الإثنين - 5 ربيع الثاني 1447 هـ , 29 سبتمبر 2025 م

محامو الطوارئ” ترصد أكثر من ٤٠ بلاغاً باختفاء أطفال في ٣ ولايات خلال سبتمبر

دعاء العشاء”: رمزية التعايش وبناء درامي متماسك في فضاء سينما سودانية جديدة

دعاء العشاء”: رمزية التعايش وبناء درامي متماسك في فضاء سينما سودانية جديدة
زهير عثمان

يأتي الفيلم السوداني “دعاء العشاء” كواحد من الأعمال السينمائية التي تحاول أن تفتح أفقاً جديداً للسينما السودانية، ليس فقط عبر الحضور في المهرجانات، بل عبر الغوص في أسئلة الهوية والتعايش داخل مجتمع متنوع. العمل من إخراج محمد كمال وبطولة محمد المجتبى موسى وعلاء الدين حسن، وقد نال الجائزة التقديرية في مهرجان بغداد السينمائي، في إشارة إلى تميّزه فنياً وفكرياً.
الرمزية في العنوان والحدث
اختيار عنوان الفيلم “دعاء العشاء” ليس مجرد تفصيل شكلي، بل يختزل جوهر الفكرة. الدعاء فعل روحي يعكس التواصل مع المطلق، بينما العشاء زمن يجمع العائلة والمجتمع في لحظة حميمية. الجمع بينهما يحيل إلى ازدواجية الروح والجسد، الفرد والمجتمع، وهو ما يعيشه البطل “فراس”، الشاب المسيحي الذي يجد نفسه ممزقاً بين هوية خاصة وعالم اجتماعي يفرض إيقاعه عليه.
فراس هنا يتحول إلى رمز للأقليات في السودان: حضوره ليس فردياً فقط، بل هو صورة عن جماعة تبحث عن الاعتراف والقبول في مجتمع متعدد الأديان والثقافات.

البناء الدرامي: صراع داخلي وخارجي

اعتمد الفيلم على بناء درامي يقوم على ثنائية التوتر الداخلي والخارجي.
الصراع الداخلي يتمثل في محاولة فراس الحفاظ على هويته الدينية والشخصية.
أما الصراع الخارجي، فيظهر من خلال ضغوط المجتمع والأسرة التي تحاول دفعه إلى الامتثال للمعايير السائدة.
هذه الثنائية أعطت السرد بعداً إنسانياً يتجاوز الحكاية المحلية، ليصل إلى خطاب عالمي عن الأقليات، الانتماء، والبحث عن الذات وسط الآخر.

لغة الفيلم البصرية والدرامية
من الناحية الفنية، يتكئ الفيلم على واقعية سينمائية تجعل المشاهد أقرب إلى اليومي والمعاش. لكن هذه الواقعية محمّلة برموز:
الوجوه والحوارات القصيرة تعكس سوء الفهم الكامن في العلاقات.
التفاصيل الصغيرة (مكان العبادة، جلسات الأكل، نظرات المجتمع) تتحول إلى إشارات مشحونة بمعنى.
شخصية فراس ليست فقط بطل الفيلم، بل “مجاز سينمائي” عن سؤال الاعتراف والتعايش.
مقارنة مع تجارب عربية
تجربة “دعاء العشاء” تلتقي مع محاولات عربية سابقة لطرح سؤال الأقليات والتعايش:
في السينما المصرية، تناول فيلم “بحب السيما” (2004) حياة أسرة قبطية في سياق اجتماعي ضاغط، مظهراً الصراع بين الانتماء الديني والاندماج في المجتمع الأوسع.
أما السينما اللبنانية، فقد عالجت موضوع التعدد الديني والهوية في أعمال مثل “غرب بيروت” (1998)، حيث تحولت الطائفية والحرب الأهلية إلى مسرح لصراع الشباب مع معنى الانتماء.
لكن خصوصية “دعاء العشاء” تكمن في السياق السوداني الذي لم يطرق كثيراً هذا الباب فنياً. الفيلم هنا لا يعرض فقط أزمة فردية، بل يحاول أن يضع التعايش السوداني – بما يحمله من هشاشة وفرص – في قلب السرد. هذه الخصوصية تمنحه طابعاً مغايراً ويجعل رمزيته أكثر التصاقاً بالواقع المحلي، مع قدرة على محاورة التجارب الإقليمية.
قيمة العمل في المشهد السوداني”دعاء العشاء” ليس مجرد تجربة فردية، بل يعكس تحوّلاً في السينما السودانية نحو معالجة الموضوعات الحساسة برؤية فنية متماسكة. رمزية العنوان، البناء الدرامي المتوازن، والقدرة على تحويل القصة المحلية إلى خطاب إنساني، كلها عوامل جعلت الفيلم يحظى بتقدير نقدي في مهرجان بغداد السينمائي.
إنه عمل يطرح سؤالاً أعمق: هل تستطيع السينما السودانية أن تكون مرآة لتنوع المجتمع وصراعاته الرمزية؟ “دعاء العشاء” يجيب بنعم، عبر سرد يتقاطع فيه الشخصي بالجماعي، واليومي بالكوني، والمحلي بالإقليمي.

لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

حجز اسمكم المستعار سيحفظ لكم شخصيتكم الاعتبارية ويمنع الآخرين من انتحاله في التعليقات
دخول سجل اسمك المستعار
حجز اسمكم المستعار سيحفظ لكم شخصيتكم الاعتبارية ويمنع الآخرين من انتحاله في التعليقات
التعليق كزائر سجل اسمك المستعار نسيت كلمة المرور
حجز اسمكم المستعار سيحفظ لكم شخصيتكم الاعتبارية ويمنع الآخرين من انتحاله في التعليقات
التعليق كزائر سجل اسمك المستعار نسيت كلمة المرور