رسالة إلى بروفيسور فدوى عبدالرحمن علي طه
حول كتابها “تاريخ السودان المعاصر”

رسالة إلى بروفيسور فدوى عبدالرحمن علي طه <br> حول كتابها “تاريخ السودان المعاصر”
  • 23 يناير 2023
  • لا توجد تعليقات

بروفيسور مهدي أمين التوم

إعادة مقصودة بمناسبة صدور (الطبعة الثانية) من الكتاب


إنه كتاب مرجعي قيِّم يستحق الاقتناء

قدوى عبدالرحمن

عشت أياماً ممتعة و مفيدة مع كتابك، الضخم حجماً و علماً ، الموسوم ب: (( تاريخ السودان المعاصر: 1954-1969م.. دراسة تاريخية توثيقية))، الذي صدر مؤخراً في الخرطوم عن دار مدارات للطباعة و النشر و التوزيع ، في 835 صفحة من الحجم الكبير و خرج في طبعة أنيقة،حسنة الترتيب و التبويب، تكاد تخلو من الأخطاء الطباعية و اللغوية. إنه دون شك مجهود موسوعي خرافي لا أدري كيف وجدت زمناً لإعداده بهذا الحجم و هذه الدقة، وسط ما كان و ما لا يزال، يحيط بنا من أمور تدعو للهاث و (قومة) النَفَس !!

لقد عشت الفترة الزمنية التي يغطيها الكتاب واعياً بأحداثها و قريباً من بعض رموزها، لكن الكتاب أضاف إليَّ الكثير ،و فَسَّر لي عدداً كبيراً من المواقف و الإجراءات التي لم تكن واضحة لي دوافعها أو أبعادها السياسية الحقيقية..و كنتِ في كل ذلك أمينة في سرد الوقائع ، و في إلقاء أضواء كاشفة و مهمة كمؤرخة حاذقة لا تخفِ الحقيقة، و لا تخشى في قول الحق شيئاً، حتى إن كان الأمر يتعلق بأشخاص تعطي نفسها، أو يعطيها آخرون، شيئاً من القداسة، كالسيد الصادق المهدي.

لكن من ناحية أخرى لاحظت شيئاً من التركيز علي تضخيم دور اليسار، بخاصة الحزب الشيوعي السوداني، و بشكل قد لا يكون مبرراً اللهم إلا في حالات محدودة يسجلها التاريخ و عايشها كثيرون.

لقد لفت نظري التبويب و الترتيب غير التقليدي لموضوعات الكتاب، مما يعطي الكتاب شخصية خاصة، بل يجعل كل فصلٍ فيه عبارة عن كتاب قائم بذاته ، مما يجعلني أرجو أن تكون طبعات الكتاب القادمة إن شاء الله موزعة في جزئين أو ثلاثة، لأن حجم الطبعة الحالية و وزنها يجعلها متعبة لأمثالنا الذين يفضلون حمل الكتاب عند قراءته.

هناك موضوعات في الكتاب شعرت أنها تحتاج المزيد من التعمق مثل خفايا إنقلاب عبود و بالذات دور حزب الامة(القومي)، كمؤسسة، فيه ، تخطيطاً و تنفيذاً و تبنياً ،و دور الإمام عبدالرحمن المهدي، و السهولة التي قَبِل بها الوالد عبدالرحمن علي طه قراءة بيان تأييد الإنقلاب علي الديمقراطية بالإنابة عن الإمام عبدالرحمن المهدي.

كذلك هناك موضوع إنشقاق حزب الامة الذي قاده السيد الصادق المهدي ففيه كثير من الحقائق و مظاهر التآمر و إرهاصات الإصلاح الحزبي التي جعلت بعض كبار قادة الحزب مثل السيدين أمين التوم و عبدالله عبدالرحمن نقدالله يصطفون مع شاب عشريني لم يُعرَف له حصد سياسي أو فكري يفوقهم أو حتى يقترب منهم!! إنها قصة جديرة بتوثيق أكبر و أعمق في رأيي.

أيضاً شعرت أن هناك حاجة لتفاصيل تاريخية و قضائية أكثر لحوادث مارس الدموية المشهورة التي إرتبطت بزيارة الرئيس المصري اللواء محمد نجيب للسودان لحضور إفتتاح أول برلمان ..لقد كان الوالد أمين التوم أحد المُحَاكَمِين فيها، و لكن لم يظهر إسمه في الكتاب مع الآخرين !! لقد بَرَّأته المحكمة بعد جلسات طويلة ثبتت فيها شهادة زور الشاهد الرئيسي ضد الوالد رغم أن ذلك الشاهد كان من رجال الشرطة و أدى رسالته بعد أداء القسم علي المصحف..أذكر جيداً تلك المحاكمات و فضيحة محاولة إخفاء دفتر الأحوال الذي أثبت في النهاية براءة الوالد رحمه الله.. و الفضل بعد الله يرجع لعظمة و مهنية هيئة الدفاع التي كان علي رأسها المحاميين العظيمين محمد أحمد محجوب و أحمد جمعة ،رحمهما الله.

عموماً إستمتعت جداً بقراءة الكتاب رغم أنه أتعبني حمله.. لقد أضاف إليَّ الكثير من المعلومات و الاضاءات المفيدة و التي كانت أحياناً تسخِّن رأسي عند محاولتي الموازنة بين ما هو مُخَزَّن في ذاكرتي ، و ما هو موثق أمامي في هذا العمل التوثيقي الرائع.

الجهد جبار وكافي و يغطي بكثافة فترة جد مهمة و حساسة في تاريخنا السياسي المعاصر، و لمن يظن انه يحتاج الى إستزادة فلقد كفيتيه يا فدوى بقوائم مراجع ثرية تكفيه و تزيد..
وفقكِ الله و إلى المزيد من العطاء و العلم النافع و التوثيق الأمين.

بروفيسور
مهدي أمين التوم.
12 يناير 2023 م

التعليقات مغلقة.