بين مهنية الممثل ومسؤولية الذاكرة: إلى فضيل حين تتحول السخرية إلى إساءة

بين مهنية الممثل ومسؤولية الذاكرة: إلى فضيل حين تتحول السخرية إلى إساءة
  • 06 أكتوبر 2025
  • لا توجد تعليقات

زهير عثمان حمد

في مشهدٍ تتداخل فيه الخطوط بين الفنان والإنسان، وبين الفكاهة والخطيئة، يبرز فعل الممثل فضيل ليس مجرد مقطع عابر، بل ظاهرة تستحق التقصي.
النقد هنا ليس محاكمة لنوايا إنسان، بل قراءة لتداعيات فعل مهنيٍّ في فضاء عامٍّ تتنازعه الروايات وتتصارع عليه الذاكرة.أولاً الممثل كحارس للرمز لا كهادم لهالفنانون ليسوا أبراجاً منعزلة عن واقع مجتمعاتهم؛ بل هم مرايا تعكس أفراحها وأتراحها، وأحياناً منارات تُضيء دروب وعيها.
حين يختار الممثل التعامل مع حدث جسيم مثل ثورة ديسمبر – التي تمثل في المخيال الجمعي لحظة فاصلة، مزجت بين الألم والأمل، والفقدان والتحرر – فإنه لا يلمس مجرد “موضوع”، بل يعبث برمزية حية في ضمير الأمة.
أن ثورة ديسمبر ليست ملكاً لحزب ولا لفصيل، بل ذاكرة وطنية جامعة، والعبث بها لا يعني انتقاداً سياسياً عابراً بل انتهاكاً لذاكرة أمة كاملة.
السخرية هنا لا تقع في منطقة النقد السياسي المشروع، بل تنزلق إلى منطقة تدنيس المقدس الجماعي، وهو ما يتجاوز “حرية التعبير” إلى “استباحة الذاكرة”.ثانياً السخرية بين التحرير والتدميرليست كل سخرية محمودة. هناك سخرية تحررية، تكشف تناقضات السلطة وتفضح زيف الطغاة، وهي سخرية نبيلة كانت سلاحاً في يد الشعوب عبر التاريخ.
لكن هناك سخرية هدامة، تستهدف تقويض التضحيات الكبرى وتسفيه دماء الشهداء، فتحول المأساة إلى نكتة، والمعاناة إلى مادة استهلاكية. الفرق بينهما كالفرق بين السكين في يد الجراح وبينها في يد القاتل.الأداء الذي قدمه فضيل، وخاصة مع تداوله وتوظيفه من قبل أطراف سياسية، يقع في دائرة الثانية؛ فهو لا ينتقد بل يهزأ، لا يحلل بل يشوه.
ثالثاً الوجه الخفي للفعل البراغماتي – عندما يصبح الفن سلعة
أخطر ما في هذا الأداء هو تحويله التضحية إلى سلعة استهلاكية. الثورة وشهداؤها ليسوا “مادة” لبرنامج كوميدي أو “رأياً” يمكن معارضته، بل هم عهد بين الأحياء والأموات.حين يباع هذا العهد في سوق الترفيه السياسي، فإن الفنان لا يخون فقط ضمير مهنته، بل يخون ذلك العهد غير المكتوب الذي يربط الفنان بشعبه.
هنا يتحول الممثل من “صوت للشارع” إلى “بوق لأجندة”، ومن حكيم يسخر ليكشف الحقيقة، إلى مهرج يسخر ليموهها.رابعاً: محاكمة الضمير قبل محاكمة الجمهور الردود الغاضبة ليست مجرد رفض للرأي المخالف، بل هي صرخة ضد تلكؤ الضمير الجمعي.
عندما يضحك البعض على جريمة لم تُحاسب بعد، أو على دماء لم تجف، فإنها إهانة ليس للضحايا فقط، بل لكل من يؤمن بأن بعض القيم لا تُمس. المطالبة بمحاسبة الممثل ليست دعوة للتكميم، بل هي دعوة للمساءلة الأخلاقية
أي فن نريد؟ أي ذاكرة نصنع؟ وأي مستقبل نبني عندما نسمح بتحويل ماضينا إلى مسخرة؟
نحو فن مسؤول
الخيار ليس بين الفن الحر والفن المسؤول، فلا حرية بلا مسؤولية. الفن الحقيقي ليس ذلك الذي يسبح ضد التيار لمجرد السباحة، بل الذي يبحر نحو شاطئ الحقيقة والكرامة الإنسانية.
ندعو فضيل وزملاءه الفنانين إلى أن يتذكروا أن الكلمة طلقة لا رجعة فيها، والضحكة سلاح ذو حدين.
وأن الفن العظيم هو ذلك الذي يبني وعياً، لا ذلك الذي يهدم روح أمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*