كيف تسارع انهيار الإنقاذ بعد انفصال الجنوب؟

١
كان من نتائج سياسات الحكومات المدنية والعسكرية التي تعاقبت على البلاد بعد الاستقلال أن عمقت التهميش في الجنوب ، والتنمية غير المتوازنة التي خلفها الاستعمار البريطاني بعد خروجه، والاستعلاء الديني والعنصري والعرقي، فتم نقض العهود والمواثيق مثل: عدم إعطاء الحكم الفدرالي للجنوبيين بعد الاستقلال، والتوسع في الحل العسكري وفرض اللغة العربية والدين الإسلامي بالقسر خلال سنوات ديكتاتورية عبود(1958- 1964م) حتي كانت مشكلة الجنوب من أسباب اندلاع ثورة اكتوبر 1964م. وبعد انقلاب 25 مايو 1969م تم توقيع إتفاقية أديس ابابا في مارس 1972م والتي تم بموجبها إعطاء الجنوب الحكم الذاتي، وتم وقف نزيف الدم لمدة عشر سنوات، إلا أن نظام النميري المتسلط نقض تلك الاتفاقية بقرار تقسيم الجنوب، ، مما أدى لاندلاع الحرب مرة أخرى وبشكل أوسع من الماضي، بعد تأسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1983 بقيادة جون قرنق والتي رفعت شعار وحدة السودان على أسس جديدة، أضافة إلى تعميق المشكلة وصب الزيت على النار بإعلان قوانين سبتمبر 1983م. وساهمت الحركة الشعبية في مقاومة نظام النميري حتي تمت الإطاحة به في انتفاضة مارس – ابريل 1985م. وبعد الانتفاضة تواصلت الجهود من أجل الحل السلمي الديمقراطي لمشكلة الجنوب حتي تم تتويج ذلك بتوقيع اتفاقية الميرغني – قرنق، وتقرر بموجبها وقف إطلاق النار والتحضير لعقد مؤتمر دستوري في سبتمبر 1989م.
٢
ولكن جاء انقلاب 30 يونيو 1989م الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير.وتم إعلان حرب الإبادة الجهادية التي امتدت وتوسعت لتشمل جبال النوبة والنيل الأزرق والشرق ودارفور، وحرب على الشعب السوداني وقواه السياسية والنقابية، وتم تشريد آلاف المواطنين من أعمالهم، واعتقال وتعذيب الآلاف في سجون الإنقاذ، والتعذيب حتى الموت كما في حالة الشهيد د. علي فضل. ورفعت الدولة يدها عن خدمات التعليم والصحة ، وتم تدمير السكة الحديد والنقل النهري والخطوط الجوية السودانية، ومشروع الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية. وتم تعميق الفقر حتى أصبحت نسبته 95% من جماهير شعبنا. وبعد استخراج البترول وتصديره عام 1999م لم تذهب جزء من عائدته لدعم الزراعة والصناعة والتعليم والصحة وبقية الخدمات، بل استمرت الزيادة في أسعار المحروقات .
٣
بعد توقيع اتفاقية نيفاشا التي أوقفت الحرب لم يتم تنفيذ جوهرها الذي يتعلق بالتحول الديمقراطي والتنمية وتحسين الأوضاع المعيشية، وقيام انتخابات حرة نزيهة تفتح الطريق لقيام استفتاء حر ونزيه يؤكد خيار وحدة السودان كما جاء في الاتفاقية والدستور، ولكن سياسات المؤتمر الوطني طيلة سنوات الاتفاقية عمقت الكراهية والاستعلاء الديني والعرقي والحقد والمظالم لدى الجنوبيين حتى أصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية. كل ذلك قاد إلى خيار الانفصال. وبالتالي يتحمل المؤتمر الوطني المسؤولية التاريحية في تمزيق السودان الذي ظل موحدا لحوالي قرنين من الزمان. كما يتحمل مع صنيعته الدعم السريع مسؤولية استمرار الحرب الجارية حاليا التي تؤدي للمزيد من تمزيق وحدة البلاد.
٤
بعد ذلك تواصلت المقاومة الجماهيرية بمختلف الأشكال حتى انفجرت ثورة ديسمبر ٢٠١٨’ التي قطع الطريق أمامها انقلاب اللجنة الأمنية للنظام السابق’ إضافة للمحاولة الانقلابية بتدبير مجزرة فض الاعتصام ‘ والتوقيع على الوثيقة الدستورية التي كرست الشراكة مع العسكر والدعم السريع والمليشيات’ وقننت الجنجويد دستوريا بدلا من حله كما في شعارات الثورة ” العسكر للثكنات والجنجويد ينحل”‘ إضافة لتوقيع اتفاقية جوبا التي تحولت لمحاصصات ومناصب’ وتواصل التآمر على الثورة حتى تدبير انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ الذي أعاد التمكين للإسلاميين والأموال المستردة للفاسدين’ وقاد للحرب اللعينة الجارية حاليا التي شردت أكثر من ١٢ مليون مواطن’ وأدت لمقتل وفقدان الآلاف وتدمير البنيات التحتية’ إضافة لجرائم الحرب مثل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والاسترقاق والاغتصاب والعنف الجنسي. الخ’ مما يتطلب أوسع حراك جماهيري لوقفها واستعادة مسار الثورة’ وقيام الحكم المدني الديمقراطي.