الاختراق الاستخباري،،، أرشيف المخابرات السورية نموذجا!!

الاختراق الاستخباري،،، أرشيف المخابرات السورية نموذجا!!
  • 29 يونيو 2025
  • لا توجد تعليقات

د. ذيب القراله

فتحت نتائج الحرب الإسرائيلية – الإيرانية وخاصة في أيامها الأولى ( شهية وعيون وقلوب وآذان ) دول وأجهزة وشعوب وأفراد ،، لمعرفة ( شكل وحجم وأدوات ) الاختراق الاستخباري الإسرائيلي ( غير المسبوق ) للساحة الإيرانية ، والذي شكل مفاجأة من العيار الثقيل لجميع الأطراف.
وقبل أسابيع من بدء الضربات المتبادلة بين الجانبين ،كانت كل من طهران وتل أبيب ، قد أعلنتا عن تحقيق ( إنجازات مخابراتية )،، فيما ربما تكون دول أخرى قد حققت بالخفاء( اختراقات ) استخبارية كبرى على ( جبهة سوريا ).
وبطريقة استعراضية، أعلنت إسرائيل أنها استعادت ( بعملية سرية معقدة بالتعاون مع جهاز استخباري حليف) أرشيف جاسوسها الشهير ( إيلي كوهين )،،، فيما أعلنت ايران أنها امتلكت ( كنزا استخباريا ثميناً ) من اسرار إسرائيل الخفية في عملية سرية واسعة النطاق.
إن المطلع على أبسط قواعد عمل الاستخبارات ، يدرك بكل بساطة ، أن الحصول على هذه ( الكنوز الاستخبارية ) يتطلب التعامل معها ( بالكتمان ) وليس ( الإعلان ) ، وأن ( الأسرار ) تفقد قيمتها ( الاستراتيجية ) في حال معرفة ( الطرف الآخر ) بها ، لأنه بالتأكيد سيبدأ فورا ، بتغيير خططه وأساليبه ومصادره ، وبنك أهدافه ، وصولا إلى اكتشاف ( الثغرة ) التي تم اختراقه بسببها.
ولذلك يمكن الجزم بأن الإعلانين الإسرائيلي والإيراني كانا بعيدان عن أية عملية نوعية احترافية ذات تأثير مستقبلي فعًال، وأنهما يدخلان في إطار ( الحرب النفسية ) و ( البروباغندا الإعلامية ) بهدف تحقيق أمرين ،، الأول رفع الروح المعنوية للجبهة الداخلية لكل منهما ، وإيصال ( رسائل تهديد ) للأطراف الأخرى بشأن قدرتهما الاستخبارية ، واحتمالية استخدام ما يملكانه من معلومات ضدها، عندما تدعو الحاجة لذلك.
واللافت أن وسائل الإعلام العربية ، تعاطت مع الحدثين ، وكأنهما حقائق ثابتة، فكررت مضامينهما عشرات المرات ، دون أن تخضعهما للتحليل والبحث والتفسير والاستنتاج ، مما يكرس فكرة أن القاريء والمشاهد العربي أصبح( متلقي جيد ) ، و ( متأثر بامتياز ) ، و ( محلل ضعيف ) مما يسهل عملية التأثير في قناعاته وأفكاره وبالتالي ردود أفعاله.
وبعد ساعات من إعلان وقف إطلاق النار بين تل أبيب وطهران ، أكدت مصادر إسرائيلية أن الحرب السبرانية والاستخبارية سوف تستمر ضد إيران ، وأن هذا الأمر لا يُعد خرقا لوقف إطلاق النار ،فيما عُلم أن إيران بدأت بشكل فوري ( بمساعدة من الصين ) باستحداث جهاز أمني جديد هدفه الأساسي مكافحة الاختراق الإسرائيلي للساحة الإيرانية، التي يتردد أن هناك حوالي ٧٠٠ مواطن إيراني، ومثلهم من الأجانب يخترقونها لصالح الموساد الإسرائيلي .
إن حجم الاختراق الإسرائيلي لإيران ، يجب أن يقرع جرس الإنذار في جميع العواصم العربية، التي ربما تتفاجأ يوما ما أنها كانت ( نائمة بالعسل ) فيما إسرائيل تعمل ضدها بصمت وتخلخل بنيانها من الداخل.
وبناء على ذلك فان إجراء مراجعة فورية من قبل جميع الدول العربية بلا استثناء ( لخططها العسكرية وبنيتها الأمنية، وتحصين مؤسساتها وأجهزتها ) انطلاقا من فرضية أن هناك ( اختراقا ما ) هو أمر مُلحّ وطاريء وعاجل ،لا يقبل التأجيل .
ويجب ان لا نستبعد ( بعد ان انتهت الجولة الاولى من الحرب مع ايران ) ان تقوم اسرائيل بالتحرش ( سياسيا وامنيا ) بدولة عربية هنا او أخرى هناك ، في اي وقت وتحت اي مبرر ، عندما تجد ان هذا الامر يخدم مصلحتها واجنداتها ومشاريعها التوسعية.
وفي هذا السياق، يخطر على البال سؤال حول( أرشيف المخابرات السورية ) بعد سقوط نظام بشار الاسد ومن يمتلكه الان ،، وهل هو في حوزة السلطة الجديدة في دمشق ام انه نُقل الى اطراف ثالثة ومن هي ؟ وما تأثيره خلال المرحلة المقبلة ، كونه بالغ الخطورة والاستراتيجية، خاصة اذا ما استخدمت مضامينه كوسيلة تهديد وابتزاز ومقايضة إقليمية ودولية.
وتكمن خطورة امتلاك هذا الارشيف في ان الجهات التي تسيطر عليه تستطيع كشف علاقات النظام السابق الخفية وتعاملاته داخليا وخارجيا ، مما يُمكن المسيطر عليه من ابتزاز الخصوم الإقليميين والدوليين.
ومن المنطقي ان يحتوي الارشيف التراكمي ( الذي يزيد عمره عن ٥٥ عاما ) على معلومات حول التعاون ألامني السري بين النظام السوري ، وأجهزة ودول عربية وغربية ،وحركات وتنظيمات ارهابية.
ومما لا شك فيه ان من يمتلك أرشيف المخابرات السورية (سواء حصل عليه كمقايضة لمواقف سياسية ودعم لوجستي ، أو اشتراه بالمال ) يستطيع أن يفاوض به دولا أخرى ويفرض نفسه لاعباً في مستقبل سوريا.
وتتمثل الأسباب الاستراتيجية التي تدعو بعض الدول للحرص على امتلاك مثل هذا الارشيف او جزء منه ، بالحماية الذاتية ، خشية أن يحتوي الأرشيف على ملفات حساسة عن اتصالات سابقة لهذه الدولة مع النظام السوري أو الجماعات المسلحة.
وفيما يخص النفوذ الإقليمي فان امتلاك وثائق من الأرشيف يعني ابتزاز خصوم وفرض مقايضات في التسوية السورية ، وصراع النفوذ فيها.
وفي البُعد الدولي فان تسليم نسخ او اجزاء من الأرشيف لأجهزة استخبارات غربية (امريكا ، بريطانيا، ألمانيا) يمكن أن يضع الدولة التي تمتلكه في موقع الشريك الأمني والراعي المؤثر في مستقبل سوريا.
ومن المرجح ان تكون واحدة من هذه الدول ( تركيا ، قطر ، روسيا ، ايران ) قد حصلت على نسخة من أرشيف المخابرات السورية من خلال علاقتها الوثيقة بالنظام السابق ، او بهيئة تحرير الشام، بعد سيطرتها على دمشق ، إما مباشرة أو عبر طرف ثالث محسوب عليها.
و حول احتمالية قيام النظام السوري السابق باتلاف ارشيفه الأمني قبل سقوطه، تشير تجارب الدول المنهارة ( العراق، ليبيا ، المانيا الشرقية ، رومانيا ) الى ان امكانية حصول إتلاف كامل شامل وسريع للأرشيف ضعيفة جدًا وغير عملية لوجستيًا في ظل فوضى السقوط.
اما تهريب الأرشيف الى الخارج (إيران أو روسيا) قبل السقوط فانه امر محتمل على اعتبار ان هذه الخطوة تعتبر بالنسبة للنظام ، وسيلة للحماية والتفاوض لاحقًا، لكن الامر المؤكد هو احتفاظ أفراد نافذين من ابناء النظام بنسخ من الارشيف من اجل النجاة الشخصية أو المساومة مستقبلًا.
ويشير السيناريو الواقعي في حالة سوريا الى ان الأرشيف سقط بيد بعض الفصائل المسلحة كهيئة تحرير الشام ، الجيش الوطني، الجبهة الجنوبية او تم نهب جزء منه من قبل جماعات محلية ربما قامت او ستقوم ببيعه ، وسيتم تسريب اجزاء منه لأغراض ابتزاز شخصي أو سياسي.
بناء على ذلك ، فمن غير المستبعد ان نشهد خلال الفترة القادمة ( بعد انتهاء عمليات فرز ملفات الارشيف وتصنيفها وفك طلاسمها وشفراتها ودراسة سُبل استغلالها ) عمليات ( تسريب مبرمجة ) في وسائل اعلام اجنبية لمعلومات تدين هذه الدولة او تلك او تحرجها ، او تؤثر على علاقاتها بالدول الاخرى ، او تكشف تفاصيل تخص جهات في المعارضة السورية، بهدف حرقها وتشويهها، وذلك بهدف تصفية الحسابات ، او تحقيق مكتسبات واغراض سياسية.

كاتب وإعلامي أردني
theeb100@yahoo.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*