غربا باتجاه الشرق

صحافيات مرتدات!

صحافيات مرتدات!
  • 29 سبتمبر 2017
  • لا توجد تعليقات

مصطفى عبد العزيز البطل

(1)
تابعت، وأنا أهز رأسي عجباً، الانتفاضة الدرامية التي اشعلتها وزارة الداخلية، ثم عادت فأخمدتها في مهدها، وتتعلق بتوجيه ادارة مباحث أمن المجتمع بلاغاً تحت طائلة المادة 126 من القانون الجنائي، والمتعلقة بالردة وسب العقيدة في مواجهة الصحافية مروة التجاني.

وكانت السلطات قد ألقت القبض على الصحافية عقب نشرها، في منابر خارجية، مقالات تتضمن معاني مسيئة للعقيدة الاسلامية، ومن بينها مقال بعنوان (الله عاريا) جسدت فيه الذات الإلهية في صورة انسان يأكل الطعام، ويدخن التبغ، ويجري الاتصالات الهاتفية ويعقد الصفقات. ويستفاد من المقال، أو لعله (التداعيات الابداعية) كما زيّنت الفتاة لنفسها، ان الذات الإلهية على اتفاق سرى مع الشيطان، الذي هو إله آخر، بحيث يشتركان في حكم وادارة العالم، إذ يلعب الشيطان دورا معلوماً، ثم تلعب الذات الالهية دوراً آخر معلوما ومكملاً!

(2)
وتنص المادة (126) من القانون الجنائي السوداني على أنه: (يعد مرتكباً جريمة الردة كل مسلم يروج للخروج من ملة الاسلام، أو يجاهر بالخروج عنها بقول صريح أو بفعل قاطع الدلالة. ويستتاب من يرتكب جريمة الردة ويمهل مدة تقررها المحكمة فاذا أصر على ردته ولم يكن حديث عهد بالإسلام يعاقب بالإعدام). وكاتب هذه الكلمات يخالف المشرّع قولاً واحداً، ويقف في صف الفقهاء الأفاضل الذين أنكروا وجوب الحكم بإعدام المرتد. ولكننا سنأتي الى ذلك بشيء من التفصيل في مقال آخر.

عندما قرأت عن فتح البلاغ تحت المادة 126 قفز الى ذهني على الفور إثم حبيبنا الدكتور محمد محمود، مؤلف الكتاب الشهير (نبوة محمد: التاريخ والصناعة). وتذكرت موقفه المثابر العنيد، وحملاته المتلاحقة، للمطالبة بإلغاء هذه المادة، حتى أنه جعل من ذلك شرطا ملزماً لمناظره، حبيبنا الآخر السفير خالد موسى دفع الله، عندما أراد الأخير أن يجادله حول مضمونات ذلك الكتاب. إذ اشترط على خالد ان يعلن أولاً، وقبل الدخول في المناظرة، رفضه وشجبه للمادة 126، وإلا فلا مناظرة!

وعلى ذات النهج العنيد المثابر عاد الدكتور محمد محمود مؤخراً، فتقدم بمذكرة مفتوحة بتاريخ 22 مايو 2017 الى عدد من قادة الأحزاب والتنظيمات السياسية المعارضة، استهلها بالعبارات التالية: (السادة والسيدات قادة المعارضة، تحية طيبة، أكتب لكم هذه المذكرة لمناشدتكم للمطالبة بالإلغاء الفوري للمادة 126، مادة الرِّدَّة في القانون الجنائي لعام 1991، والوقوف مع حقّ المواطن محمد صالح الدسوقي الذي طالب بتسجيل صفته في أوراقه الثبوتية كلاديني)!

وبعيداً عن المتن، فقد لفت نظري أن اول الأسماء في القائمة التي خاطبها الدكتور بعبارة (السادة والسيدات قادة المعارضة) هو مولانا السيد محمد عثمان الميرغني. والميرغني ليس من قادة المعارضة بطبيعة الحال، بل هو شريك أصيل أصالة حزبه في الحكومة القائمة، يشارك على مستوى مؤسسة الرئاسة، وعلى مستوى مجلس الوزراء الاتحادي، وهياكل الحكم الولائي جميعا. مولانا صاحب جلد ورأس!

أما في المتن فقد وقفت كثيرا عند العبارة التالية من مذكرة صاحبنا: (حق المواطن محمد صالح الدسوقي الذي طالب بتسجيل صفته في اوراقه الثبوتية كلا ديني). وهو مطلب غريب وعجيب، لا بد أن وزارة الداخلية ستقف أمامه حائرة. إذ أن المستند الثبوتي الأول في السودان هو البطاقة الشخصية القومية، التي تحمل بيانات كل مواطن ورقمه القومي. وهذا المستند (مثل غيره من المستندات الثبوتية كجواز السفر) لا يشتمل على أية إشارة الى ديانة حاملها، فذلك تقليد غير متبع في السودان. ولا أعرف كيف تورط هذا الحبيب في مثل هذا المطلب المنعدم، الفاقد للمضمون والحيثية!

والحقيقة ان المطالبة بتسجيل صفة او هوية غير معترف بها تحدث كثيرا في مصر، حيث تتضمن البطاقة الشخصية المصرية خانة مخصصة للديانة. ومن آن لآخر يظهر بعض الأحباب من طوائف لا تدرجها حكومة المحروسة في الأوراق الثبوتية، مثل طائفة البهائيين، فيطالبون بإدراج عقيدتهم في خانة الديانة. وربما بتأثير قوة الاعلام المصري وقع الدكتور في هذا التخليط، فاندفع الى مطالبة مولانا الميرغني بمطلب يمتنع عقلاً تحقيقه ووضعه موضع التنفيذ في الحالة السودانية!

(3)
بحسب صحف الخرطوم فقد تقدم والد الصحافية مروة التجاني بمستندات الى السلطات (تثبت ان ابنته تعاني من اضطرابات نفسية). كما ان الابنة نفسها أكدت في محضر التحقيق انها مسلمة، وأنها انما كتبت ما كتبته تحت تأثير (نشوة روحية)!

أما أنا فلا أظن أن الابنة تعاني من اضطرابات نفسية، ولا غير نفسية. فقد قرأت عدداً من كتابات مروة التجاني في موقع (الحوار المتقدم)، واستمعت في أناة وتؤدة الى حوار تلفازي مطول أجرته معها في وقت سابق قناة أمدرمان. أي نعم، رأيت بعضاً من الجنوح في كتاباتها، ولكن حوارها التلفزيوني قدم لنا فتاة ذكية مجتهدة، تتطلع الى دور موجب في الحياة العامة، تحمل افكارا طيبة تنهد للتعبير عن نفسها بغير قليل من الثقة، بل يبعث كثير منها على الاعجاب.

(4)
وما أظن أن عنوان هذه الفتاة الحائرة، أو الفصل الأخير من سيرتها، سيكون بعض “الطربقات” العابرة و”الخربقات” العاثرة التي وردت في بعض كتاباتها. لا يقول بذلك عاقل. وإنما تلك نفثة من نفثات الشيطان صادفتها على غير وضوء. وستعود الصحافية مروة التجاني بإذن ربها الى الجادة التي أرادها لها أبواها، اذ أطلقا عليها تفاؤلاً من الأسماء مروة، وهو الشجر الزكي الطيب الرائحة، أطلقته العرب على أحد جبلين سعت بينهما السيدة هاجر. وفي القرآن (إن الصفا والمروة من شعائر الله).

نعم، ستعود مروة بغير غشاوة، فتجلي بيانها وتميط عنه الأذى، وتصحح عنوانها، وتدوّن هويتها الحقيقية في أوراقها الثبوتية!

*كاتب صحافي مقيم بالولايات المتحدة

التعليقات مغلقة.