بناء سلام السودان والفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة

بناء سلام السودان والفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة
  • 14 مايو 2020
  • لا توجد تعليقات

الحارث إدريس الحارث


▪️القانون الدولى والبعثة السياسية الاممية الخاصة
▪️طلب د. عبدالله حمدوك والوضعية القانونية لميثاق الامم المتحدة

البعثة السياسية الاممية الخاصة التى طلبها السيد د. عبدالله حمدوك رئيس الوزراء فى خطابه إلى امين عام الامم المتحدة المؤرخ فى 27 فبراير 2020، والذى خلا من الاشارة إلى ضرورة تواجد قوات دولية او وحدات عسكرية–شرطية، تتضمن إنشاء بعثة لدعم السلام فى السودان تتميز بنهج مبتكر ومتسق ويتسم بالمرونة والسلاسة للقيام بنشر القدرات اللازمة للمساعى الحميدة ودعم الوساطة وتقديم المساعدات لمفاوضات السلام المنعقدة فى جوبا وحشد المساعدات الاقتصادية للسودان وتذليل المساعدة الانسانية فى كافة أنحاء السودان وتقديم العون التقنى فى وضع الدستور والاصلاح القانونى والقضائى وإصلاح الخدمة المدنية وقطاع الامن ودعم الانتخابات وتوطيد المكاسب فى دارفور من خلال جهود بناء السلام وتقديم المساعدة الانسانية والمشاركة فى النيل الازرق وجنوب كردفان ودعم إستمرار آلية مهام الانتقال وتوسيعها فى الولايات ودارفور بالاضافة إلى إجراء عمليات التسريج والادماج ونزع السلاح والاحصاء والتعداد السكانى.
الواضح ان المسوغ لطلب الحكومة الانتقالية بعد تعرض عمليات حفظ السلام فى الامم المتحدة إلى عملية إعادة هيكلة شاملة مقارنة بوضعيتها فى حقبة التسعينات والحقبة الالفية منذ إبتدارها فى وثيقة الامين العام السابق للامم المتحدة المتحدة د. بطرس غالى فى يونيو 1992 بمسمى “أجندة من اجل السلام”، هو تبين عظم الاوضاع والمخاطر المحدقة بالسلام فى البلاد مما دعاها إلى طلب إنهاء حاكمية الفصل السابع الذى وضع السودان تحت الاسر الاممى والذى يحكم إثنتين من عمليات الامم المتحدة الثلاث فى السودان؛ والمطالبة بتحويلها بعد توحيدها فى عملية واحدة تحت الفصل السادس من ميثاق الاممم المتحدة.

عمليات السلام الحديثة:
لقد تغيرت طبيعة الامم المتحدة بحسبانها منظمة عالمية ومنبرا سلميا لتضافر الجهود المتعددة الاطراف حيث قال الامين العام السابق د. بطرس غالى ” إن تعددية الاطراف تعتبر بمثابة ديمقراطية المجتمع الدولى” . وشهدت عضوية المنظمة الاممية زيادة كبيرة مع إتساع عدد المشاركين القانونيين والحركات الاجتماعية العالمية والمنظمات غير الحكومية خلافا لما كانت عليه الحال فى حقبة الاربعينات حتى مرحلة تصفية الاستعمار.
لقد اسفرت عمليات وقف إطلاق النار الناجمة عن مساعى الدبلوماسية الجماعية عن بروز الحاجة لإدارة الترتيبات والعمليات المتوافق عليها فى مناطق النزاعات مما ادى إلى نشوء عمليات حفظ السلام بدعم من الجمعية العامة للامم المتحدة فى البداية ثم تدخل مجلس الامن لاحقا إعتمادا على الفصلين السادس والسابع للميثاق مما افرز فى القانون الدولى مفهوم ” الفصل السادس والنصف”. وتتميز عمليات حفظ السلام بمهام متعددة وسلطات محدودة مقارنة بعمليات تنفيذ او إنفاذ السلام. ولقد تم تصنيف عمليات الامم المتحدة المتعلقة بحفظ السلام فى وثيقة ” أجندة من اجل السلام” إلى اربع انواع على النحو التالى:
الدبلوماسية الوقائية Preventive Diplomacy وبناء على تعريف القانونى الجزائرى- العالمى والقاضى السابق فى محكمة العدل الدولية “محمد بجاوى” هى عبارة عن إستراتيجية مانعة او وقائية جديدة ومعاصرة تهدف إلى تحصين السلام العالمى تقوم مكوناتها على عالمية طبيعة النزاعات بحيث لم تعد الحرب وقفا على الدول وحدها فى القانون الدولى المعاصر من حيث محرمة بموجب المادة 2(4) فى الميثاق إلا فى حالات الدفاع عن النفس.
وتتضمن هذه الاستراتيجية الجماعية العالمية مجموعة انشطة ومساعى دبلوماسية تعتبر ان النزاعات تشكل تهديدا لمصالح الدول مما يحتم محاصرتها وتطويقها عبر ثلاثة محاور:
• منع نشوب النزاعات بين الأطراف ما امكن ذلك (الدول والحكومات والاقليات الاثنية داخل الدول)
• الحيلولة دون تفاقم المنازعات وتحولها إلى نزاعات مفتوحة وشاملة
• تقليص نطاق إستشراء النزاعات عند إندلاعها.
بناء السلام (Peace-Building) وهى عملية المساعى التى تستهدف تحديد ودعم الهياكل من اجل تعزيز وتقوية السلام لتفادى حدوث إنتكاسة تؤدى إلى تجدد النزاع.

صنع السلام (Peace-making): ويقصد به المساعى المبذولة من اجل التوصل إلى إتفاق بين الاطراف المتنازعة عبر الوسائل السلمية وفق بنود الفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة.

حفظ السلام (Peacekeeping):عمليات تعنى بوقف العدائيات بين الفرقاء المتنازعين وعادة ماتتم بنشر قوات ميدانية ووحدات عسكرية وشرطية (قوات اممية) تتم بموافقة كل الاطراف ذات الصلة.
نطاق التفويض الاممى:
ان العمليات الاربع اعلاه قد تتطلب نشر اطقم عسكرية إذا دعت الضرورة ولكن يتم تنفيذ كل عملية منها بتفويض يشتمل على بنود ونصوص تحكم صلاحيات البعثة الاممية حيال اللجوء لاستخدام القوة التى تساهم فى تكوينها الدول الاعضاء وفق الاجراءات التى حددتها المادة (43) من الميثاق. وتشير وثيقة بطرس غالى “اجندة من أجل السلام” إلى إمكانية استخدام القوات العسكرية فى عمليات إإنفاذ السلام (peace enforcement) بشكل عام فى الحالات التى تتعدى فيها انتهاكات اتفاقيات وقف إطلاق النار مستوى الإمكانات العسكرية للقوات العادية لحفظ السلام ، ما يستدعى ضرورة مواجهتها بقوات مقتدرة مؤهلة للتعامل مع مستويات العنف المرتفعه. ولكن يجب ان يكون التفويض واضحا وعمليا مع ضمان تعاون الاطراف. وفى عمليات حفظ السلام تحصل القوات الاممية على تفويض محدود جدا بشأن إستخدام القوة فى حالات الدفاع عن النفس، ولكن فى عمليات إنفاذ السلام يشتمل الترخيص على خيارات اوسع من بينها إستخدام القوة العسكرية لتحقيق خضوع وامتثال القوة المعترضة حتى قيل فى اوساط الاكاديميين ذوى الصلة بالقانون الدولى” إن حفظ السلام لا يعتبر وظيفة خاصة بالجندى، ولكن بإمكان الجندى وحده إنجاز هذه المهمة”. وفى اوائل السبعينات اكدت الاراء الاستشارية الصادرة من محكمة العدل الدولية على شرعية هذه العمليات.
عمليات إستتباب السلام تحت الفصل السابع:
من المعلوم ان عمليات ” إنفاذ السلام” Peace enforcement التى تتم تحت الفصل السابع مختلفة فى طبيعتها ونطاقها القانونى ووسائل إنفاذها عن عمليات صنع او بناء السلام التى تتم تحت الفصل السادس التى تتحرى انتهاج الوسائل السلمية لتسوية النزاعات بين الدول او الفرقاء. بينما تستلزم عمليات الفصل السابع استخدام اطقم او قوات عسكرية وتدخل دولى واممى حتى بدون رضاء الاطراف المتنازعة لاستعادة وحفظ السلام الذى عصف به النزاع المعنى ، كما تتطلب تنفيذ عمليات وقف إطلاق النار والعدائيات بوجود رافعة عسكرية حسبما تقتضيه الاحوال بهدف الردع ووقف العدوان او انتهاكات السلم والامن. وهى عمليات تستهدف تنفيذ مصالح منظومة الدول اعضاء الامم المتحدة التى فوضت مجلس الامن نيابة عنها للقيام بتلك العمليات.
ومثال ذلك حرب الخليج فى عام1991 لاخراج القوات العراقية المعتدية من الاراض الكويتية إثر غزوها الكويت وانتهاك سيادتها وإستقلالها وضم إقليمها إلى سيادتها عبر اعمال حربية وعدوانية مما يعد انتهاكا جسيما لميثاق الامم المتحدة الذى يقوم على إحترام سيادة ومساواة الدول.
وهى عمليات تستلزم خوض حرب او اعمالا عسكرية تتصف بإستخدام القوة التى عادة ما يعبر عنها فى قرارات مجلس الامن تحت الفصل السابع بإستخدام عبارة “كافة الوسائل”. وتتم عادة تحت المادتين (40 و42) من الميثاق ما يقتضى اللجوء للتدابير الجماعية الفعالة لردع اعمال العدوان المنتهكة فى مجملها لميثاق الامم المتحدة والمهددة للامن والسلم الدوليين.

ان ميثاق الامم المتحدة لا يمكن تفسير مواده بنحو منقطع بعيدا عن الهدف الرئيس الذى من اجله تم إنشاء الامم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية عبر تحالف دول خاضت حربا ضروسا لوقف عدوان النازية والفاشية. ولذلك يحجر الميثاق على الامم المتحدة التدخل فى المسائل التى تقع صراحة ضمن الاختصاص الداخلى للدول المستقلة ذات السيادة المستوحاة من انموذج السيادة الكلاسيكية من طراز “وستفاليا “وفق منطوق المادة 2 (7) من الميثاق والتى لا يلغى مفعولها إلا القرار الصادر من مجلس الامن بموجب الفصل السابع بحسبانه الجهاز السياسى الدولى الذى يخوله الميثاق التدخل لحفظ السلم والامن الدوليين فى النظام الدولى.

الفصل السادس (المواد 33-38)
المادة 33:

  1. يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها.
  2. ويدعو مجلس الأمن أطراف النزاع إلى أن يسووا ما بينهم من النزاع بتلك الطرق إذا رأى ضرورة ذلك.
    المادة 34:
    لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي.
    المادة 35:
    ١-لكل عضو من “الأمم المتحدة” أن ينبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع أو موقف من النوع المشار إليه في المادة اربعةوثلاثين.
    ٢- لكل دولة ليست عضواً في “الأمم المتحدة” أن تنبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع تكون طرفا فيه إذا كانت تقبل مقدماً في خصوص هذا النزاع التزامات الحل السلمي المنصوص عليها في هذا الميثاق.
    ٣- تجرى أحكام المادتين 11 و12 علي الطريقة التي تعالج بها الجمعية العامة المسائل التي تنبه إليها وفقا لهذه المادة.
    المادة 36:
    ١-لمجلس الأمن في أية مرحلة من مراحل نزاع من النوع المشار إليه في المادة 33 أو موقف شبيه به أن يوصي بما يراه ملائماً من الإجراءات وطرق التسوية

٢-على مجلس الأمن أن يراعي ما اتخذه المتنازعون من إجراءات سابقة لحل النزاع القائم بينهم.
٣- على مجلس الأمن وهو يقدم توصياته وفقا لهذه المادة أن يراعي أيضاً أن المنازعات القانونية يجب على أطراف النزاع – بصفة عامة – أن يعرضوها على محكمة العدل الدولية وفقاً لأحكام النظام الأساسي لهذه المحكمة.
المادة 37:
١- إذا أخفقت الدول التي يقوم بينها نزاع من النوع المشار إليه في المادة 33 في حله بالوسائل المبينة في تلك المادة وجب عليها أن تعرضه على مجلس الأمن.
٢- إذا رأى مجلس الأمن أن استمرار هذا النزاع من شأنه في الواقع، أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي قرر ما إذا كان يقوم بعمل وفقاً للمادة 36 أو يوصي بما يراه ملائماً من شروط حل النزاع.
المادة 38:
لمجلس الأمن – إذا طلب إليه جميع المتنازعين ذلك – أن يقدم إليهم توصياته بقصد حل النزاع حلاً سلمياً، وذلك بدون إخلال بأحكام المواد من 33 إلى 37.

ولاية مجلس الامن فى الفصل السادس:
“تشتمل مواد الميثاق فى الفصل السادس (33- 38) على إختصاص وولاية مجلس الأمن بشأن انتهاج الطرق السلمية لحل النزاعات او المنازعات بين الدول. كما تنص على إتخاذ اجراءات سلمية لتسوية النزاعات باعتماد مقترحات وتوصيات من مجلس الامن. وقد لا تقتضى بعثات صنع السلام تواجد وحدات عسكرية لأنها تقع ضمن إختصاص الفصل السابع. ولذلك يرى بعض الاكاديمين فى القانون الدولى ان المقاربة السلمية فى الفصل السادس تحدث التوازن مع سلطات المجلس القهرية المخولة بموجب الفصل السابع. ويحدد الفصل السادس ميكانزمات الحل السلمى للنزاعات بإحاطة مجلس الامن والجمعية العامة بوقوعها او ابتدار حلها بتفعيل سلطات الامين العام للامم المتحدة بموجب المادة (99) من الميثاق.
ويجوز لمجلس الامن والامين العام بموجب المادة (33) إبتدار عمليات المساعى الحميدة بإجراء التحريات والتفاوض والوساطة والتصالح والتحكيم والتسوية القضائية بجانب اللجوء للوكالات الاقليمية بشأن اى نزاع ؛ مما يقتضى تعاون الدول منشأ النزاع مع فرق التحرى ولجان تقصى الحقائق التى يتم تكوينها كما يمكن لأى مجموعة من الدول اعضاء الامم المتحدة بموجب المادة (35) إبلاغ مجلس الامن والجمعية العامة عن اى نزاع كانوا اطرافا فيه ام لم يكونوا .
قانونا يحمل الفصل السادس خاصية تخويل مجلس الامن التعامل مع الانتهاكات او المخاطر المحتملة الوقوع وبالأخص فيما يتعلق بوضعية السلام والامن الدولى، خلافا للفصل السابع الذى يخول له التعامل مع الانتهاكات الفعلية للمادة 2(4) من الميثاق مثال حالات التهديد للسلام او حالات اللجوء لاستخدام القوة من قبل الاطراف واعمال العدوان تحت المادة (39). ولذلك فإن كل ما يحتمل ان يؤدى لتهديد السلم والامن مشمول تحت الفصل السادس ولكن عندما يتخذ التهديد طابعا فعليا واقعيا فإنه سيندرج بالضرورة تحت الفصل السابع.
ويحدد مجلس الامن طبيعة الفعل او الوضعية الماثلة والتى تعتبر مهددا فعليا للسلم والامن الدولى. ان المواد (33-34) من الميثاق تشيران إلى ” نزاع ” أو ” وضع/حالة” يحتمل ان تؤدى لتهديد صون السلام والامن الدوليين . اما بقية الفصل السادس ما خلا المادة (38) فإنها تتعلق بصلاحيات مجلس الامن بشأن التسوية السلمية للمنازعات او الحالات المشار إليها فى المادتين اعلاه. إن تطاول امد النزاع الذى يشكل خطرا على الامن والسلم بموجب هذا الفصل يحوله بالضرورة عند تفاقم حالته إلى ” تهديد للسلم” وبالتالى يندرج تحت الفصل السابع اى تبدل طبيعة النزاع وفشل المجلس فى وضع حل له يخرجه من الفصل السادس الى السابع بموجب المادة (39). ان الفرق بين الحالتين هو فارق مقدار، وعلى الرغم من ان الصلاحيات المخولة لمجلس الامن بموجب هذا الفصل لا تمكنه من فرض تسوية جبرية ؛ ولكن يمكنه المزاوجة بين الفصل السادس والمادة (24) من الميثاق بإستخدام عمليات لا تتضمن إستخدام القوة . ويحق له ايضا المزاوجه بين الفصلين فى حالات انفلات النزاع ليصبح تهديدا او انتهاكا للسلم الدولى.
الفصل السادس والامتثال القانونى:
السؤال؛ هل تعد التوصيات المتخذة من قبل مجلس الامن بموجب الفصل السادس والمتعلقة حصرا ونوعا بابتدار الطرق السلمية لتسوية نزاعات الفرقاء او الاطراف ملزمة مثل مثيلتها من القرارات الصادرة تحت الفصل السابع ؟ اختلفت المقاربات القانونية فى القانون الدولى ما بين من يعتبرها ملزمة نظرا لالزامية القرارات الصادرة من مجلس الامن؛ ومن يعتبرها خلاف ذلك لأن قرارات المجلس الآمرة التى تحمل صفة الالزام القانونى هى فقط التى تصدر تحت الفصل السابع والتى قد تستدعى التدخل العسكرى نيابة عن المجتمع الدولى للجم جماح النزعات العدوانية للدولة المنتهكة.
إن المنظمات الدولية ومن خلال المدرسة الواقعية فى السياسة الدولية لكى تغدو مؤثرة لا بد من تعزيزها بآليات قهرية من بينها العقوبات الفاعلة حيث ان حفظ الامن والنظام يتم عن طريق بناء التحالفات الناشئة بين الدول للحيلولة دون التعدى على السلم وإلا شاعت الفوضى. ومن ثم منشأ القوة القهرية التى منحت لمجلس الامن فى الفصل السابع.
وعلينا ان نعلم ان المادة (39) وهى من ضمن مواد الفصل السابع تمنح المجلس صلاحية تقديم توصيات لاجراء التسويات السلمية للنزاعات و تقرير التدابير الواجب اتخاذها بموجب المادتين (41-42) التى تخول المجلس تقديم تسوية سلمية. ولكن فى حالة رفضها من اطراف النزاع يحق للمجلس اللجوء للتدابير الاقتصادية والعسكرية. ولذلك يجب الاحتراز من مقاربة تبعيض الاشياء لان الميثاق وحدة عضوية وقانونية تتكامل موادها وتشد بعضها بعضا.
الدلالة القانونية للميثاق:
ان ميثاق الامم المتحدة ليس وثيقة ادبية تفسر حسب مشاعر النقاد الادبيين بشكل إنطباعى. وفى المنظور القانونى يعتبر الميثاق معاهدة قانونية بين الامم ولذا تفسر مواده اعتمادا على مضمون المواد (31-32) من إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 ؛ أى ان القاعدة الاساسية ان يعتمد تفسير مواد الميثاق من منطلق ” النوايا الحسنة” وفقا للمعانى العادية للعبارات المرتبطة بالموضوع والاهداف المنشودة وفق مضمون الماة (33-أ).
إن الميثاق لا يحمل مضامين قانونية وحسب بل هو وثيقة قانونية بحته ترقى إلى درجة المعاهدات الدولية. ويجب ان يفهم الميثاق كونه معززا وضامنا للسلم والامن والسلامة الاقليمية والسيادية للدول المستقلة وانه يضمن تلك الاهداف بشكل آلى ولذلك نستبعد وقوع مخاوف من قال بإن بعثة الامم المتحدة سوف تصبح قوة احتلال. ولوكان الامر كذلك لما انتهت فترات وولايات بعثات الامم المتحدة السابقة واللاحقة وتفادينا ذكرها مخافة التطويل.
إن طبيعة الميثاق التى يحتوى على (111) مادة؛ تعاقدية وهجينة ؛ تشكل نمطا معياريا فيما يخص اهداف ومقاصد الامم المتحدة؛ ومن جهة أخرى فهو يتألف من وثيقة تأسيسية رفيعة المستوى ومبلورة لأهداف الدول الاعضاء فى الامم المتحدة باجهزتها الست المعروفة. ولذا يتم تفسير مواد الميثاق بشكل موضوعى وبالحد الذى تتضمنه معانى العبارات فى حدها الاعتيادى.
وعند وقوع خلاف او إختلاف فى تفسير تلك النصوص فإن الخيار الراجح هو التفسير الغائى لتلك المعاهدة القانونية بما يحقق مقاصد المنظمة الاممية إعتمادا على مبدأ الفاعلية المجدية فى تحقيق الامن والسلم والحفاظ على إستقلال الدول. وفيما يخص السلام فهناك قاعدة السلطات الضمنية التى بموجبها تم إنشاء عمليات السلام والتى لم يتم النص عليها صراحة فى الميثاق .
وهذا يتداخل مع ما يسمى فى القانون الدولى ” الطريقة الدينامية –المتطورة ” التى تاخذ فى الحسبان تراث الممارسة الدولية الذى اقرته محكمة العدل الدولية منذ عام 1971. اى ان المبدأ المعتمد فى هذه الحالة هو الذى يتماشى مع منهج يجعل القانون الدولى كائن حى وخاضع للتطور ما يستوجب دعم النزعات الجديدة لممارسات الدول. وينبغى ان نعلم ان الممارسة السياسية لاجهزة الامم المتحدة والاراء الاستشارية التى تصدرها محكمة العدل الدولية تعد أيضا مصادر لتفسير ميثاق الامم المتحدة فى السياق المعاصر.
من السلام السلبى إلى السلام الايجابى:
وأود ان الفت الانتباه إلى حقائق معلومة “علما نافيا للجهالة القانونية” ان نظام الامم المتحدة الحالى يختلف عن نظامها السابق الذى ساد خلال المرحلة التأسيسية بعيد الحرب العالمية الثانية. ان الامم المتحدة بدأت كمبادرة تضامنية تحالفية ضد النازية والفاشية – تحالف المنتصرين – فى الحرب العالمية الثانية ضد المانيا وايطاليا واليابان حيث حرمت فى البداية هذه الدول من الانضمام الى الامم المتحدة. فالمقصد النهائى للامم المتحدة هو تجمع الدول “المحبة للسلام” فى مواجهة حروب محور الدول المنتهكة. ولذلك تم تصميم الميثاق بهدف مأسسة وضعية حلف المنتصرين فى الحرب وعدم تحدى تلك الوضعية، بالرغم ان الميثاق ينص على مساواة الدول إلا ان هذه الميزة ظلت تشكل واقع الامم المتحدة الى اليوم حيث لم تبلغ مستوى رؤيا الامين العام السابق بطرس غالى الذى كان يعتبر ان تعددية الاطراف هى ديمقراطية المجتمع الدولى مشيرا إلى تكوين مجلس الامن. وفيما يخص افريقيا فقد شهدت مرحلة ما بعد – نزع الاستعمار مضاعفة عدد الدول الاعضاء بالامم المتحدة إلى اربعة أضعاف مما يرسخ مسألة سيادة الدول وتعزيز مبدأ إزالة الاستعمار. ولذلك فإن مفهوم السلام الشائع فى تلك المرحلة كان يعرف ب ” السلام السلبى”وهو الذى تطور لاحقا ليصبح “السلام الايجابى” وعليه فإن عبارة” تهديد السلام” خلال الفترة التأسيسية المبكرة حيث كان الهدف انضمام 75 دولة فقط الى المنظمة الاممية؛ كانت تعنى الحفاظ على السلام السلبى، اى غياب عنصر التهديد الحربى. ولذلك تميزت مرحلة الحرب الباردة بقيام الاحلاف العسكرية (الناتو وحلف وارسو) ضمن الانشطار الايدولوجى وتبنى مفهوم السلام السلبى. وتم الانتقال من تلك الوضعية إلى تعزيز مفهوم “السلام الايجابى” وهو مفهوم يقوم على نظام قانونى يعتمد القيم العالمية المتضمنه فى المادة (1 (2-4) من ميثاق الامم المتحدة وتحدد بدون لبس مقاصد الأمـم المتحدة بحفظ السلم والأمن الدولي ولاجل تحقيق هذه الغاية تتخذ المنظمة الاممية التدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرّع بالوسائل السلمية، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها. ولذلك إنعقد الاجماع الدولى على ان مهددات السلام لا تعنى الحرب وحدها بل تتضمن الارهاب الدولى وهو ظاهرة تعاظمت مخاطرها مؤخرا وأسلحة الدمار الشامل والجريمة المنظمة العابرة للقارات والاوبئة المعدية والفتاكة مثل فيروس كرونا.
لقد برز مفهوم الامن الانسانى بجانب امن الدول.
وفى حقبة الاربعينات عنى بإنشاء نظام للأمن الجماعى ضد عدوان الدول. وفى عام 2006 تبدلت طبيعة المهددات ببروز تهديدات ناشئة من الدول بالاضافة إلى المهددات الجديدة التى طرأت. واثرت نهاية الحرب الباردة على مفاهيم السلام ايضا. وإثر اندياح موجة الهجمات الارهابية بعد عملية 11 سبتمبر 2001 فى الولايات المتحدة تم مراجعة النظم القانونية الضابطة للحرب والسلام لمجابهة منظمات إرهابية يقودها فاعلون من غير الدول. ان من خصائص نظام الامم المتحدة الحالى إستعداد مجلس الامن والجمعية العامة للام المتحدة لتقديم العون فى سبيل ابرام التسويات السلمية للنزاعات لأ ن الفلسفة الاساسية لميثاق الامم المتحدة تشجع بذل المساعى والجهود من اجل الحفاظ على السلم والامن الدوليين ورتق الفتوقات التى تعتور مسار السلام الدولى.
ولا يمكن فعل ذلك الا بعدم الارتهان إلى مفاهيم القانون الدولى التقليدى مثل الحساسية المفرطة تجاه مسألة السيادة والتى هى مضمونه سلفا بنص الميثاق لان الدول المستقلة هى الوحدة العضوية للامم المتحدة. المعروف ان الامم المتحدة لا تملك جيشا ولا وحدات مقاتلة بإسمها حيث فشلت فى تكوينها للخلاف الكبير حولها بين امريكا والاتحاد السوفيتى . ولذلك فإن القوات التى تنشر ضمن عمليات حفظ السلام انما تسهم بها مجموعة من الدول الاعضاء بالامم المتحدة مثل القوات الهجينة فى العملية المختلطة بن الامم المتحدة والاتحاد الافريقى (يوناميد). وحتى فى حال تواجد قوات ووحدات عسكرية لحفظ السلام سوف لن يكون مهمتمها فرض حلول تفرضها الامم المتحدة على فرقاء النزاع بقدر ما تكمن مهمتها فى تطبيق الحلول التى يبرمها اطراف النزاع.
تداخل الفصلين السادس والسابع:
السلطات الممنوحة لمجلس الامن فى الفصل السادس هى سلطات عامة لا صدار التوصيات وليست وصائية recommendatory but not mandatory powers ولكن قد تتطور إلى الفصل السابع اعتمادا على تداعيات الاحداث الميدانية مثلما حدث فى عملية ( اونوكUNOC) فى الكونغو فى عام 1961 يجدر بالذكر ان مجلس الامن قد اعتمد القرار رقم 169 بإنشاء عملية الامم المتحدة فى الكونغو (1960-1964) بطلب مزدوج من قبل الرئيس كازا فوبو ورئيس الوزراء باتريس لوممبا حيث انتقلت ولاية مجلس الأمن (الاختصاص القانونى) من الفصل السادس الى السابع بعد إرسال القوات الاممية لرفض القوات البلجيكية الانسحاب من الكونغو بعد إعلان الاستقلال حيث برزت نزعة إنفصال فى اقليم كاتنغا ولإحتدام النزاع بين اربعه اشخاص كلهم يعتقد انه السلطة الحقيقية وهم باتريس لوممبا وتشومبى وكاسوفوبو وإيليا.
ولصدور قرار منفصل من مجلس الامن بالحفاظ على وحدة اقليم الكونغو اتخذ بعد وصول البعثة الاممية لتواجه تعنت القوات البلجيكية والوحدات العسكرية الاجنبية إضافة إلى غياب الهياكل الحكومية وصعوبات ميدانية بسبب طبيعة النزاع الداخلى. واستهدفت عملية ( اونوك) تقديم العون للحكومة المركزية للحفاظ على النظام والقانون والحفاظ على السلامة الاقليمية والاستقلال السياسى للكونغو وتقديم العون الفنى للبلاد وإجلاء الوجود العسكرى الاجنبى. وفى كمبوديا كانت عملية الامم المتحدة للسلطة الانتقالية فى كمبوديا التى عرفت بإسم (أونتاكUNTAC) من اكبر العمليات التى اطلقت تحت الفصل السادس أشبه بمثيلتها فى ناميبيا حيث استهدفت رعاية قيام انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة عملية الانتخابات والحيلولة دون تجدد الحرب الاهلية وإستعادة المجتمع المدنى. ولكن الخمير الحمر بقيادة بول بوت قاطعوها فجرت بدونهم ولم يمنع قيام حكومة التحالف هجوم الخمير الحمر بعد أ سبوع واحد من قيامها فى عام 1994. وتصنف عمليات السلام فى كل من الصحراء الغربية وانغولا وموزمبيق والسفادور من نفس الشاكلة. وتشتمل حالة السلفادور على وضع يشبه فى بعض جوانبه الحالة السودانية الراهنة بعد فوز المعارضة بالانتخابات الا ان الدولة كانت تجابه وضعا إقتصاديا صعبا جراء حالة التباين الاقتصادى الحاد او عدم العدالة الاقتصادية وعمليات اغتيالات نفذتها فرق الموت التابعة للجناح اليمينى واغتيالات خارج النطاق القضائى مع بدء عملية مصالحة وطنية . وفى انغولا اقامت الامم المتحدة انتخابات فاز فيها الحزب الحاكم ولم يلتزم بنتيجتها ثوار حركة يونيتا بقيادة جوناس سافيمبى المدعومة من امريكا. مما ادى الى فشل عملية الامم المتحدة وعودة سافيمبى الى الغابة مرة واحدة لاستنئاف الحرب الاهلية حيث انتهى المشهد بمقتله . وفى موزامبيق تم تأجيل الانتخابات لاكثر من عام الى حين توقف العمليات العسكرية من قبل حركة رينامو. يجدر بالذكر ان هذه العمليات المذكورة اعلاه كانت خلال فترة الحرب الباردة ضمن تأثيرات حدة الاستقطاب الثنائى بين المعسكرين الشرقى والغربى المتنافسين فى قارة افريقيا.
واحدة من التعقيدات التى جابهت الامم المتحدة خلال حقبة التسعينات ان الميثاق بالرغم من انه وضع لحل النزاعات بين الدول إلا ان طبيعة النزاعات تطورت من طبيعتها التقليدية وتوسع نطاقها لتشمل اطرف حكومية وغير حكومية وبعض النزاعات يتميز بخاصية متعدية لحدود الدول مما ادى إدرج تلك الدول ضمن قائمة الدول الفاشلة مثل الصومال إثر تفاقم حالة الدولة غير الفاعلة بدخول عناصر مسلحة فى النزاع وكذلك مثال يوغسلافيا بدخول جماعات مسلحة غير حكومية فى النزاع من صرب – وكروات البوسنة.
وفى كمبوديا برزت اربع مجموعات تتقاتل من اجل السلطة، وفى سريلانكا اثر نزوع التاميل ومجموعاتهم المسلحة لإقامة دولة جديدة خاصة بهم. وادخلت هذه الحالات وما يشابها غموضا فى تحديد المعنى الجوهرى للمادة 2(7) من الميثاق الخاصة باعدم تدخل الامم المتحدة فى الشؤون الداخلية للدول مضافا إليها العوامل التى تشكل تهديدا للامن والسلم الدوليين. مما دعى محكمة العدل الدولية للإشارة إلى عدم وضوح الخط الفاصل ما بين القضايا التى تعد ضمن مجال الشأن الداخلى البحت للدول وتلك المتعلقة بالشأن الدولى.
وبتاثير من السياسات الخارجية لدول الاعضاء الدائمين بمجلس الامن نرى ان الحقائق السياسية فى الواقع الدولى قد اثرت على المفاهيم القانونية. ولذلك تزايد دور الامم المتحدة من خلال انشطة مجلس الامن التى بدت وكأنها تدخل فى الشأن الداخلى للدول مثل قضايا حقوق الانسان والشؤون الاقتصادية بهدف حل المشاكل الامنية. ولذلك نلاحظ ان تشابك وتعقد مشاهد النزاعات الدولية وتعدد الاطراف الضالعة فيها قضى على الحد الفاصل بين الشأن الداخلى الخاص بسيادة الدول وما يعتبر شأنا دوليا.

التعليقات مغلقة.