التاريخ يعيد نفسه بكل تفاصيله

التاريخ يعيد نفسه بكل تفاصيله
  • 21 يونيو 2023
  • لا توجد تعليقات

محمد محمود راجي

القرنان الممتدان بين عامي 1317م و1504م”، من الفترات الغامضة في تاريخ سودان وادي النيل، وهي الحقبة التي أطلق عليها المؤرخ السوداني العلم بروفيسور يوسف فضل “فترة الظلام”(1) .

هذان القرنان يمتدان تاريخيًا، بين سقوط دولة المقرة المسيحية بانتقال السلطة داخل الأسرة النوبية الحاكمة من فرع يدين بالمسيحية إلى فرع نوبي مستعرب يدين بالإسلام، وسقوط دولة علوة المسيحية على يد حلف الفونج والعبدلاب، منشئين دولة “الفونج”.

و”فترة الظلام”، بهذا الوصف فترة انتقالية (Intermediate Period)، التي توسطت عصر الممالك النوبية المسيحية، وعصر السلطنات السودانية الإسلامية (1495-1821م).

أهم ما ميز هذه الفترة من تاريخ السودان، هي تدفق الأعراب، بدو الصحارى، في مجموعات غفيرة نحوه.

انتشروا في أرجاء البلاد، “استوطنوها وملكوها وملأوها عيثا وفساداً”(2)، “قضوا على ما تبقى من نمط الحياة النوبية المتحضرة، التي عرفها هذا الإقليم منذ آلاف السنين”(3). “تضعضع خلالها استقرار البلاد وضمر رخاؤها”(4)،
سادتها ثقافة الغزو والسلب والنهب والتعدي ذلك “أن ظاهرة الاغارة على المجتمعات الحضرية كانت واحدة من مناشط البدو التقليدية”(5).
فقد الناس الأمن والنظام.
هُدِمت القصور والحصون والكنائس والبيوت.
سويت المدن بالأرض.
انقطع حبل التواصل الحضاري.
سادت الأمية بعد قرون مزدهرة كتب خلالها صفوة السودانيين في الهيروغرافية والإغريقية والقبطية والنوبية التي ابتكروا أبجديتها في القرن العاشر الميلادي.

كثير من الباحثين والمؤرخين يتفقون على أنه لو كان أولئك الوافدون البدو “على شيء من الحضارة والتمدن، لنجحوا في إحداث انقلاب أبيض، ولأزاحوا ملوك النوبة، وجلسوا مكانهم، مع الاحتفاظ بمدنهم التاريخية سليمة، غير أنهم دمروا المدن”(6)، “فما أحدثه عرب القواسمة والفونج في سوبا كان تخريبا” (7) بكل معنى الكلمة.

و”هنا لا ينفع تصويب التاريخ واعادة شق مجاريه، فما حدث قد حدث”(8)، “فطبيعة العقل الرعوي السلب، وليس من طبيعته البناء” (9)، فهؤلاء وبحكم نشأتهم في البرية بعيداً عن الحواضر، ما اكتسبوا من قيم الإسلام الحضارية سمةً، و”ما حملوا معهم من مكونات العمران شيئاً” (10) ، و”ما كانوا قادة فكر أو رأي” (11)، و”ما كانوا دعاة مبشرين مثل رصفاء لهم حملوا لواء الدعوة في بلاد الهلال الخصيب والشام” (12)، ومصر واليمن وفارس والشمال الأفريقي.

وها نحن نعود مرة إلى ذات “الحقبة المظلمة” التي عشناها من قبل، واستغرقت مائتي عام أو يزيد.
———
المراجع
1/ يوسف فضل حسن، حواش على متون علماء ومفكرين ومؤرخين في تاريخ السودان وأفريقيا وبلاد العرب، سوداتيك المحدودة، الطبعة الأولى، الخرطوم، 2006، ص 123.
2/ عبد الرحمن بن خلدون، تاريخ ابن خلدون، المسمى كتاب العبر كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة، 2006، المجلد الخامس، ص 179.
3/ النور حمد، تشريح بنية العقل الرعوي، موقع حريات، 8 ديسمبر 2008.
4/ يوسف فضل، دراسات في تاريخ السودان وأفريقيا وبلاد العرب، الجزء الثالث، ص 176.
5/ يوسف فضل حسن، دراسات في تاريخ السودان وأفريقيا وبلاد العرب، الجزء الثالث، ص 208.
6/ حسن مكي، الإسلام في السودان وإفريقيا وإشارات من كتب التراث، ورقة مقدمة للمؤتمر الدولي: الإسلام في إفريقيا، الكتاب الرابع، جامعة إفريقيا العالمية، نوفمبر 2006.
7/ النور حمد، تشريح بنية العقل الرعوي، موقع حريات، 8 ديسمبر 2008.
8/ حسن مكي، استدعاء الذاكرة بمناسبة مرور 14 قرنا علي تقبل الأفارقة للدعوة الإسلامية: مقدمة ابن خلدون، موقع منارات إفريقيا، 7 أغسطس2010.
9/ النور حمد، تشريح بنية العقل الرعوي، موقع حريات، 8 ديسمبر ٢٠٠٨
10/ حيدر إبراهيم علي، أزمنة الريح والقلق والحرية (السيرة الذاتية)، القاهرة، الحضارة للنشر، الطبعة الأولى، 2015، ص 110.
11/ محمد المكي إبراهيم، الفكر السوداني، أصوله وتطوره، الطبعة الأولي، وزارة الثقافة والأعلام الخرطوم 1976م، ص 18.
12/ يوسف فضل، مقدمة في تاريخ الممالك الاسلامية فى السودان، ص 16 ـ 17.

التعليقات مغلقة.