العقوبات الأميركية تتدحرج ككرة الثلج.. أين تنتهي؟

العقوبات الأميركية تتدحرج ككرة الثلج.. أين تنتهي؟
  • 06 أكتوبر 2017
  • لا توجد تعليقات

فاطمة غزالي

رفع أو إبقاء العقوبات الاقتصادية الأميركية، بالقرار النهائي، المتوقع أن يصدره الرئيس الأميركي دونالد ترمب، خلال الأيام القليلة المقبلة، يعد من أكثر الموضوعات التي تشغل الرأي العام السوداني، المنقسم بين إبقائها ورفعها. المطالبون بإبقائها لهم مبررات موضوعية، خاصة الذين يعانون من ويلات الحرب، ومخاوفهم مشروعة بشأن توجه النظام لشراء السلاح والاستمرار في الإبادة الجماعية بدعوى القضاء على الحركات المسلحة.

معلوم أن العقوبات حظرت بيع أو نقل الأسلحة والمعدات العسكرية الى السودان والميليشيات التابعة للنظام، وكذلك منع إبرام عقود أو منح قروض او صادرات ذات صبغة عسكرية أو تستخدم في الأغراض العسكرية (مع وإلى) السودان والميليشيات التابعة له. ويشمل ذلك الأسلحة، المعدات، اللوازم، أو الأجزاء والمواد التي يمكن استخدامها للأغراض العسكرية، بما في ذلك أنظمة الرادار والأسلحة الجوية، أو وسائل النقل العسكرية. ومنع كل اللوازم أو الخدمات التي تباع أو توفر بشكل مباشر أو غير مباشر مع أي شخص أو حكومة تشارك في أو تدعم أو تساعد في النزاع المسلح في السودان، ومطالبة جميع المنظمات والحكومات بوقف عمليات البيع والتأجير والإقراض، وتصدير الأسلحة للسودان أو نقل معدات عسكرية الى حكومة السودان أو المليشيات التابعة للنظام.

يرى المطالبون بإبقاء العقوبات أن نظام الخرطوم نظام إرهابي، ورفع العقوبات يعني أنه سيحصل على دفع سياسي يجعله يلعب بسهولة في مسرح الإرهاب، ودوره في ليبيا مثلاً دليل على رعايته للإرهاب.

أما المطالبون برفعها فيعيشون على أوهام نسجها النظام، وهي أن الحياة المعيشية الضنك ستنفرج وتتغير الموازين بمجرد رفع العقوبات الأميركية، وهذه  الأوهام والأماني لا تعكس الحقيقة، لأنها مجرد صورة نمطية للعقوبات الأميركية  في الأذهان (أس الشقاء ومنبع الشر) والحقيقة أن العقوبات التي تمس الشعب بشكل مباشر برغم محدوديتها قد تم رفعها أو تجميدها و لو مؤقتاً مثل الأدوية – مدخلات الانتاج الزراعي – التحويلات المالية للأفراد – الإلكترونيات – الاستثمار.

وبالرغم من الرفع الجزئي للعقوبات لم يخرج الشعب السوداني من ضنك العيش، ولم تتحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، هذه الحقيقة تعكس أن نظام الخرطوم يتخذ من العقوبات (شماعة) يعلق عليها أخطاءه، ويصرف النظر عن سياساته الاقتصادية الخاطئة واستغلاله السيء للموارد السودانية خاصة عائدات البترول، وتدميره المشاريع القومية، مثل مشروع الجزيرة، السكة حديد، وضرب الرأسمالية الوطنية برأسمالية طفيلية هدت (حيل) الاقتصاد السوداني.

العقوبات الأميركية على السودان بدأت بعقوبات فرضتها أميركا على السودان في فترة الديمقراطية الثالثة 1988 بسبب عجزه عن سداد الديون، أي ليست لأسباب متعلقة بانتهاكات بجرائم الحرب ضد الشعب أو ضد الإنسانية.

في العام 1989 جاءت الإنقاذ (انقلاب الرئيس عمر البشير) متأبطة مشروعها الإسلامي، وأعلنت العداء لأميركا والغرب بصورة واضحة، ورددت شعار (أمريكا – روسيا دنا عذابها) وأشتعلت الحرب السياسية الاقتصادية بينها والدول الكبرى، ما أدى لإضافة السودان لقائمة الدول الراعية للإرهاب (1993) رداً على استضافته زعيم القاعدة أسامة بن لادن في العام 1991.

كانت هذه أول ضربة وجهتها الإدارة الأميركية لنظام الخرطوم، بعد أربعة أعوام أصدر الرئيس الأمريكي بيل كلنتون الأسبق الأمر التنفيذي (13067) ضد  السودان في نوفمبر 1997م ،و بموجبه فرض عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية ، وبموجبها تم تجميد الأصول المالية السودانية، ومنع تصدير التكنولوجيا الأميركية للسودان، وألزمت الشركات الأميركية، والمواطنين الأميركيين بعدم الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع السودان.

لعب الكونغرس دوراً في فرض عقوبات ضد  نظام الخرطوم من خلال تشريعات أصدرها وهي “قانون سلام السودان” في العام 2002، الذي ربط العقوبات الأميركية بتقدم المفاوضات مع “الحركة الشعبية لتحرير السودان”، وأعقبه قانون سلام السودان الشامل في العام 2004، وفي هذا السياق اشتعلت  الحرب في إقليم دارفور، ومارست الحكومة الإبادة الجماعية و جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية، إلى درجة أن الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي عنان وصف الأوضاع في دارفور بكارثة العالم بسبب الفظائع التي ارتكبها النظام وميليشياته ( الجنجويد )، وفي ظل  التعاطف العالمي والتفاعل مع قضية  في دارفور  فرض الكونغرس الأميركي في العام 2006  عقوبات ضد “الأشخاص المسؤولين عن الإبادة الجماعية، جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية  ، فحظر جورج بوش الابن  ممتلكات عدد من الشركات والأفراد السودانيين، شملت 133 شركة وثلاثة أشخاص. وفي أكتوبر 2006 قال الرئيس بوش إن سياسات حكومة السودان تهدد أمن وسلام وسياسة أميركا، خاصة سياسة السودان في مجال النفط.

الرئيس الأميركي بارك أوباما قبل أن يدخل البيت الأبيض زار دارفور والتقى ضحايا الحرب ووعد بحل أزمة دارفور بعد فوزه برئاسة الدولة العظمى، وكانت دارفور جزء من حملته الانتخابية، الأمر الذي دفع عدد من السودانيين  إلى الوقوف بجانبه ، ودعم حملته الانتخابية .

بعد فوزه لم يتحقق السلام طوال دورتي حكمه ( 8 أعوام) وكل ما فعله  في العام  2012 أنه جدد العقوبات الأميركية المفروضة على السودان رغم إقراره بأن النظام السوداني حل خلافاته مع الجنوب بالانفصال ، وحذر من أن الصراعات في إقليم دارفور وغيره ما زالت تمثل عقبات خطيرة على طريق تطبيع العلاقات بين واشنطن والخرطوم. وفي نوفمبر2016 تم تمديد العقوبات من إدارة أوباما ، كما أشارت إلى إمكان رفعها ، وبعد عام وقبل أن يغادر أوباما البيت الأبيض أعلن في 13يناير من العام  نفسه الرفع الجزئي لبعض العقوبات الاقتصادية نتيجة لتعاون النظام السوداني في ملف الارهاب حسب تقرير الخارجية الأمريكية 2006 وتقارير الكونغرس 2009، وترك أوباما مسئولية الرفع الكلي لإدارة ترمب.

التفاؤل برفع العقوبات الاقتصادية  الذي سيطر على منسوبي النظام ، وتسرب إلى قطع كبير من الشعب السوداني باعتباره الفرج القادم، قد ينهار ويموت الأمل في  في لحظة  بقرار من ترمب، وببساطة رغم  المعلومات التي تشير إلى  قرب رفع الحظر،  فمن الصعوبة بمكان التنبؤ بقرارات  ترمب بشأن العقوبات،وسبق وأن أرجأ البت بشأنها  في يوليو الماضي، وقد يؤجل القرار بشأنها، ولا يستبعد أن تلعب اللقاءات المكثفة التي أجرها النشطاء السودانيون  مع أعضاء الكونغرس الأمريكي  دورها دورها في تأجيل صدور القرار، وسلم  الناشطون الرافضون لرفع الحظر مذكرات تناولت خطورة تداعيات رفع العقوبات على الشعب السوداني ،ورأوا أن  مخاطر رفعها  أكبر من إبقائها ، وبرروا موقفهم  بأن النظام  سيستغل رفع العقوبات في حال رفعها في مزيد من التسليح  وممارسة العنف في  مناطق الحرب ، وتوسيع دائرة فساد المسوؤولين.وقناعتهم بأن المشكل الاقتصادي سببه  سياسات النظام السالبة، واستغلال موارد الشعب لصالح الأفراد في النظام،  وبرهنوا على ذلك بأوضاع الشعوب في عدد من الدول التي فرض عليها الحظر الأميركي إلا أنها لم تضع شعوبها في جحيم المعاناة كما يفعل نظام الخرطوم .

حسب مصادر مقربة من البيت الأبيض فان الموقف الآن بشأن رفع أو إبقاء العقوبات مازال يأخذ نصيبه من النقاش داخل الجهازين التنفيذي والتشريعي للحكومة الأمريكية، خاصة بعد الحراك الذي بدأه الناشطون الحقوقيون داخل أروقة الكونغرس الأمريكي منذ سبتمبر الماضي بواشنطن، حيث نظموا العديد من التظاهرات أمام البيت الأبيض، والتقوا قبل يومين أعضاء الكونغرس المؤثرين الذين يتفاعلون مع القضية السودانية، لتشكيل مجموعة تضغط قد تؤثر على  قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإبقاء العقوبات.

و مع اقتراب موعد صدور القرار النهائي بشأن العقوبات وصلت مذكرة الناشطين المطالبة بإبقاء العقوبات إلى أبرز أعضاء الكونغرس. الحراك  المعارض المكثف للناشطين عبر المذكرات للكونغرس والخطابات للخارجية الأميركية، والتظاهرات أمام البيت الأبيض، من شأنه أن يجعل الموقف الأميركي مرتبكاً،  كما يجعل ذلك مواقف أعضاء  الكونغرس تمر  بمرحلة عسيرة، بسبب كيفية التوازن بين المصالح الأميركية، والالتزام الأخلاقي تجاه ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بالسودان، وأعضاء الكونغرس ليسوا بعدين عن أخر التطورات  ومشهد الطائرات التي تضرب المدنيين بمعسكر( كلمة).

معلوم أن نظام “الإنقاذ” دفع الكثير من الفواتير، وقدم بسخاء الكثير من المعلومات بشأن ملف الإرهاب، طمعاً في نيل رضا الإدارة الأميركية، و طمعاً في ورفع العقوبات، و ظلت الخرطوم تلهف إلى لحظة الوصول للمحطة النهائية، إلا أنها لم تف شروط رفع العقوبات المتمثلة في وقف الحرب وًتحقيق السلام في دارفور و نزع سلاح الميليشيات والسماح للمعونات و المساعدات الانسانية بالوصول الى المحتاجين دون قيد أو شرط،  ولم تف بعدم التدخل في شؤون جنوب السودان أو رفع القيود عن الحريات العامة أو وقف انتهاكات حقوق الانسان أو تحقيق التحول الديمقراطي و الانفراج السياسي.

لا شك في أن المبررات كافية لإبقاء العقوبات الأميركية ما تتغلب المصالح الأميركية على الأوضاع الأمنية والسياسية والإنسانية في السودان.

كرة الثلج تتدحرج من أمام البيت الأبيض، ولا أحد يدري أين تنتهي، رغم تفاؤل نظام الخرطوم.

 

 

الوسوم فاطمة-غزالي

التعليقات مغلقة.