حكومة حمدوك… استحقاق الحرية والتغيير

حكومة حمدوك… استحقاق الحرية والتغيير
  • 09 سبتمبر 2019
  • لا توجد تعليقات

محمد جميل أحمد

بأداء وزراء الحكومة الانتقالية الجديدة في السودان القسم ومباشرة مهامهم في العمل يوم غد الاثنين؛ سيدخل السودان مرحلة جديدة حافلة بالآمال والتحديات. 

المؤتمر الصحافي، الذي رافق إعلان رئيس الوزراء الجديد عبد الله حمدوك وزراء حكومته يوم الخميس الماضي، كشف عن بعض أفكار الرجل ووعوده. وكانت في جملتها تعكس اهتماماً واضحاً بقضيتين: الاقتصاد والسلام. 

طالما انزعج السودانيون من تأخير موعد إعلان الحكومة، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بقضية التأخير عن موعد إعلانها المفترض في يوم 1 سبتمبر (أيلول). لكن، كان مهماً وضرورياً تريث رئيس الوزراء الجديد وإصراره على مقابلة المرشحين للمناصب الوزارية بطريقة فردية، وإعلانه الصريح، منذ البداية، أنه ليس بالضرورة أن يكون ملتزماً بقائمة الوزراء المقدمة من قوى الحرية والتغيير، إذا لم تتوافر شروطه الثلاثة: الكفاءة والنزاهة والانسجام مع برنامجه كرئيس وزراء للمرحلة الانتقالية. 

صدرت القائمة الوزارية (بقيت وزارتان جار البحث عن الأسماء المناسبة لهما: الثروة الحيوانية، والبنية التحتية، و6 وزارات دولة) وعكست تنوعاً واضحاً، سواء لجهة التمثيل القومي الذي شمل جميع مناطق السودان، أو لناحية التمثيل النوعي للمرأة (هناك 4 وزيرات إحداهنّ وزيرة للخارجية). وكان واضحاً أن شرط الانسجام الذي عبر عنه حمدوك بوضوح، سيكون، بصورة من الصور، أداة تعريفية لإمكان معرفة المجهول من المعلوم في الأسماء الوزارية متى ما عرف المراقب وزيراً من طاقم الحكومة، بحيث تكون معرفته بالوزير كافية لظن غالب في معرفة طبيعة الطاقم الوزاري كله.  

الحكومة الانتقالية الجديدة، من ناحية أخرى، هي إنجاز مضاف لقوى الحرية والتغيير، التي أبلت بلاءً حسناً حتى الآن، على الرغم من الانتقادات التي وجهت لها بطبيعة الحال. لكن يلزم القول إن جهود قوى الحرية والتغيير، التي تكللت بنجاح إضافي عبر تقديم هذه الحكومة للشعب السوداني، تعتبر جهوداً استثنائية تستحق التقدير من جسم تحالفي تضم مكوناته أكثر من 100 حزب وحركة ومنظمة. ذلك أن إدارة الاختلاف الناجحة التي مارستها قوى الحرية والتغيير، حتى الآن، والتي أوصلت السودان إلى بداية جديدة جنبته مزالق كان يمكن أن يتهاوى إليها، أمر يستحق الشكر مع المراقبة والتتبع. 

بطبيعة الحال، في كل بداية تفاؤل، لكن الممارسات العملية لأداء الطاقم الوزاري المتجانس للحكومة في مستقبل الأيام (أقله بنهاية الأشهر الستة المقررة لترتيبات السلام) ستكون كافية لتقييم تجارب الأداء. 

يدرك الرئيس حمدوك طبيعة التحديات التي سيواجهها، نظراً لخبرته العملية الناجحة مع برامج الأمم المتحدة الاقتصادية والسياسية في أكثر من بلد أفريقي، كما كان حديثه واضحاً في ما يتعين عليه القيام به (ولو نظرياً) حيال إقرار برامج التنمية والسلام في المرحلة الانتقالية.  

من ناحية ثانية، كان في الموقف الذي أعلن عنه رئيس الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو (بعد انتظام الحركات المسلحة في جسم واحد عقب مؤتمر جوبا الأسبوع الماضي)، من انفتاح على الحكومة الجديدة، واستعداد للتباحث معها في قضايا الحرب والسلام، ما يبشر بتقدم حقيقي في ملف السلام المستدام، الذي هو الشرط الأساس لتهيئة المناج من أجل جهود التنمية والديمقراطية والاستقرار في مهمات الحكومة الجديدة، وهذا ما أكده د. عبد الله حمدوك في المؤتمر الصحافي. 

التركة الملقاة على عاتق هذه الحكومة، على مدى السنوات الثلاث المقبلة، تركة ثقيلة فمهمة اقتلاع رواسب وبقايا نظام عقائدي مدمر استمر لثلاثين سنة من جهاز الدولة العام، هي بكل تأكيد مهمة عسيرة، وتحتاج إلى مهارات استثنائية في إدارة ملفاتها المتعددة، لاسيما أن الشكل الذي عبرت عنه هذه الشراكة بين العسكر والمدنيين لا تخلو من رواسب مزعجة على مدى الشهور الماضية.  

في ملف السياسة الخارجية تأتي جهود إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب أولوية قصوى في العمل السياسي والدبلوماسي للخارجية السودانية وسط وعود قوية وترحيب دولي للاستجابة للنداءات التي أطلقها حمدوك في هذا الصدد. وبطبيعة الحال سيكون هذا الملف على رأس أولويات زيارته المرتقبة لنيويورك، للمشاركة في مؤتمر الأممالمتحدة خلال سبتمبر.  

لقد برز توجه واضح في الغرب، ولا سيما الاتحاد الأوروبي، إلى دعم النظام الانتقالي الجديد للثورة في السودان، وكانت البداية مع زيارة وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس” الأسبوع الماضي (الذي زار ميدان اعتصام القيادة العامة الذي تم فضه بالقوة عبر مجزرة 3 يونيو (حزيران) 29 رمضان ضد الثوار السلميين في إشارة واضحة إلى رمزية الثورة السلمية) كما تترقب الخرطوم زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، إلى جانب توجيه دعوة من رئيس الوزراء الفرنسي إيمانويل ماكرون لحمدوك إلى زيارة فرنسا، في الأيام المقبلة. 

هناك وزارة مهمة في حكومة حمدوك، كان لغياب أدائها الفاعل تأثير سلبي ضار وكبير في التشويش على مجريات الأحداث، ونقصد وزارة الإعلام التي كانت غائبة عبر أجهزتها الرئيسة ممثلة في الإذاعة والتلفزيون والقنوات الفضائية الخاصة التي كانت تدور في فلك النظام البائد.  

ولقد كان حمدوك موفقاً في اختيار شخصية جديرة بإدارة هذه الوزارة، هي الزميل الإعلامي والكاتب الصحافي فيصل محمد صالح، الذي يحظى بصدقية واسعة لدى أوساط كبيرة من الشعب السوداني عبر مواقفه وتاريخه النضالي المشرف، وقدرته على تقديم جهد إعلامي رصين، وإدراكه طبيعة المرحلة الانتقالية وتحدياتها في المجال الإعلامي، إلى جانب خبراته الأكاديمية والنظرية التي يمكن أن تؤسس لمسار ديمقراطي جديد في الجهاز الإعلامي للدولة، ورسم سياسات ثقافية تعزز التنوع والديمقراطية في السودان. 

بشروع وزراء الحكومة الانتقالية الجديدة في مباشرة أعمالهم، ينزاح جزء من عبء كبير عن قوى إعلان الحرية والتغيير، ظلت تتحمله طوال الأشهر الماضية منذ اندلاع الثورة، ومروراً بكل المحطات التاريخية الكبيرة، وصولاً إلى إعلان الحكومة الانتقالية. وسيتعين على قوى إعلان الحرية والتغيير استئناف جهودها الحثيثة لاستكمال الهيكل الثالث للسلطة الانتقالية بعد أكثر من شهرين. وذلك بالشروع في تكوين المجلس التشريعي باختيار ثلثي أعضائه، والمشاركة في اختيار الثلث الأخير.

اندبندنت عربية


التعليقات مغلقة.