديمقراطية، فإن الديمقراطية المنقوصة ستقود إلى فشل السلام وتجدد الحروب، وإذا سبقت الديمقراطية السلام فإن الحرب ستكون سببا في انهيار الديمقراطية.

تفضيل الديمقراطية على السلام بعد ثورة ابريل ١٩٨٥ قادنا الى الشمولية بسبب الحرب، اذ استخدم الانقلابيون حجة عدم الامن ومبرر مذكرة الجيش الشهيرة وأنباء وصول قوات قرنق إلى كوستي، لذلك لا يجب تفضيل الديمقراطية على السلام، كما لا يجب تفضيل السلام على الديمقراطية. عليه فلننظر لواقعنا الراهن بعد ثورة ديسمبر وأين نحن من القضيتين وكيف نتعامل معهما؟ وهل ثمة بطء في قضية؟ او بوادر تفضيل قضية على أخرى؟، ولنتذكر ان تفضيل اي قضية على أخرى لن يقودنا سوى إلى الاتجاه المعاكس بعيدا عن أهداف الثورة.

للاسف ما نراه الآن في ثورة ديسمبر هو تفضيل السلام على الديمقراطية، يهتم الجميع بالسلام ولا اهتمام بالديمقراطية، علامات تفضيل السلام ظهرت في فكرة الفترة الانتقالية طويلة الامد بحجة تحقيق السلام، والفترة الانتقالية طويلة الامد هضم لأهم مباديء الديمقراطية وهي اختيار الشعب من يحكمه بحرية، فالسلطة الانتقالية هي سلطة معينة، غير ديمقراطية، ولا تتمتع بأي شرعية أخلاقية او قانونية لكي تقود الأمة وتوحدها كما تفعل الحكومة الديمقراطية المنتخبة.

من مظاهر تفضيل السلام على الديمقراطية في ثورة ديسمبر ذهاب رئيس الوزراء الانتقالي إلى كاودا وكأنها دولة أخرى وليست أراضي سودانية، ثم ملامح التنازل من رئيس الوزراء للحلو في قضايا الدين والدولة، ثم أخيرا ما جاء في اتفاقية جوبا والتي دعت مجددا إلى زيادة امد الفترة الانتقالية لمدة تقارب العامين لتكون قرابة الخمسة سنوات!! وهي كلها أساليب جعلت السلام مفضلا على الذهاب إلى الانتخابات واختيار الشعب لحكامه، حيث يسود سكوت مريب عن الاستحقاقات الديمقراطية وعن ضرورة تلازم السلام والديمقراطية، وهو أسلوب خطأ سيقودنا مجددا لنفس مصير ثورة أبريل، فهل من مدكر؟!


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.