حول توصيات مؤتمر “يوم الأرض” في قرية “معيجنة مصطفى”(2)

حول توصيات مؤتمر “يوم الأرض” في قرية “معيجنة مصطفى”(2)
  • 03 يناير 2018
  • لا توجد تعليقات

صديق عبد الهادي*  

كانت التوصية الثانية في مؤتمريوم الأرض حول “الإصلاح المؤسسي في مشروع الجزيرة”، وهي توصية من الأهمية بمكان، لأنها توضح الفرق بين مفهومين للاصلاح المؤسسي، أي بين رؤية الإصلاح المؤسسي من المنطلق الوطني الديمقراطي، وبين الرؤية التي يتبناها نظام الرأسمالية الطفيلية. فالأولى تفضي لأن يخدم المشروع مصالح الأغلبية من الناس وكذلك تسهم في أن يبقى المشروع سنداً حقيقياً للاقتصاد الوطني، وأما الرؤية الثانية فهي في الأساس رؤية الدوائر الأجنبية التي لا تريد بالسودان خيراً، حيث أنها تعمل على إلحاقه ورهن إرادته ومصادرة سيادته الوطنية!.

الآن، وبعد تجارب امتدت لأكثر من ثمانية عقود، حان تأكيد القول بأن أي إصلاح مؤسسي حقيقي يجب أن يؤكد على أيلولة المشروع لولاية الجزيرة، وبإشرافٍ من الوزارات المركزية المختصة. وذلك لسببين، الأول هو التاكيد على طبيعة وإستمرارية المساهمة القومية لمشروع الجزيرة، وأما السبب الثاني فهو قطع أسباب الغربة المتطاولة بين أهل الجزيرة ومشروعهم، تلك الغربة المتمثلة في عزل المزارعين من المشاركة في أمر السياسات الخاصة بالمشروع بالرغم من حقيقة أنهم المنتجون الحقيقيون الذين يعتمد عليهم المشروع. وسياسات العزل المقيتة هذه، حاولت وتحاول السلطات المركزية دائماً تبنيها، خاصة في ظل النظم الدكتاتورية، كما هو الحال تحت النظام الحالي.

إن أيلولة المشروع لولاية الجزيرة يجب ان تكون ركيزةً اساس للاصلاح المؤسسي في المشروع، وكما ورد من ضمن توصيات المؤتمر. فلقد آن الأوان لإستعدال ذلك الوضع المخل. إن تاريخ كل “الإصلاحات المؤسسية” في تاريخ المشروع، والتي تمت محاولة إجرائها، كانت تهدف في الأساس إلي تحويل كامل المشروع لخدمة مصالح الرأسمال المحلي والعالمي، وهو مما يتناقض وطبيعة الفكرة الاساس التي قام عليها المشروع، والتي ما زالتْ سارية حتى الآن، وهي ببساطة تتمثل في صون وضمان مبدأ تحقيق المنافع الاقتصادية والإجتماعية لاكبر عدد من الناس، من المنتجين ومن أهل المنطقة، وذلك بالطبع، هو ما حتم وجود وتبني شكل الملكيات الموجودة الآن وبحجمها المعروف الذي كان ومن وقتها، يتناسب ووجود الشكل الإجتماعي، أي الأسر، لأن الأسرة وفي مجرى التطور أصبحت هي الوحدة المنتجة والمتخطية للدور والطبيعة القبلية للانتاج.

تلك هي الحقيقة “المتقدمة” التي تم إستيعابها لتقف من وراء فتح مشروع الجزيرة الطريق أمام الإقتصاد السوداني نحو نمط الإنتاج الحديث، ومن ثم نحو الحداثة. هذا هو البعد الحقيقي الذي تقاصر عن إدراكه عقل أولئك الذين يديرون الآن الهجمة الهوجاء على المشروع!، وحتى لو فهموه فإنهم يحاولون تغييبه عن بال الرأي العام، وفي ذلك قد تعددت آليات التغييب التي يتوسلونها، والتي كان من أبرزها، وليس آخرها، قانون سنة 2005 الذميم، والذي لم يكن في حقيقته سوى خلاصة لخطة “الإصلاح المؤسسي” الشهيرة التي طرحها تقرير البنك الدولي المعروف بإسم “السودان: خيارات التنمية المستدامة في مشروع الجزيرة”، الصادر في يوم 27 أكتوبر 2000م، والذي جاء فيه وبالنص، “هناك إجماع متنام بين أصحاب المصالح على ضرورة توسيع مشاركة القطاع الخاص لأجل تقديم الخدمات المتنوعة للمزارعين مع التقليل اللازم من دور القطاع العام”. هذا هو المدخل لأجل الذهاب في تطبيق مبدأ خصخصة المشروع  وبالكامل حسب فهم البنك الدولي، وكما يراها. وبالقول “حسب فهم البنك الدولي” انما نرمي الى الإفادة بأن هناك أنواع مختلفة أخرى من الخصخصة لا تضر بحقوق المزارعين وبأهل المشروع، ومنها خصخصة الإدارة مثلاً، والتي كانت الفعل مطبقة وتقوم بها الشركة الزراعية حتى عام 1950.

ولكن نوع الخصخصة التي يتبناها البنك الدولي، إنما تعتمد بشكل أساس على نزع الأرض وإعادة تمليكها لمؤسسات كبرى، وليتحول وفقها المزارعون والملاك إلى أجراء في أرضهم. وهنا تلتقي مصالح الرأسمالية الطفيلية الإسلامية، (رطاس)، بمخططات البنك الدولي. والمسالة لم تعد على المستوى النظري في هذا الصدد، وإنما لينظر الناس إلى ما حدث في شأن شركة الأقطان، التي أصبحت في طريقها إلى الزوال، حيث حوًلها دكتور عابدين محمد علي ومحي الدين عثمان من الباطن إلى شركات خاصة مملوكة بواسطة أفراد أسرهم وعائلاتهم!. وللمعلومية، إن شركة الأقطان في الأصل تتوزع ملكيتها كالآتي، يملك مزارعو الجزيرة والرهد وحلفا الجديدة 72% من أسهمها، ويملك كل من صندوق المعاشات وبنك المزارع للإستثمار 14% لكل منهما، (راجع تقرير المراجع العام حول شركة الأقطان بتاريخ 13/7/2013).

تسعى الحركة الإسلامية ورأسماليتها الطفيلية إلى إعادة صياغة ملكية الأرض في مشروع الجزيرة على نفس القاعدة، وعلى ذات المنوال. وقد بدأتها بالفعل بالتعاقد وبالمشاركة مع مؤسسات أجنبية. هذا هو مضمون وحصيلة “الإصلاح المؤسسي” الذي تلتقي على أرضيته الدوائر المشبوهة، وراس المال الطفيلي الاسلامي الذي لا يريد خيراً  لا باهل الجزيرة ولا بأهل السودان عامة.

وبناءاً عليه، فقد كان المؤتمر صائباً حين جاء في ذيل توصية “الإصلاح المؤسسي” بقوله، “كل هذا يدفع بنا على ضرورة التوطن للعمل الجاد من أجل تغيير هذه الحالة ورفع الغبن عن أهلنا عن طريق تعبئتهم وتنظيمهم”.

(نواصل)

  • خبير اقتصادي مقيم بالولايات المتحدة الأميركية

Siddiq01@Sudaneseeconomist.com

التعليقات مغلقة.