مسيرة النُصرَة.. خطل الفكرة

مسيرة النُصرَة.. خطل الفكرة
  • 09 يناير 2019
  • لا توجد تعليقات

د.مزمل أبو القاسم

* أهكذا يتم الرد على مطالب المحتجين؟
* بمسيرةٍ مماثلةٍ، يُراد لها إثبات أن السلطة الحاكمة ما زالت تتمتع بسندٍ شعبيٍ كبير، وأن من خرجوا إلى الشوارع كي يهتفوا ضدها، قِلّة لا يُعتد بها، وأن كل شيء في البلاد يسير على ما أفضل ما يرام؟
* أهكذا تُحل مشاكل البلاد والعباد؟
* بالحشد والتجمهر والهتاف المقابل، وترديد عبارة (تقعد)، رداً على هتاف (تسقط)؟
* تلك لعمري فكرةٌ بالغة السذاجة، تنضح مكابرةً وغروراً وتجاهلاً لأصل المشكلة، وتزدري واقعاً مريراً، أقر به الحُكَّام قبل المحتجين، عندما اعترفوا بوجود أزمةٍ طاحنةٍ، نغَّصت على الناس حياتهم، وأحالتها إلى جحيمٍ لا يُطاق، واضطرتهم إلى ركوب الصعب، بالخروج إلى الشوارع للاحتجاج على ضنك العيش، وضيق هوامش الحرية، وغلاء الأسعار، وصعوبة الحصول على أبسط الاحتياجات.
* من اجترحوا تلك الفكرة الساذجة هم أنفسهم الذين راهنوا قبلاً على شعار (الشعب سيتفهم)، وظلوا يشكرون الناس على صبرهم، من دون أن يوفروا لهم أبسط حقوقهم، حتى عيل اصطبار العامة، واستنزفوا كل مخزونهم من الصبر والتفهم، وخرجوا ليسمعوهم ما لا يحبون.
* تفهَّم الشعب ولاكَ مرارة الصبر سنين عدداً، فانتهى به الأمر إلى معاناةٍ موجعةٍ للحصول على خبزه ووقوده وداوئه وماله، وأبسط حقوقه الأساسية، أهكذا يكافأ إن ضاق وتبرّم ورفع عقيرته بالاحتجاج على رِقّة الحال وسوء المآل، بعد أن صبر حتى علم الصبر أنه صابرٌ على شيءٍ أمرَّ من الصبر؟
* فكرة الرد على مسيرات الاحتجاج الصاخبة بمسيرة تأييدٍ أوفر صخباً، يتوافر لها ما لم يحظ به المحتجون من ترحابٍ وحمايةٍ ومودةٍ لا تبدو كافيةً لمواجهة الواقع الموجع، ولن تحل للبلد قضيةً، حتى لو أفلح حاشدوها في تأكيد أن الحكومة لم تفقد السند الشعبي بعد، وأنها ما زالت تمتلك مؤيدين يهتفون ببقائها، برغم اعتراف حكامهم بالتقصير.
* لن يستنشق من يخرجون غداً الغاز المسيل للدموع، ولن تُلِهب ظهورهم السياط، ولن تتم ملاحقتهم بالتاتشرات، ولن يتعرضوا إلى الاعتقال، مع أنهم سيمارسون ذات الحق الذي سبقهم عليه إخوانٍ لهم، خرجوا إلى الشوارع يشكون من الضيق والعنت في كل شيء.
* ألا يكفي ذلك وحده للتأكيد على خطل الفكرة وسذاجتها، وإثبات أن الناس في بلدي ما عادوا سواسيةً كأسنانِ المِشطِ كما يقول دستورهم، وأن هناك من يتمتَّع بما لا يحظى به آخرون؟
* هل خرج الناس إلى الشوارع هاتفين (حرية سلام وعدالة)، كي يتم الرد عليهم بالتأكيد على غياب الحرية والسلام والعدالة في التعامل مع أبناء الشعب الواحد؟
* إن اشتكوا من التمييز، يُردُ عليهم بالمزيد من التمييز؟
* إن طلبوا الحرية يُرد عليهم بالاعتقال؟
* ما الذي يمنع من التعامل مع المحتجين بمبدأ (رحم الله من أهدى إلىَّ عيوبي)؟
* استمتعم إلى نُخبٍ مترفةٍ سنين عدداً، وسعيتم إلى استرضائها وكسب ولائها بالمال والمناصب، حتى شبعت ورضيت، وكانت المحصلة أن جاع الشعب وضاقَ وتبرّم، ألم يحن وقت التفكير في الاتجاه المعاكس، بالاجتهاد لاسترضاء المسحوقين، والرفق بهم، بتلبية مطالبهم، والاستماع إلى شكواهم، والسعي إلى تخفيف معاناتهم؟
* مسيرة الرد المزعومة تحمل الفتنة في باطنها، والتفرقة في ظاهرها، والرد على مطالب الناس يتم بتفهم دوافعهم، والعمل على حفظ حقوقهم، واحترام آدميتهم، والاجتهاد لرد مظالمهم، وتوفير احتياجاتهم، لا بجلدهم واعتقالهم، واتهامهم بالارتزاق والعمالة وعدم الوطنية.
* حان أوان التفكير الجاد في مواجهة أصل المشكلة، والتواضع لحلها بالعقل والمنطق والحكمة، لا بركوب الرأس، ومواجهة الهتاف بالهتاف، وأخذ الناس بالشدّة، لمجرد أنهم أسمعوكم ما لا تطيقون سماعه

التعليقات مغلقة.