4 أسئلة.. أساتذة بكرافتات يدرسون العروض .. هذا هو تعطيل الموهبة

مأمون التلب: روضة الحاج تستخدم جماهيريّتها للقمع وحمور زيادة مسوق اجتماعي

مأمون التلب: روضة الحاج تستخدم جماهيريّتها للقمع وحمور زيادة مسوق اجتماعي
مأمون التلب
  • 16 أغسطس 2017
  • لا توجد تعليقات

منصور الصويّم

الرياض – التحرير:


حمور زيادة وروضة الحاج

شغل الشاعر والكاتب الشاب مأمون التلب الأوساط الأدبية مؤخراً، بإثارته المتواصلة لمعارك ضد شعراء وكتاب آخرين يرى أنهم متغولون على الأدب ولا يحملون قيمة، ولم يسلم من رمح مأمون شعراء لهم مكانتهم وسط القراء، مثل: الشاعرة روضة الحاج التي وصفها بأنها “عاطلة عن الموهبة”، أو الروائي حمور زيادة الذي قال عنه إنه “تاجر” أكتر من أن يكون روائياً”. في هذا الحوار القصير نستنطق مأمون حول مبررات ودوافع هذا المعارك المتصلة.

لماذا هذا الهجوم العنيف على الآخرين: شعراء وروائيون؟

* لا أعتقد أن ما أقومُ به يُمكن أن يُوصفَ بـ (الهجوم العنيف)، فما يقومون به “هم” من خلال ترويجهم “مواقفهم” -التي اعترضتُ عليها- هو العنف ذاته، والفرق أنه عنفٌ مستمرّ ولن يوقفه شيء، حتَّى اعتراضاتي ذاتها يظلّ هدفها لفتُ نظر القرّاء، وزرع بذور الشكّ فيما يؤمنون أنه حقائق مُطلقة مُرسخة بسلطات عدة لمؤسسات أرى أنها من داخلها منهارة وبالية، قد تجاوزتها عصور، فالعام الواحد في عالمنا الفاقد لمفهومي الزمان والمكان يُشبه عصراً، فالمعرفة مُتاحة بصورة عامّة للبشر دون حائل.

إن ما نَشهده جديد تماماً فعلينا أن نكون منفتحين على الإطلاق لكلّ فردٍ جديد، ونهجر التصنيفات الضارَّة.

إن اعتراضاتي دائماً ما تقوم على المواقف أكثر مما يُنتِجهُ المُعتَرَض عليهم من أدب، فالإنتاج الأدبي، في نهاية الأمر، يحكم عليه الزمن؛ هذا إضافةً إلى إيماني الشخصي بأن زواله سيكون قريباً جدّاً، بزوال المؤسسات التي ترعاه بطريقة أكثر واقعيّة من تحققها الجوهري. فكثير ممَن قلتَ إنني (هاجمتهم) سيطروا على الساحة الأدبية سنوات طويلة جداً من دون أن تجدني في أي موقفٍ معادٍ لهم.

إنني أؤمن أن الأعمال الأدبية محكومة بالزمن كما قلت، ومن المستحيل أن يحطّمها “امتعاضٌ” كالذي أبديه في صفحتي الشخصية على (فيسبوك) مثلاً، فجماهيريّة أغلب من هاجمتهم زائدة ومتّسعة، وربما بعضهم الآخر فقد جاذبيّته فجعل يهاجم آخرين.

ما وصفته بالهجوم –مقارنةً بما يشنونه على ذوق العامة من تدمير حسب ما أرى- لن يكون شيئاً سوى موقفٍ ربّما يوصف في المستقبل بالجيّد.

روضة الحاج شاعرة لها جمهورها وأسلوبها، وحمور زيادة روائي حقق فتوحات للرواية السودانية، ألا تظن أن هجومك عليهما – من منبر عام – يدخل في باب ترحيل الشخصي إلى العام؟

لا شأن شخصي بيني وبين الكاتبين، بمعنى مشاعر سلبيّة، وإنما هو شخصي – كما ذكرتُ في حواري في صحيفة الجريدة- من ناحية غيرتنا على حركة الثقافة داخل السودان. كذلك لا شأن لي إطلاقاً بما يُنتجونه من أدب، إذ إنني –حمداً لله- برَّأتُ زمني ومزاجي وذوقي الجمالي من متابعةِ ما يكتبون منذ أزمنةٍ بعيدة. دليل على عدم شخصنة المواضيع –بمعنى مشاعر شخصيّة سلبيّة- أن معركتي مع الأخير لا علاقة لها بما أسميته أنتَ (فتوحات في الرواية السودانية)، وإنما كان هجومي ضدّ احتقاره الحراك الثقافي السوداني، وما يُمكن أن يحققه، بل ما يُمكن أن يُصبح مركزاً أدبيّاً مميزاً وجديداً على ذائقة الكاتبين والقارئين باللغة العربية في العالم أجمع، هذا إن تجاهلنا الترجمة، وما تُرجِمَ سَلَفاً.

عندما فاز حمور بجائزة نجيب محفوظ كنت من المهنئين، بل دافعتُ عنه دفاعاً مستميتاً ضدّ غضب طائفة الأنصار في مقالي الموسوم: “بذرة النار: خطاب كراهيّة ضد حمور زيادة”، ونبّهت فيه –بألطف ما يُمكن- أنني لم أقرأ الرواية نسبة لعدم تحصلي على نسخة –وهو ما كنت صادقاً فيه- وعلاقة ذلك بما أسميته بـ(أقدار القراءة). لكنني عدت وأوضحتُ، لاحقاً، بمباشرةٍ أنني أعرف معدن حمور الكاتب منذ بداياته، وقد تعاصرنا وتقاطعنا في مؤسسات صحفيّة سودانيّة.

ما الذي سيتغيّر من رؤية الكاتب الأخلاقيّة -بالأبيض والأسود- للعالم؟ وأوّل أمري معه بدأ من قصّته (ولاء لم تَعد تضحك)، والمحاكمات الأخلاقيّة الجائرة في قصّته، وأوضحت ذلك في الجزء الثاني من (جثّة داخل جثّة) المنشور بصحيفة الأحداث في العام 2007م. ثم مواقفه ككاتب مروّج لنفسه من خلال سياسة تسويق اجتماعيّة غاية في السخافة، من خلال نصّ أغرق في الضحالة، وللقارئ أن يعود لذلك في مكانه*. في ذلك الوقت كنت ألتقي حمور ولا أكن له أي مشاعر سلبيّة شخصيّة، إذ: لماذا أفعل؟ التقينا بعدها في القاهرة وقضينا وقتاً طيّباً مع أصدقاء، وعندما فاز اتصلنا عليه هاتفياً، وكتبت ذلك في مقال (بذرة النار) المنشور بمجلة البعيد الإلكترونية. يعود له القارئ في مكانه أيضاً.

أريد أن أثبّت موقفاً هنا: أنا لست ناقداً أدبياً، أنا كاتب وذائق لحدائق وجنان الأدب، وأعتقد أنني مُنتِجٌ له من خلال مشروعٍ صُنِّفَ، من قِبَل مجلاتٍ وصحف ومواقع أدبية محكمة ورصينة داخل وخارج السودان، بـ(الشعري). ومن حيث موقعي أرى أن ما يُنتجُ من آدابٍ وفنونٍ في السودان قد أصبح يثير جنون من ظنّوا أنهم سيظلون متربعين على عروشه فقط باعتراف التلفزيونات الخليجيّة، وعبر مسابقات كانت، وظلّت، وستبدو لي في غاية السذاجة كـ(أمير الشعراء) وغيرها من البرامج. فروضة تعرف كيف تُزوِّق اللغة، وتعرف كيف تُلقي بمَسْرَحَةٍ عالية، ولكن إن نظرتُ، أنا لا غيري، في محتوى ذلك لما وجدت ما يؤهلها لإطلاق حكمٍ كالذي أطلقته: (قصيدة النثر فتحت الباب أمام عاطلي المواهب)! إذ يوجد هؤلاء العاطلون في جميع الأشكال الشعرية وليس فيما أسموه “قصيدة النثر”. لقد تابعت ما يقوم به (بيت الشعر السوداني) الذي تمثّل روضة، وغيرها، عماداً له. حيث يجلس الشعراء أمام السبورة، ويقوم أساتذةٌ بكرفتات وبِدَل أنيقة بتدريسهم علوم (العَروض)، هذا ما أسمّيه تعطيلاً للموهبة.

يقول والت ويتمان: “مَن يشغل نفسه بالزينة والسلاسة فهو ضائع. هذا ما ينبغي أن تفعله: احِبّ الأرض والشمس والحيوان، ‏احْتقِر الغنى، امْنَح الصدقة لكلّ من يسألها، ساعد الغبي والأحمق، وجه دخَلَك وتعبك إلى الآخرين، ‏ازدرد الطغاة، لا تجادل في اللّه، كن صبوراً متسامحاً أمام الناس، لا تخلع قبعتك أمام شيء أو رجل ‏أو عدد من الرجال، كن منطلقاً مع غير المثقفين الأشدّاء ومع الصغار والأمهات، اقرأ هذه الصفحات ‏في الهواء الطلق في كلّ فصل من كلّ سنة من سنين حياتك، أعد النظر في كلّ ما تعلمته في المدرسة ‏أو الكنيسة أو أي كتاب، ابعد كلّ ما يهين روحك فسيكون جسدك نفسه قصيدة عظيمة، وسيكون له ‏أغنى طلاقة ليس فقط بكلماته، وإنما بخطواته الصامتة أيضاً ووجهه وبين أهداب عينيك وفي كلّ حركة ‏ومفصل من جسدك… على الشاعر ألا ينفق وقته في عمل لا لزوم له. عليه أن يعلم أن الأرض ‏دائماً محروثة مسمّدة له… قد لا يعلم ذلك الآخرون، أمّا هو، فعليه أن يعلم. عليه أن يزّج بنفسه في ‏عملية الخلق مباشرةً. وثقته ستتفوّق على ثقة كلّ ما يلمسه… وتستحوذ على كلّ صلة”.‏

أترى؟ في عالمٍ بالغ التعقيد، يقوم بإنتاج الجديد من الآداب والفنون بقوةٍ لم نشهد لها مثيلاً، يقوم أشخاص كروضة الحاج باستخدام جماهريّتهم، بعنفٍ شديد وإجرامي، لقمع حقلٍ كاملٍ من الآداب يسمّونه “الشعر النثري” وأسميه، حسب اصطلاح محمد الصادق الحاج الأشمل، والمتجاوز للشكل –إذ يشمل جميع الأشكال والهياكل- وهو “الأحوال الحرّة في الكتابة”.

تقول إنك تدافع عن الأدب الجيد، فلماذا لا تبشر وتقدم هذا الأدب بدلاً من مهاجمة ما تراه هزيلاً؟

أعتقد أنني، عبر مسيرةٍ امتدت منذ عام 2004 إلى الآن كنتُ، وما زلتُ -من خلال ملف (الممر) والنشر الإلكتروني- مبشّراً وناشراً لمئات الأسماء من الكاتبات والكتاب. كذلك مساهماتي في حقل النشر الورقي والعمل الثقافي والتحرير في الصحف والنشر مع عددٍ كبيرٍ من شهداء العمل الثقافي الأحياء في بلادنا، ثم في مدونتي الإلكترونية لعددٍ من الأسماء؛ أعتقد أن ذلك يكفي لإعفائي من هكذا اتهام.

ألا ترى أن انشغالك بهذه المعارك “الطواحينية” يخصم من رصيدك الأدبي والشعري؟

* أكيد يخصم، لستُ آسفاً على ذلك، إذ لا أعتقد أنه من الممكن أن تصفني بـ”صاحب الرصيد” مقارنةً بمن ذكرت أعلاه، أو غيرهم- من الناحية الأدبية والشعرية، والرصيد هنا يتعلّق بالجماهيريّة. لا يتعدّى عدد المتابعين لصفحتي 10 آلاف شخص، بينما تتكدّس صفحة لشاعرة كروضة الحاج بمئات الآلاف من البشر.

هذا كذلك إذا حَسبت عدد قراء (الممر) الأسبوعي بصحيفة السوداني رغم اتّساع رقعتهم باطراد. وبتعبير الشاعرة الصديقة أبرار سعيد: أعتقد أن (نصوصي صبورة). أنتظر المقبل من الأعوام والمقبل من كُتب.

أنك تعرف أنني لم أنشر سوى كتابٍ واحد، وبنسخٍ محدودة (100 نسخة) بِيعَت جميعها عن طريق إصدارات (الحركة الشعرية) في عام 2016م.

على كلٍّ، أتفق مع تعبيرك بأنها “معارك طواحينيّة”.

التعليقات مغلقة.