عـــــــــولاق الحـــــاج ورّاق (التسوية ليست سيناريو تغيير) ..

عـــــــــولاق الحـــــاج ورّاق (التسوية ليست سيناريو تغيير) ..
  • 24 مارس 2022
  • لا توجد تعليقات

منعم عمر

قدّم الحاج ورّاق رؤوس مواضيع حول المعيقات، الفرص والآفاق، في ورقة للتداول المحدود وسط عضوية اجتماع تفاكري، حول راهن ومستقبل التغيير في السودان، أقامته المجموعة السودانية للديمقراطية أوّلاً، إبان تكليفي برئاسة حزب المؤتمر السوداني عقب اعتقال رئيس الحزب ونائبه في نوفمبر 2016، واستهلّ هذه الرؤوس بما أسماه (العولاق) الجنجويدي؛ ويعني سلطة الحركة الإسلامية، تلك الأقلية التي حافظت على سلطتها بالعنف، وتوسّعت في بناء الأجهزة الأمنية والمليشيات، وأحكمت سيطرتها بتقسيم السلطة إلى وحدات إدارية صغيرة لاستقطاب الراغبين في الوظائف، عبر جباية الرسوم والضرائب، وسفه الحاكمين والرشاوي السياسية، وبذّرت في الصرف على الجيش وقــتّرت على الاحتياجات الاجتماعية، بما يعني أن شعب السودان يواجه سلطة مسخاً (عولاق) “راسو صغير وكرعينو كبار”- سلطة فاشلة وعاجزة في أغلبية مجالات الحكم الأساسية ولكنها سلطة عالية الكفاءة في الفتك وجزّ الرقاب، أو كما قال. ولأنّ هذه هي الحال، كان هذا المقال.

فقد شكّلت (الجنجويدية) السمة الأساسية لنظام الانقاذ، وهي كما قال عنها الحاج ورّاق “الطفيلية في آخر مراحلها، وتقوم على التطفل الفظّ لاعتصار ونهب الفوائض والاستحواذ على الموارد خصوصاً الأرض، وتتأسس على السمسرة والمقاولة، وتستهدف عن قصد ممارسة القمع. ولا بد أن تستند إلى أيديولوجية شرعنة إطلاقيه؛ ولكونها فاقدة للشرعية من حيث مصالح غالبية المحكومين، تُصوّر سلطتها كسلطة عقوبات، حيث المحكومين بلا حقوق سوى أن تُطبّق عليهم. و(الجنجويدية) كنمط للسيطرة الفاشية بلا قيود، لا تقبل أية بادرة مستقلة للشعب، حتى حول قدرة فول رابحة، فإما تحتويها أو تحطّمها؛ فــــــــ(الجنجويدية) لا تقبل مطلقاً التعايش الديمقراطي أو التداول السلمي للسلطة، ولهذا لا خيار أمام شعب السودان سوى هزيمتها هزيمة ساحقة، ففي حال هزيمتها الجزئية فالأرجح أن تتحرك قطعانها المستأجرة باستقلالية على نمط السيناريو الحوثي. فلا مكان لوعظ واستجداء وإنما المطلوب تنمية مصادر القوة وتكثيف الضغوط عليها فإما التنازل عن التاج أو المخاطرة بفقدان الرأس. وهنا أقول للحاج – وربّما معه – إنّ التسوية ليست سيناريو تغيير.

نعم، التسوية ليست سيناريو تغيير، ووقف الحرب لا يعني صنع السلام، فالفساد الشامل هو قانون حياة نمط الحكم الجنجويدي، الذي ينال اعجاب الذين يُحبّون نظام امتيازات بلا قيود ويبدو عصيّاً على الهزيمة، وهو ما كان يشتهيه في الداخل أمثال (مبارك الفاضل) و (الميرغني) وعجزوا عن بنائه، (فتطفّلوا) للقبول بحصّة مع النظام، وساهموا في معاناة المعارضة، وتدهور القدرات القيادية، واتّساع الفجوة بين القوى السياسية والقواعد الاجتماعية، وجمود العمل المسلّح. ومنذ أن كان الأسير عبء إداري “قُشّو – أمسحو”، وتمّ تحريف قراءة: (اتفاق تكتيك اختلاف غاية)، و (ضرب المركز لفكّ الأطراف)، تأكّد أنّ (عولاق) الجنجويدية ثقافة، ونظام يُسرطن الناس.

قوات الدعم السريع (الجنجويد) هي أُسّ الجرائم، وهي التي ارتكبت الفظائع في دارفور، لكنها ما عادت رعاة الجمال من محاميد وماهرية في شمال دارفور وما تاخم من مناطق في تشاد، بل أصبح التجنيد من جميع القبائل والأعراق ومن كل السودان، وتقيم معسكرات تدريبها بالقرب من العاصمة وفي كل مكان؛ وأضحت القوة الغاصبة الحاكمة.. إنها نوع جديد من الظاهرة مزيج من الميليشيات القبلية والمشاريع التجارية، وقوة مرتزقة عابرة للحدود، سجنت الفاعلين واحتضنت القبيلة لتزداد كيل بعير عند إعادة الاحتضان، وتعدّ العدّة والعتاد كقوة عسكرية من روسيا و “بلا روسيا”، وكقوة اقتصادية “ضاربة” -دارجة وفصيحة- فهي ذات ذهب يشتري الولاء، وهي تهديد ثقافي واجتماعي وأمني، وهي مصدر فساد وإفساد، وقاب قوسين أو أدنى من أن تحل محل المؤسسة العسكرية. فــــــــ(الجنجويدية) ظاهرة خطيرة، ومجرّد الاستهزاء والسخرية والتندّر، لا يهزمها الهزيمة الساحقة.

ولن يهزمها القول بصعوبة تنفيذ مصفوفة (دقلو) الخاصة بتطوير موانئ بورتسودان والتي شملت أكثر من سبعين بنداً؛ وضرورة زيادة عدد الآليات والكرينات، والحفاظ على حقوق العاملين وغيرها، من النقاط والانتقادات التي قدّمها بروفيسور أونور وآخرين – على كثرتهم وكثرتها – لأنّها تجعل جملة هذه الأسباب ككمية القرارات التي أصدرها (دقلو) تؤكّد (قرع ود العباس كما قال حيدر المكاشفي)؛ فصعوبة التنفيذ هذه تتلخّص في الحاجة إلى مصادر مالية ضخمة لا تتوفّر للحكومة، ولكنها دون شكّ تتوفّر لمن يريد شراء الميناء، – وهنا مربط الفرس – ، فالشاري يطرح الأموال الضخمة وعروض الابتزاز لمن لا يتوفّر على شرعية و لا أخلاق و لا ضمير ولا إرادة حرّة، وهو كمشترٍ يعلم تمام العلم أنّ الموانئ شأن سيادي غير قابل للبيع، ولا يمكن تقرير مثل هذا الأمر الاستراتيجي إلا بالرجوع للشعب السوداني.

فحتى لو أتى (دقلو) ومن أرسلوه بخطة ثعلبية لإنشاء موانئ جديدة، على البحر الأحمر لتضاف للموانئ القديمة؛ ودمج معها طموحه بالسيطرة على البلاد بالبحث عن حواضن، ولو أدّى ذلك إلى حرب أهلية، فهذه هي نفس (عولاق) المخلوع ونظامه، وليس جديداً أن نسمع ما يحدث لموانئ السودان، وتعرضها للتجاذبات الإقليمية التي لا تقف عندما تكون الدولة ضعيفة وفي وضع مأزوم، فكل الدول يسيل لعابها لإدارة هذه الموانئ، بدءاً من الصين وشركة موانئ دبي، مروراً بالشركة الفلبينية والمحاولة القطرية لتطوير ميناء سواكن، وليس انتهاءً بتركيا. لكنّ السودانيين والسودانيات بالمرصاد، فالميناء ليس للبيع؛ وقد أكّد الثوّار في أهزوجة الحرية والثورة والأخلاق :”الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب، والعسكر للثكنات والجنجويد للحل”، وتعني بوضوح أن يعود الشعب لدولته المدنية الديمقراطية، والقوات المسلّحة إلى ثكناتها العسكرية، و(الجنجويدية) إلى مثواها الأخير.

وبينما المصارف التي كان يفترض أن تعود إلى النظام الدولي بعد رفع العقوبات الأميركية، لم يعد لديها منذ الانقلاب أي صلة بالبنوك الأوروبية أو الأميركية، وبينما فولكر اليونيتامس يُحذّر: “أن البنك الدولي أمهل السودانيين حتى يونيو ليصلوا الى حل للأزمة السياسية كي يستكمل خطة اعفاء السودان من ديونه وإلا سيوقف سياسة الأيدي الممدودة”؛ مع ذلك، لا زالت تصريحات (دقلو) بالاعتراف بسيادة جمهوريتين – لا يستطيع نطق اسميهما – واستقلالهما عن أوكرانيا، تُقرأ من القوات المسلّحة كمناورة تجاه روسيا لتلمُّس إن كان ثمّة دعم لاجتياز المحنة في غمرة انشغال واشنطن باجتياح موسكو لكييف؛ ليس ذلك وحسب فربّما يزور دقلو بيجين، فاستراتيجياً الغرض هو أن تكفّ واشنطن وتتراجع عن العقوبات التي بدأتها بـــــــــ (ضلّ الفيل) – الاحتياطي المركزي للشرطة، وتتراجع أيضاً عن تعليق إعفاء الديون ومِنَح المساعدات.

ويعتقد بعض المحلّلين أنه طالما أنّ الغرب يفرض عقوبات، فهو يُقدّم السودان على طبق من فضّة – وعندي من ذهب – للروس. لكن في كل الأحوال لن تقبل واشنطن وجوداً عسكرياً روسياً دائماً في السودان، يهدّد خططها الاستراتيجية. بيد أنّ موسكو لن تُغريها “دناوة” تكتيكية للضغط على واشنطن، فما يهمّها أن يكون الخيار الاستراتيجي السوداني هو التحالف الكامل مع موسكو، عبر القاعدة البحرية العسكرية في بورتسودان، وبمصالح التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي ومناجم الذهب واليورانيوم، وربّما السيطرة على المجال الجوي لتوسيع مصالحها التجارية بأفريقيا، فهي تنظر إلى ما وراء السودان من دول الساحل الإفريقي – في ظل صراع محموم مع فرنسا على النفوذ في هذه الدول – وكذلك عبر تنشيط مبيعات الأسلحة الروسية. فهذه القاعدة ستُسهّل كثيراً عمليات الأسطول البحري الروسي في المحيط الهندي، إذ سيكون بمقدور البحرية الروسية تبديل طواقم القطع البحرية الروسية المنتشرة في المحيط الهندي عبر نقلهم جوّاً إلى السودان. ويمكن لروسيا نشر أنظمة دفاع جوّي بهدف حمايتها ومنع تحليق الطيران في أجواء القاعدة، أو كما قالت الـــــبي بي سي.

وعند تأكيد هذا التحالف، فروسيا هي التي ستشجّع (دقلو) لزيارة (بيجين)، فالصين تملك مصالح واسعة في استغلال المعادن والنفط بأفريقيا، والتي تستثمر كثيراً في البنية التحتية في السودان ضمن مساعيها لخلق طريق تجاري عالمي. فلقد ظلّت روسيا والصين تعرقلان أيّ تحرك يهدف إلى زيادة العقوبات على الخرطوم في مجلس الأمن منذ الحقبة “الترامبية”، فكما كان لــــــ(ترامب) أولوياته في الحدود المكسيكية، وفنزويلا، وإيران، والحرب التجارية مع الصين، لـــ(بايدن) الآن مشاغله، بروسيا وأوكرانيا. ولكن من الممكن أن يتّخذ (بايدن) موقفاً بشأن السودان على أنّه ذات السياق، ويضغط على حلفائه للتحرّك، وإظهار عناصر الجيش التي يمكن أن تتحدّى “دقلو”.

فمهما تذاكى الأغبياء، بإخفاء (الجنجويدية) “الدقلوبرهانية” – حين هياجها أو احتياجها – للقيام بمناورات اقليمية لاستكشاف مع من تقف العواصم الإقليمية، هل مع البرهان أم حميدتي، يظلّ السؤال مخادعاً، فالبرهان هو نفسه يقف مع حميدتي تارةً ومع الاخوان المسلمين تارةً أخرى، ولكن في كل الأحوال هو ليس مع الجيش، فلن تنطلي هذي الألاعيب لا على المجتمع الدولي ولا الإقليمي الذين يعلمون أنّ هؤلاء من لدن مدرسة (اذهب للقصر رئيساً وأنا سأذهب للسجن حبيسا)، وفي نهاية المطاف هي ذات الظاهرة (الجنجويدية). فواشنطن تعرف جيّداً سلوك المسخ (الجنجويدي) في المناورات السياسية الانتهازية منذ زمن المخلوع البشير؛ فلن تقوم سوى بما تأخّرت فيه من دعم للشعب السوداني للحصول على دولته المدنية الديمقراطية، والإطاحة بــــــــ(الجنجويدية) بالكامل.

وإن كان ثمّة اختراق في المشهد لمن لا ينظرون أبعد من أرجلهم، ليضيفوا عليه شيئاً من الحقيقة ويسوِّقونه على أنّه الراجح والرابح، فسيكون بأن تسبق الإطاحة بـــــ(الجنجويدية)، محاولات من الحلفاء الإقليميين لإرجاء العقوبات الأمريكية، ودمج الدعم السريع في القوات المسلّحة بضمانات دولية، مع جلب الأمة (برمة ناصر) والاتحادي (الميرغني)، لمباركة المشهد، ومن لا يريد فليُعارض. وكأنّ ذلك سيوقف الشارع!!!

ستكون الحسابات الإقليمية خاطئة إن بُنيت على هذا ((العولاق))؛ لذلك علي الراشدين منهم البناء على ترتيباتهم الأوّلية: “فمنهم من قد بدأت تُرتِّب أوضاعها على نحو أصبحت معه في غير حاجة لتأمين قوات سودانية محاربة؛ ومنهم من تجيد السياسة والكياسة وليست بحاجة دائمة لمرتزقة؛ ومنهم من لا يهمّها التموضع الجنجويدي الراهن، وترى أنّ ما يحدث الآن هو محاولة لتأمين النظام السياسي وليس تأمين مصالح الدولة -كحال النظام السابق- وبرغم أنّها قد أسمته تموضعاً مرتبكاً إلا أنّها قالت أنّه لن يزعجها، فهي تُراقب وصفَتَها في كل الأحوال؛ ولن “تغلب” حيلةً في دعوة الآخرين لترتيبات نهائية، حتى ولو اقتــــَـرَحَت عليهم (وفقط لمجلس الأمن والدفاع الوطني) إيجاد ابن عوف جديد (محمد عثمان الحسين)، ويتم رفضه، في انتظار برهان جديد (منوّر عثمان نقد) ريثما يتخلّق توافق سياسي داخلي. فليُسرع من يُسرع لعمل الترتيبات اللازمة للبرهان وحميدتي بتكلفة محسوبة سلماً أو حرباً، فلا مُنقذ للأمريكان أو الإقليم أو السودان من (الجنجويدية) الروسية، إلّا بالهزيمة الساحقة (للجنجويدية) السودانية.

aboann7@hotmail.com

الوسوم منعم-عمر-

التعليقات مغلقة.