الديمقراطية قصة العالم والانسان والسودان

الديمقراطية قصة العالم والانسان والسودان
  • 11 يوليو 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

الديمقراطية هي كلمة يونانية من شقين ديمو demo وتعني الشعب ، وCratie و تعني السلطة ولغويا هي سلطة الشعب ، وإصطلاحا تعني ان تكون السلطة في الدولة بيد الشعب بحيث يكون هو صاحبها او مصدرها وممارسها بطرق مختلفة . النظام الديمقراطي في أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد هو اول تجربة حكم ديمقراطي في التاريخ .

في النظام اليوناني قسم أفلاطون مفهوم الدولة إلى الدولة المثالية ( جمهوريته ) ، الدولة الديمقراطية ( حكم الشعب )، الدولة الاوليغاركية (حكم الأقلية ) . شوه ديمقراطية أثينا اعتمادها مبدأ العبودية وإبعاد النساء عن القرار ، كما أنها لم تمنع اعدام الفيلسوف العظيم المؤمن بالديمقراطية سقراط ،  و لم تمنع طرد اوربيدس احد ابطالها من أثينا .

ديمقراطية أثينا في آخر فصولها التي أنكرت تفاوت الشعوب بلسان الفيلسوف سيشرون، إقرار فقهاء روما القديمة بالتساوي البشري في الحقوق الطبيعية ، وتسليم الرواقيون بوجود العقل العام في جميع البشر، شكلوا معا قواعد فكرية صلبة لنشوء الديمقراطية.

رسالة المسيح عليه السلام دعمت الافكار الديمقراطية من خلال انكار المسيحية للفروق بين بني الإنسان ، ولكن لاحقا في القرون الوسطى مثلت سيطرة الكنيسة وتحالفها مع الحكام نكسة وردة لهذه الأفكار وللحرية عموما ، وظهرت امتيازات اهل الكنيسة والنبلاء والاشراف على حساب المواطنين العاديين .

الإسلام مثل نقله في حقوق الإنسان حين جعل المساواة والعدالة أسس مجتمعية وسلطوية وجعل الحكم شورى بين الناس ، فترة حكم الخلفاء الراشدين قدمت الصورة المضيئة لهذا النموذج ، لكن الحكم الملكي العضوض الذي ظهر بعد ذلك شهد تراجعا في مجال الشورى السياسية والمشاركة رغم انه برع في دعم التطور العلمي والأدبي .

المسار الديمقراطي الأوربي شهد في بداياته صراعا فكريا ضاريا في اوربا القديمة حتى تم الوصول إلى مبدا ان الاعتقاد الديني في العقيدة لا يحول دون الانتساب للوطن ، ومن هنا بدأ يظهر حق المواطنة وهو حجر الزاوية في الديمقراطية. ثم ظهرت الانتماءات القومية بعد تراجع الانتماءات الدينية والإقطاعية مثل القومية الإنجليزية والقومية الفرنسية وقاد ذلك في عام ١٢٦٥ إلى دعوة سيمون دي مونتفور لمشاركة مواطنين في البرلمان مع النبلاء وعد ذلك عند البعض اول تحول حقيقي نحو الديمقراطية . 

في ٤/يوليو/١٧٧٦ صدر الإعلان الأمريكي للاستقلال محتويا على الآتي ( نحن نرى أن هذه الحقائق بديهية، أن جميع البشر خلقوا متساويين، و انهم وهبوا من خالقهم حقوق غير قابلة للتصرف، و أن من بين هذه الحقوق حق الحياة والحرية والسعي نحو السعادة ) وهو ما يعتبر اول ظهور دستوري لمباديء حقوق الانسان . ثم جاءت الثورة الفرنسية في ١٧٨٩ و قادت إلى انهيار عهد الملكيات وسطوع الجمهوريات ، و رغم أن الثورة الفرنسية انتهت بتحالف البرجوازيين ونابليون وتوسعهم الإمبراطوري الاستعماري الا انها أطلقت موجة من الثورات في العالم غيرت وجه التاريخ .

رغم انتكاسة الأفكار الديمقراطية في فرنسا النابليونية الا ان بريطانيا واصلت الدفاع عن مباديء الديمقراطية و تم إقرار مباديء الحرية الاقتصادية والليبرالية ، وفي منتصف القرن التاسع عشر ادى ظهور الاشتراكية الى حمل الديمقراطية على استيعاب تطلعات الحركة العمالية .

بعد الحرب العالمية الأولى والجدال العالمي عن معنى الحروب التي تقتل الملايين وعن قيمة أي شرعية تخرج عبر الدماء والحرب ومصادرة الحريات ظهرت عصبة الامم وبدأ يتشكل مزيد من مباديء الحرية وحقوق الإنسان، ولكن صعود نازية هتلر وفاشية موسليني أدى إلى نكسة جديدة قادت الى نشوب الحرب العالمية الثانية .

بعد الحرب العالمية الثانية تملك الجميع اليقين بأن درب حقوق الإنسان والديمقراطية سيمنع المزيد من الحروب العبثية ، هذه الدعوات الأخلاقية الموضوعية قادت إلى تراجع النزعة الاستعمارية وتمدد استقلال الدول الذي تمددت معه الديمقراطية في أوربا . بنهاية الحرب الباردة وانهيار المعسكر السوفيتي دخلت أوربا الشرقية في الديمقراطية ، وبنهاية القرن العشرين تمددت الديمقراطية إلى اسيا وأمريكا اللاتينية و بعض التحولات الديمقراطية الجزئية في افريقيا .

في عام ١٩٠٠ كانت توجد ٢٥ دولة فقط في العالم تطبق ديمقراطية محدودة ولا توجد دولة واحدة تطبق ديمقراطية ليبرالية مكتملة ، في عام ٢٠٠٠ صارت ١٢٠ دولة من دول العالم تطبق الديمقراطية الليبرالية ( ما يوازي ٦٠% من دول العالم ) . يشهد العالم صعودا وهبوطا في مواقع الدول من الديمقراطية، حيث يمكن تصنيف الدول إلى دول مكتملة الديمقراطية، دول هجين (دول ذات ديمقراطية معيبة ) ، ودول مستبدة ، إلى وقت قريب كان السودان يقبع ضمن التصنيف الثالث كدولة مستبدة تحت حكم الدكتاتور البشير ، وهاهو الآن بفضل ثورة ديسمبر يدخل ضمن التصنيف الثاني كدولة هجين لوجود نظام حكم غير منتخب، بإنتهاء الفترة الانتقالية واختيار حكام جدد بالانتخابات سيدخل السودان التصنيف الأول كدولة مكتملة الديمقراطية، هل يمضي السودان في هذا المسار ام ينتكس ؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام .


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.