أزمة شرق السودان

أزمة شرق السودان
  • 05 أكتوبر 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

قضية الشرق تتصاعد نحو مراقي خطيرة لا تهدد فقط تماسك الفترة الانتقالية بل قد تهدد تماسك ووحدة السودان بكامله، ولا يبدو أن المقاربات والمعالجات التي أقرتها الحكومة الانتقالية ناجعة حتى الان، بل يبدو أن الأمر سيسوء أكثر بعد وصول جبهة الشرق وتقلدها للمناصب المتوقعة في شرق السودان، وستصبح الأزمة مركبة، أزمة الوالي صالح عمار، أزمة ممثلي الشرق في اتفاقية جوبا، وأزمة الهشاشة المجتمعية في الشرق وقابليته للصراع القبلي.

خلال الايام القليلة الماضية فقط حدثت هذه الاحداث في أزمة الشرق: تم اغتيال ضابط شرطة في هيا، تم احتلال امانة الحكومة بكسلا من قبل المحتجين، تسود الميناء حالة من الشلل ، تم إغلاق طرق رئيسية تربط الميناء بالعاصمة، تمت المطالبة بحق تقرير الشرق من البعض، هذا كله مضافا إليه منع الوالي المعين من قبل مجلس الوزراء صالح عمار من دخول كسلا وتقلد منصبه رسميا على الارض منذ تعيينه واليا على كسلا قبل أكثر من شهرين. هل هذه الاحداث بسيطة؟ هل التعامل الحكومي معها كان جادا ؟ الإجابة في الحالتين لا، نحن أمام أزمة خطيرة جدا تعجز الدولة حتى الآن عن التعامل معها بطريقة فعالة، مما يجعل المستقبل مجهولا ومفتوحا على كل الاحتمالات.

بعيدا عن الاتهامات التي يطلقها البعض على الأحداث والاجندة الخفية من وراءها دعونا ننظر من زاوية مهجورة، وهي زاوية التعيين الفوقي من قبل الحكومة الانتقالية بدون مشورة الجماهير على الارض وبدون التحسب للواقع الاثني المعقد في الولايات، هذه الأزمة جوهرها الخفي الذي لم يلتفت اليه الكثيرون هو حجب الشعب عن ممارسة صلاحياته التي يفترض أن الثورة اندلعت لتأمنها له، وان يحكم الشعب نفسه بنفسه عبر اختياره بمحض إرادته لمن يحكمه، ويمكن تلخيص هذه الازمة في غياب او تجاهل الديمقراطية من الفاعلين في الفترة الانتقالية ( وهو ما اشرت اليه في مقال الامس )، فهل نتوقع إحراز نتائج مشجعة على صعيد الوحدة الوطنية والسلام والتنمية في غياب الديمقراطية الحقيقية؟ اذا كانت الاجابة بنعم ، فلماذا ثار الشعب على الدكتاتورية التي لا تعني سوى غياب الديمقراطية، وإذا كانت الاجابة بلا فلماذا لا يتجه السودانيون حكومة وشعبا نحو إقرار مباديء ديمقراطية للحكم الانتقالي بحيث نتخطى عقبة التعيين وآثاره الجانبية المكلفة، ونحقن الفترة الانتقالية بجرعات ديمقراطية انتخابية تعاكس سم الفرقة والشتات.

وهنا دعونا نتسال: لو كان صالح عمار واليا منتخبا هل كان الوضع في الشرق سينفجر؟ لا، ليس لأن أصحاب الأجندة سينقرضون ولكن لأن الأجندة ستفقد وزنها الأخلاقي وتخسر أكبر دافع لها وهو غياب الوعي والمعلومة، فالديمقراطية قوية وكاسحة لأن فيها الدلائل على مشاركة الكل في الاختيار وفوز الأغلبية، والأغلبية ستحمي خيارها، إضافة إلى إن اختيار الحاكم بالانتخابات الحرة النزيهة يقيم الدليل على أصحاب الاجندة، فهو يجعل سلطة القانون تتمتع بكامل الشرعية والحق الأخلاقي في مواجهة التفلتات سواء كان ذلك بالقوة الأمنية او حتى بالجيش، وهي العوامل التي يفتقدها اليوم الشرق ويجعل الجماهير الرافضة صاحبة حق، والحكومة عاجزة عن استخدام القوة لأنها ستكون قوة غير شرعية ولا أخلاقية.

يجب أن نشكر الله أن ازمة فرض حكومة انتقالية لسنوات عددا لم تقود الا إلى إحداث متفرقة من الرفض سوى ما يحدث في الشرق، لذلك يجب أن نفكر في المستقبل تحسبا لامتداد أزمة الشرق إلى ولايات جديدة، وسمعت عن تذمر في ولايات الشمال، ونقر بأن أزمة الشرق لا تمثل أزمة مناطقية خاصة بشرق السودان بل تمثل أزمة الحكم الانتقالي الحقيقية، أزمة تحول أهداف الثورة من ثورة قامت ضد حكم الفرد من أجل سيادة حكم الشعب، إلى ثورة جعلت الشعب متفرجا على مجموعة من الحكام لم يختارهم ولا انتخبهم. وهي المعضلة التي تواجه الوطن جميعه الآن ولمعالجتها يلزمنا ان نجيب بكل شفافية على سؤال: كيف نعيد الحكم إلى الشعب؟ وهذا ما نناقشه في الغد بإذن الله.


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.