إلى لجان المقاومة: أعرِفُ أنّ ذاكرتَكم حَيّة!

إلى لجان المقاومة: أعرِفُ أنّ ذاكرتَكم حَيّة!
  • 01 مايو 2020
  • لا توجد تعليقات

فضيلي جمّاع

أحرّر هذه الكلمات إليكم يا شباب الثورة ولجان المقاومة من باب العشم فيكم. فقد صرتم – رضي البعض أم أبا- نوارة الأمل التي متى نظر إليها شعبنا ، سطع بريق التفاؤل في حاضره المثقل بالكدح من أجل الخبز والحرية. أكتبها محبة فيكم وافتخاراً بكم. فلطالما راهنت يوماً – وقد حمي وطيس معركتنا من أجل الحرية آنذاك – لطالما راهنت على زنودكم المرفوعة بالتحدي، وصدوركم العارية في وجه رصاص القتلة وسارقي قوت اليتامي والفقراء. كان وطننا يومها في مفترق الطرق! تذكرون تلك الأيام المثقلة بالهم والغم ورائحة البارود. تلك الأيام التي أزكمت أنوف فيها سحب الغاز المسيل للدموع. ولعلع في أزقة المدن والقرى البارود الحي ! لتصدح كنشيد سماوي زغاريد الكنداكات، فتتسع رقعة أمالنا ببلوغ فجر الحرية. وها قد بلغناه، أو أننا قاب قوسين أو أدنى منه! ولأنّ السعي من أجل حرية وكرامة شعبنا هي أحلى وأجمل ثمرات هذا النضال، فالوصية ألا يطرف لكم جفن، ولا تغمض لكم عين!

شعبنا لا يستجدي الحرية فقد دفع ثمناً باهظاً وما يزال من أجل أن تشعَّ في مدننا وقرانا شمس الحرية. والشعوب الحرة هي التي تصنع أقدارها ، وتكتب باقتدار صفحةً ناصعة في دفتر تاريخ البشرية. يقول أسطورةُ النّضال في عصرنا ، نيلسون مانديلا: ” العبيد فقط يطلبون الحرية. أما الأحرار فيصنعونها.”

تذكرون ونذكر جيداً تلك الأيام المريرة القاسية – لكنها الرائعة والخالدة – حيث أشرعتم وشعبنا الصدور والسواعد للرصاص الحي وللغاز المسيل للدموع.. فكنتم وكان شعبنا مثال البطولة والتضحيات الجسام من أجل الحرية والكرامة الإنسانية في مطلع الألفية الثالثة لميلاد السيد المسيح .

أعرف جيداً يا شباب الثورة ولجان المقاومة أن ذاكرتكم – ذاكرة شعبنا البطل – ليست بحاجة لنقدح زنادها. فالجراح ما زالت نازفة. والدمعة على من قضوا نحبهم في حرب الإبادة في دار فور ، وفي جبال النوبة وفي جنوب النيل الأزرق بل وفي الشرق وفي أمري وكجبار وفي سوح الجامعات وأزقة وشوارع عاصمتنا – تلك الدموع – مثلها مثل أنهر الدم التي سالت ليلة التاسع والعشرين من رمضان بساحة الإعتصام – لم تجف بعد، ولن تجف حتى نقتص لشهدائنا. وأجمل القصاص بناء وطن شامخ ، هو وطن الحرية والسلام والعدالة!

أعرف أن ذاكرتكم حية ، ولكني أرفع مقالي عشماً فيكم. فكلما هبت رياح التآمر داخل وخارج بلادنا ، خرجتم أنتم لتؤكدوا للعدو مرة أخرى أنّ الشوارع ما تزال في شوق لتحضن أبناءها وبناتها في جولةٍ جديدة ربما تكون أشدّ ضراوة ! أتابع جهدكم في التصدي لخفافيش الظلام ودحرها. إنّ ثورة يحرسها شباب زاده الوعي والشجاعة ستظل أعلامها عالية خفاقة. فالشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل. نصيحتي ألا تخور لكم عزيمة في بلوغ الأهداف التي سالت من أجلها أنهر الدماء. تلك الأهداف التي يخشاها دعاة التجارة بالدين، وقد ذاق شعبنا منهم الأمرين.
وحتى لا نؤخذ على حين غرة ، فإنّ أنصار النظام المباد ليسوا وحدهم من يشحذ الخناجر والسكاكين في الظلام ليجهز على منجزات ثورة شعبنا. هناك من ركبوا قطار الثورة في آخر الثواني. ركبوا القطار قبل أن يفوتهم إلى الأبد. هؤلاء هم الخطر الأكبر على الثورة من أنصار النظام المباد. فإنّ فريقاً منهم يعدون العدة اليوم للتوافق التام مع بقايا النظام القديم. ويعملون بجد كي لا تبلغ المرحلة الإنتقالية منتهاها. هؤلاء أكثر خطورة على تحقيق حلم شعبنا بالدولة المدنية – دولة المساواة في الحقوق والواجبات – من سدنة النظام القديم. فهم يحلمون بتعبئة خمر قديمة في قنان جديدة ! كونوا أكثر وعياً! بل أكثر حرصاً على وحدة خلاياكم في أحياء المدن وفي القرى. أكثروا من نشر الوعي بين صفوف جماهير شعبنا. فما بلغت ثورتنا هذا المدى إلا لأنها ثورة وعي.

لم يبقَ لي من نصحٍ أسوقه سوى أن أردّدَ مقولة القس مارتن لوثر ، زعيم حركة الحقوق المدنية في الستينات. كان يقول لرفاقه حداة الحرية: (لا يستطيع أحد أن يمتطي ظهرك ، إلا إذا انحنيت له!).
صحيح أنّ الطريق إلى إقامة الصرح العتيد للدولة المدنية – دولة المساواة في الحقوق والواجبات – طويل وشاق. لكنه طريق إنسان العصور الحديثة، الذي يبشر بتحقيق الحلم بالكرامة الإنسانية للرجل والمرأة على حد سواء.

لندن30 أبريل 2020

fjamma16@yahoo.com

الوسوم فضيلي-جمّاع

التعليقات مغلقة.