مسافة الوعي بين الشارع والأحزاب

مسافة الوعي بين الشارع والأحزاب
  • 23 أكتوبر 2022
  • لا توجد تعليقات

زين العابدين صالح عبدالرحمن

إن خروج الشارع المستمر و اختيار المناسبات الوطنية لكي يجعل منها مناسبة للتعبير عن رفضه للانقلاب و التذكير بالجميع بشعار ” الدولة المدنية الديمقراطية” له أثرا كبيرا في عملية الوعي السياسي، و نمو الوعي عند الأجيال الجديدة، و أيضا خروج الجماهير بالاعداد الكبيرة يعتبر مؤشرا لفاعلية القوى في الساحة السياسية القادرة على خلق الأحداث، و إذا تراجعت الاعداد في الخروج، أيضا تعتبر مؤشرا لتراجع العملية السياسية، و تحتاج إلي تحيليل لمعرفة الأسباب التي أدت للتراجع، و التراجع في الخروج لا يعني التراجع عن شعار عملية التحول الديمقراطي، ربما تكون هناك أسبابا أخرى أثرت في المشهد السياسي. و هنا يأتي دور المفكرين في القوى السياسية لتحليل الوضع السياسي و معرفة أسباب التراجع، سلبا أو إيجابا. لذلك طرحت سؤالا يقول ” تراجع أعداد الذين يشاركون في التظاهرات ماذا تعتقد سبب هذا التراجع؟ ” أرسلت السؤال لعدد كبير من القيادات السياسية ورؤساء أحزاب و قيادات مختلفة سياسية. و لعدد من الأخوة الإعلاميين و الصحافيين و أكاديميين و مثقفين و بعض العامة المهتمين بالشأن السياسي. 90% من كل الفئات جاوبت على السؤال، إلا القيادات السياسية أحجمت تماما، إلا أثنين. هل الشارع خلق هالة من الخوف عند هؤلاء جعلتهم يتهيبون من كل سؤال يتعلق بالشارع. و إذا كان الشارع قد خلق هالة الخوف في نفوس السياسيين لماذا لا يفسحون له طريق الريادة و القيادة. فالذي يصنع الأحداث و يجعلها تأخذ المسار الذي يريده يصبح هو القائد الفعلي للتغيير.
جاءت إجابات الأغلبية تؤكد أن هناك مسافة شاسعة بين الشارع و الأحزاب السياسية، الأمر الذي يجعل الأحزاب السياسية عاجزة أن تتخذ أي خطوة تعتقد أن الشارع لا يرضى عنها. و عندما تشعر القيادة السياسية إنها لا تستطيع أن تقنع الأخرين برؤيتها لحل الإزمة، عليها أن تسرع بتقديم إستقالتها لأنها فقدت القدرة على التفكير. و يجب أن تفسح المجال لقيادات أخرى ربما تكون لها تصورات أفضل تفتح منافذ للحل. و لكن في ثقافتنا السياسية السودانية منذ تكون مؤتمر الخريجين، لم تتعلم النخبة السياسية أن تغادر مواقعها طوعيا لأنها فشلت في المهام الموكولة لها، و دائما تحاول البحث عن التبريرات لأخطائها. يذكرني موقف النخبة السياسية السودانية العاجزة عن إحداث أختراق للأزمة السياسية، لمقولة للدكتور البناني علي حرب في كتابه ( أوهام النخبة) يقول ” أن المثقفين و النخبة السياسية الذين لا ينتجون معرفة بالمجتمع لا يستطيعون المساهمة في تغييره. و من لا يبدع فكرا هو عاجز من أن يؤثر في مجرى الأحداث و تطور الأفكار. هذا هو المأزق الذي يمسك بخناق هؤلاء” أن النخبة السياسية السودانية هي ليست منتجة للأفكار و لا للمعرفة، لذلك هي تكثر من الشعارات فقط في حدود مقدراتها، فالشعار لا يصبح بديلا للأفكار، بل هو ملء فراغ مؤقت تتجاوزه الأحداث دائما. أن الأفكار هي التي تحدث التغيير في أي مجتمع.
أختلفت الإجابات على السؤال؛ البعض يؤكد أن الشارع لم يتراجع بل مسيرة 21 أكتوبر شكلت زيادة كبيرة و خاصة في الأقاليم. و البعض الأخر اعتقد هناك تراجعا قد حدث و يعزي ذلك لفقدان رؤية الحل.. و الظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد، و أيضا بعض أولياء الأمور منعوا أبنائهم خوفا من حالة القتل المستمر ضد المتظاهرين.
كتب أحد المثقفين المداومين على الكتابة؛ يقول في إجابته ” تحياتي زين.. أن أي نشاط مادي أن تطاول أمده حتما يتعثر و يتباطأ .. اعتقد من المنطقي أن نملك الشجاعة لنطرق أبواب يصنفها البعض تراجعا و نراها حصافة مطلوبة.. من الظلم للثورة و للدماء التي بذلت أن يسوقنا البعض إلي افاق عصية و بعيدة المنال و عالية الكلفة .. ما عاد مستقبل الوطن يحتمل و ما عدنا نحتمل نزف المزيد من دماء الشباب” و كتب أحد الإعلاميين غير المنتمين يقول ” التحايا أستاذ زين .. حقيقة الحالة السودانية تعاني الآن من سيولة و من الواضح أن المسافة بين الفاعلين السياسيين و الشارع . و أن المزاج العام بسبب من ضبابية المشهد، و كذلك تراجع واضح في الرهان على الطبقة السياسية مضاف إلي ذلك الضغوط الاقتصادية التي وصلت مرحلة حرجة. حقيقة ساهمت في تدني سقف التوقعات من محمد احمد العادي” و كتب أحد المثقفين السياسيين يقول ” الملل و عدم وجود أفق سياسي واضح للحلول” و كتب أحد الأكاديميين يقول في رؤيته ” أن لجان المقاومة أصبحت تعاني من تدخل الأحزاب و تقسيم صفوفها، و يسمع الكل عن مفاوضات و حل سياسي و هم بعيدين عن ذلك، و هذا يؤثر في حماس الشباب.. العنف المفرط الذي تمارسه السلطات الأمنية جعلت العديد من الأسر تتردد في مشاركة ابنائها.. عدم وجود قيادات حقيقة توجه المظاهرات نحو أهداف محدودة… عدم وجود منصات لمخاطبة التظاهرات من قبل السياسيين… اليأس و الهوة الواسع بين السياسيين و الشارع . إلي جانب غياب الرؤية للحل” و كتب أيضا أحد الأكاديمين المثقفين في مجالات الفنون يقول ” كيفك زين.. و الله العدد اليوم ضخم جدا… المشكلة في فاغنر التي كافحت تغطية المواكب بشكل أثر على انطباع الأخرين… في ظني أن الشارع يتقدم على الأحزاب رغم أن بعض الأحزاب لا تعترف بذلك… صحيح أن القمع متزايد و أجهزته تحاول قطع الطريق لاستكمال الثورة و لكن يبدو أن الشباب لن يتراجع بسهولة أبدا و سيظل يرفع مطالباته بالتغيير الذي يريده رغم مقاومة مؤسسات العسف” و كتب أحد الإعلاميين المخضرمين يقول ” أهلا زين.. لم تتراجع اليوم أو أمس، انحسرت هذه المواكب منذ يونيو الماضي، مع ذلك يتم الترويج لها في بعض القنوات بعنوان صار سخيفا( للمطالبة بالحكم المدني) بعد فشل مظاهرة 30 يونيو التي راهن البعض على نجاحها في ( إنهاء الإنقلاب) أصيب الشباب بحالة من الاحباط و الإرهاق معا، كونهم يناطحون الصخر دون جدوى خاصة وهم يرون قياداتهم تتفاوض سرا مع من يزعمون أنه عدوهم” و كتب أيضا أحد التربويين المنتمين يقول ” مرحبا زين لك التحية… بالعكس هناك زيادة كبيرة مبالغ فيها حتى الذين أخذوا الحياد رجعوا مرة أخرى للتظاهر.. في بداية تم إغلاق كبري المك و بسبب زيادة الأعداد تم إغلاق كل الكباري.. حتى أعداد الجيش و الشرطة كانت كبيرة جدا.. هؤلاء رافضين للتسوية التي بدأت في إعادة نفسها مرة أخرى.. هذا يؤكد فشل واضح في موقف السياسيين و الشارع متقدم عليهم جميعا و قال أحد السياسيين الديمقراطيين “أن القوى السياسية رفضت مقترح حمدوك الذي كان وقعه مع البرهان، في اعتقاد أنها سوف تنهي الانقلاب، و تؤل لها السلطة، لكنها نسيت أن الانقلاب يراهن على الزمن، و كل يوم يمر سوف يجعل المقدم أقل من الذي كان قد قدم لحمدوك، و الآن الانقلاب يحاول أن يجعل وفرة في القوت و المواد البترولية، كلها سوف يكون لها أثر في التظاهرات، فالحلول السياسية لا تقبل تردد السياسيين”هذه نماذج من الإجابات، حاولت أختار منها جميعا نماذج تختلف في الرؤية. و هناك قناعة كاملة حتى في إجابة اعداد من المنتمين للأحزاب يؤكدن أن الأداء متواضع، و أن الشارع قادر على فرض ذاته على الكل.
كان الهدف من الإجابة على السؤال معرفة رؤية الفئة المثقفة و السياسيين، و معروف من أهم عوامل نجاح السياسي؛ هو الاعتراف بالواقع و بالوقائع و التغييرات التي تحدث فيه.. و معرفة أسباب هذه التراجع، أو أن التظاهرات تشهد دخول اعداد جديدة، أن تحليل الواقع برصد الحقائق التي تجري فيه، و المتغيرات التي تطرأ عليه مسألة ضرورية، لأنها تجعله يعالج الأخطأء التي تظهر أولا بأول. الغريب في السياسة السودانية؛ أن العديد من النخب رغم رفعها لشعارات الديمقراطية، لكنها لا تقبل أن يمارس أي نقد لافعالها، و تعتبره من باب الضد و التشكيك في قدراتها، هذه القناعة تؤكد أن الثقافة الشمولية هي التي تسيطر على طريقة التفكير عند الأغلبية. فالنخب السياسية و حتى بعض الإعلاميين و الصحفين يتعاملون مع الأخر من خلال موقفه من القوى التي ينتمون لها، و كما ذكرت تكرارا أن الشمولية ليست انتماء بل هي ثقافة العديد تؤثر في سلوك الأغلبية، أن محاربة الشمولية تبدأ بمحاربة ثقافتها، و لكن هل الأحزاب السياسية الأن لها القدرة على إنتاج ثقافة ديمقراطية، أن الخطاب السياسي عند الكل هو خطاب غارق في الثقافة الشمولية. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

التعليقات مغلقة.