إمبريالية ألمانيا الثقافية تجاه قطر ومونديال 2022 (2)

إمبريالية ألمانيا الثقافية تجاه قطر ومونديال 2022 (2)
  • 13 ديسمبر 2022
  • لا توجد تعليقات

د. محمد بدوي مصطفى

هل نجحت قطر في تنظيم المونديال:

إفادة منقولة من الأستاذة نهلة صالح اسماعيل:

«جاء مونديال دولة قطر ٢٠٢٢ ليحمل الكأس في جل الترتيبات؛ كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال دون الانتقاص من قيم وأعراف الدولة ودون المجاملة في تقاليدها وثقافتها العربية الدينية الضاربة الجذور الراسخة القدم. ظهرت قطر كعادتها صلبة قوية رغما عن ثوب الهدوء والوقار الذي ترتديه ويبدو في معالمها ومعالم العيش فيها. ومن الأمثال: (وإذا كانت النفوس كبارا تعبت من مرامها الأجساد) وعندما يهرم الجسد تحتاج النفس الكبيرة لمعين لها؛ فأعان الله سمو الشيخ حمد بالشيخ تميم، وجاء كأس العالم مناسبة للكشف والتعريف والدرس بان القوي هو من يقدم وطنه ومواطنيه للعالم بشكل يليق ويناسب تلك النفوس الكبار. واصبحت الدوحة دوحة العالم وقبلته فاحتضنت الوفود واحسنت المقام. وما ذاك إلا تعبيرا لسمو ورفعة اخلاقهم والاخلاق لا تتجزأ والمواقف هي الحكم والفيصل. ويحضرني في هذا المكان ان اذكر موقف سمو الشيخ حمد والشيخة موزة في وفاة المشير عبد الرحمن حسن سوار الذهب أحد القادة والحكام السودانيين الذين مثلوا السودان خير تمثيل في فترة حكمه. وعند وفاة المشير لم يتوان سمو الشيخ حمد وزوجه الشيخة موزة من الحضور وتكبد مشاق السفر من دولة قطر لدولة السودان في زيارة غير رسمية بل زيارة إنسانية واجتماعية تحمل الكثير من معاني الوفاء والحشمة والوقار لأداء واجب العزاء. وبالرغم من ان الرجل لم يكن صاحب منصب أو سلطة عند وفاته بل صاحب قيم ومبادئ سطرها في مسيرة حياته المهنية. وإن كان كذلك فهم اهل المناصب والسلطان ورغما عن مسؤولياتهم لم يكون حضورهم هاتفيا او برسالة عزاء بل تكبدوا مشاق السفر وعناءه تقديرا لتلك الرجال والمواقف التي لا تموت. هناك مثل كثيرا ما سمعته عن والدي رحمه الله في بعض المواقف التي كنت اختارها فيقول: لا يعرف اقدار الرجال الا الرجال.»

لماذا وضع لاعبو ألمانيا أيديهم على أفواههم في مونديال قطر؟

المواطن العربي البسيط لا يعرف الغاية والسبب اللذان من أجلهما وضع لاعبو المنتخب الألماني أيديهم على أفواههم لدى التقاط صورة قبيل انطلاق مباراتهم الأولى في كأس العالم، وذلك على خلفية خلاف مع الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بشأن ارتداء شارة «حب واحد». وأتت تلك الخطوة بعد تهديد الفيفا بفرض عقوبات على اللاعبين في حال ارتداء شارة دعم مجتمع الميم، خلال المباريات في مونديال قطر. وكان من المتوقع أن يرتدي سبع قادة لمنتخبات أوروبية شارة «حب واحد» خلال البطولة. وقال اتحاد كرة القدم الألماني عبر تويتر إن الأمر «لم يكن متعلقا بتوجيه رسالة سياسية». وأضاف أن «حقوق الإنسان غير قابلة للتفاوض. ينبغي اعتبار ذلك أمراً مفروغاً منه، لكنه ليس كذلك. لهذا السبب هذه الرسالة مهمة جدا بالنسبة لنا.» والجدير بالذكر أن الشارة لا تنحصر فقط في مجتمع الميم ولكنها تستعمل على نطاق واسع ضد العنصرية والتفرقة والمعاملات اللإنسانية، الخ. وهذا هنا للتوضيح.

ماذا يدور بالإعلام الألماني عن قطر وعن مونديال ٢٠٢٢؟

في مقال لصحيفة قنطرة الألمانية التي تصدر عن معهد جوته، جاء في مقال للكاتب الدكتور سامولي شيلكه، وهو محاضر في مركز لايبنيتس للشرق الحديث في برلين، يركِّز على مصر ودول الخليج. صدر له كتاب: «أحلام المهاجرين: العمال المصريون في دول الخليج»، القاهرة 2020، عن مطبعة الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وترجم المقال السيد رائد الباش. نجد في هذا المقال مقاطع يجب أن نعود إليها بالتفصيل. كما جاءت عدّة نقاط تبرر موقف ألمانيا السياسي تجاه قطر، والبعض الآخر عن منافسات كرة القدم العالمية عموما، كتظاهرات تجارية بحتة. كلنا يعلم أن كأس العالم، منافسة عالمية من العيار الثقيل ذلك دون جدال والفعاليات الرياضية الكبرى عموماً، مثال بطولة كأس العالم، تخدم الدول المنظمة بالمقام الأول وتهدف لتقديم صورة جيدة عنها وهذا أمر لا أجد فيه أيّ تناقض والأعراف الإنسانية المتعارف عليها عالميًا بل هو في الأول والآخر حق للدولة المنظمة لم تنفقه من أموال وجهود حتى تقوم هذه المنافسات على أکمل وجه. والباحث سامولي شيلكه – في تعليقه لموقع قنطرة – يرى وجوب عدم المشاركة في خدمة مثل هذه الأهداف. يقول:

«أصبح المشجعون الألمان ينتقدون بشكل متزايد بطولة كأس العالم 2022 في قطر، وهذا عمل صحيح. تُعَدُّ قطر دولة ضمن سلسلة طويلة من دول تقوم من أجل إبراز نفسها دوليًا بتنظيم فعاليات رياضية دولية، ولنتذكر هنا أيضا بطولة كأس العالم في روسيا والألعاب الأولمبية في الصين ومؤتمرات المناخ والمعارض العالمية وما شابه ذلك. وتسعى هذه الدول من خلال ذلك إلى إخفاء ممارساتها الاستغلالية والعنيفة وغير المستديمة بيئيًا. وهذه الحيلة تعمل بشكل جيِّد لأنَّ الكثير من الناس، وحتى من الغرب الثري، يريدون أن يكونوا هناك في جميع هذه الفعاليات الكبرى. الوعود والخطب تبدو جميلة. والكثيرون من الناس في ألمانيا يكسبون كثيرًا من هذه الفعاليات الكبرى. وهذا ما يسمى بـ»التبييض» في المصطلحات السياسية.»

(نهاية الاقتباس)

ويذكر بأن المشكلة لا تتعلق بدولة قطر بقدر ما تتعلق بالرياضة الاحترافية الدولية. لكنه يرجع ليقول:

«قطر تستغل العمال منذ فترة طويلة وهي مستمرة أيضًا في فعل ذلك، تمامًا مثلما تفعل الكثير من البلدان الأخرى بما فيها ألمانيا أيضًا.» ويذكر بأن هذه الملابسات التي تتعلق بالعمالة الأجنبية موجودة حتى بألمانيا: «نحن لا نستغل الآخرين في أغلب الأحيان داخل حدودنا الألمانية، بل ننتج منتجاتنا في أماكن أخرى بأجور زهيدة. ومع ذلك توجد حتى في ألمانيا نفسها ظروف عمل مريبة. تشير مبادرة «متحدون ضدّ العبودية الحديثة» إلى وجود صالونات للعناية بالأظافر تجلب موظفيها إلى أوروبا أو الولايات المتَّحدة الأمريكية بعقود احتكار. وهؤلاء العمال الوافدون يضطرون بعد ذلك إلى العمل عدة سنين لتسديد «تكاليف سفرهم وتأشيرتهم» الأصلية. ومن الجيِّد أنَّ هذه الممارسات باتت تزعجنا الآن.» (نهاية الاقتباس)

هل «كرة القدم الدولية … فاسدة. ..»؟!:

ويصرح د. سامولي شيلكه لموقع قنطرة أنه ما من شك أن كرة القدم الدولية فاسدة كليًّا وذلك منذ فترة طويلة. يقول:

«نحن نعلم منذ عام 2015 أنَّ بطولة كأس العالم 2006 في ألمانيا تم شراؤها أيضًا. وهنا تعتبر بطولة كأس العالم 2022 -التي اشترتها دولة تشتري أيضًا مواهبها الرياضية- مجرَّد تتويج لسياسة وقحة كليًا هدفها الظهور بمظهر جميل من خلال أطراف فاعلة مشكوك فيها. ليست عبودية بل رأسمالية. عالم كرة القدم الاحترافية متواطئ برمَّته. أنا سأُقاطع بطولة كأس العالم 2022 وإن أمكن جميع الرياضات الاحترافية الدولية. كما أنَّني لم أشاهد لهذا السبب أيضًا الألعاب الأولمبية الأخيرة في عام 2020 أيضًا – على الرغم من أنَّ ظروف العمل في اليابان أفضل بكثير من قطر. ومع ذلك فإنَّ بطولة كأس العالم ستستمر، وهذا ما يريده أيضًا العمال في قطر لأنَّهم بحاجة إلى عمل، ولن يستفيدوا أيضًا في حال عدم إقامة بطولة كأس العالم في قطر. وكذلك لن يكون عمال المصانع في بنغلادش أفضل حالًا عندما لا أشتري قميصًا جديدًا، بل ستكون حالهم أفضل عندما تُدفع لهم أجور أعلى مما كانوا يحصلون عليه حتى الآن من ثمن قميصي الجديد. وقطر لديها مثل جميع دول الخليج الأخرى نظام استغلالي لإصدار التأشيرات المرتبطة بعقود العمل، يجعل العمال يعتمدون على إرادة «كفيلهم» ولا يمكنهم تغيير عملهم بحرية. [لقد تم رسميًا في قطر إلغاء ما يعرف باسم نظام الكفالة، ولكن بحسب ناشطي حقوق الإنسان ما تزال توجد عمليًا أجزاء من هذا النظام].

وهذه الدول لا تسمح بتنظيم نقابات مهنية وإضرابات عن العمل. غير أنَّني في الواقع لا أستحسن كثيرًا مقارنة ذلك بالعبودية. إذ إنَّ استغلال العمال في قطر وفي أماكن أخرى اليوم ليس عبودية بل رأسمالية؛ وهي تمكِّن أيضًا الشركات الأوروبية التي تستثمر في المنطقة من تحقيق أرباح جيِّدة.»

(نهاية الاقتباس)

صوت آخر: علينا الاعتراف بإنجازات قطر:

لمياء قدور نائبة عن حزب الخضر الألماني زارت قطر وهي تدعو الغرب لتبني صورة متمايزة عن المنطقة العربية وتحثه على عدم إغفال ما حدث فيها من تقدم في حقوق الإنسان. حاورتها كلاوديا مينده لموقع قنطرة. تقول في هذا الحوار: «حين ننتقد قطر علينا أيضا الاعتراف بإنجازاتها». سألتها المحاورة السؤال التالي:

«سيدة لمياء قدور، بصفتك عضوة في «المجموعة الألمانية البرلمانية المختصة بدول الشرق الأوسط والأدنى الناطقة بالعربية» قمتِ مع برلمانيين ألمان آخرين مؤخراً بزيارة قطر والمملكة العربية السعودية، وقد حدث تحسن في الأوضاع القانونية للعمالة الوافدة في قطر فهل حدث تحسن أيضا على أرض الواقع في الممارسة العملية؟»

لمياء قدور: «إمارة قطر عبارة عن نظام ملكي سلطوي ويجب الاستمرار في الحث على الالتزام بمعايير حماية العمال وحقوق الإنسان. ومع ذلك، يجب الاعتراف بأن الإصلاحات التي أجريت في قطر حتى الآن نتيجة للضغوط الدولية قد أدت بالفعل إلى تحسينات في الوضع – خاصة بالنسبة للعمال الوافدين المهاجرين في مواقع بناء بطولة كأس العالم ومنشآتها. ومن بين خطوات التقدم مثلا التعاون مع منظمة العمل الدولية والإصلاحات وتخفيف ما يسمى بـ «نظام الكفالة» وصولا إلى إلغائه في قطر كأول دولة في المنطقة تقوم بذلك وهي خطوات مهمة لمن يعيشون ويعملون في قطر. وبذلك تتخذ قطر أولى الخطوات الهامة فيما يتعلق بحماية العمال وحقوقهم على الأقل. ولقد تحسنت حالة حقوق الإنسان على الأرض تدريجياً، لكن هذا لا يكفي بلا شك.»

وتستطرد في الإجابة قائلة:

«الأمر الجوهري المحوري المركزي هو ألّا تختفي خطوات التحسن وخُطى التقدم في القوانين بعد نهاية كأس العالم في قطر. ومن أجل تحقيق تحسن مستدام في مجال حقوق الإنسان والمشاركة السياسية، يجب أن تستمر عملية الإصلاح، التي بدأت، حتى بعد نهاية كأس العالم أيضا، عندما يصرف الرأي العام العالمي أنظاره عن قطر. كل شيء يتركز حاليًا على بطولة كأس العالم، التي يجب أن تمضي بسلاسة وسلام، من وجهة نظر القطريين. وبعدها فقط سيتضح ما إذا كانت قطر ستبقى على الوضع الحالي وتسعى جاهدة لمزيد من الإصلاحات أم أنها ستعود وتتراجع مرة أخرى عمّا تحقق.»

قطر فخورة بما حققته من انتصارات:

تذكر السيدة قدور أن قطر فخورة بما حققته حتى الآن من والمجتمع القطري يتطلع بسعادة إلى بطولة كأس العالم ويرى الفرصة لتقديم نفسه دوليًا كمضيف جيد.

تؤكد أهمية حقوق الإنسان على المستوى العربي وتذكر جملة مهمة جدًا في سياق التعامل الثنائي بين البلدين، ألمانيا وقطر، ألا وهي: «أعتقد أن من الصواب ومن المهم أن تلقي وسائل الإعلام الألمانية، في سياق بطولة كأس العالم لكرة القدم للرجال، نظرة نقدية على حالة حقوق الإنسان في قطر. ولكن يجب علينا رغم ذلك ألا نعالج المشاكل بطريقة الإشارة بالأصبع وإملاء الأوامر، ولكن يجب أن ننظر إلى البلد بطريقة أكثر تمايزًا. وهذا لا يشمل فقط الحث على إجراء تحسينات، ولكن أيضًا الاعتراف بخطوات التحسن وخطى التقدم ووضع المنظور الإقليمي في الاعتبار. فقطر دولة صغيرة ومعرضة جدا للأخطار، وهي واقعة بين ثلاث قوى إقليمية مهمة، وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على جانب من الخليج وإيران على الجانب الآخر. وفي هذا السياق السياسي الإقليمي يجب أيضًا تقييم جهود قطر في تنظيم أحداث رياضية كبرى مثل كأس العالم.»

خاتمة:

جاءت منافسات كأس العالم بقطر كأهم الأحداث الرياضية التي تحتضنها الكرة الأرضية على وتيرة كل أربع سنوات، وتبلورت الأمكنة والميادين والساحات كمنتديات للتبادل الإنساني، للأحاديث السياسية والتسامح الديني والثقافي بين الشعوب المختلفة التي أتت إلى الدوحة من كل فج عميق. كانت يا سادتي للأغلبية من الزائرين لبلد عربي ولأول مرّة، سانحة طيبة لتقريب المسافات بين قلوب الشعوب وأتاحت الفرص للكثيرين للتعارف المتبادل عن كثب دون أحكام مسبقة. فتظل المنافسات التي نسقت وطبقت على أعلى مستوى هي الأعظم في تاريخ الكرة المستديرة، وكل العالم العربي فخور بهذا المونديال الذي جاء ليلفت النظر إلى أن العرب أيضا قادرون على القيام بأصعب المهام، وأنهم سائرون في طريق الحضارة والصدارة والنمو. برافو قطر …!

التعليقات مغلقة.