التقينا في العام 1986 عند التحاقي بصحيفة الأسبوع عقب التخرّج، وكان يومها رئيسًا لقسم التحقيقات. بدا لي نموذجًا للصحفي الأنيق، المبادر، المبتكر؛ ذاك الذي لا يرفع صوته لكنه يترك أثرًا لا يُمحى. كان عنوان عموده «بهدوء» امتدادًا طبيعيًا لشخصيته: حضورٌ خفيض لكنه عميق، ورؤيةٌ كصفو الماء تُطفئ ضجيج اللحظة وتمنحك القدرة على رؤية الأشياء كما هي… بلا تزييف ولا توتر.
ومنذ الأيام الأولى، كان مبادرًا في الأخذ بأيدي الصحفيين الجدد، يرافقهم في «البحث عن المتاعب»، لكنه يفعلها بطريقته الخاصة: نصفها مهنية دقيقة، ونصفها أبوة رحيمة.
لحسن محمد زين نصيبٌ وافر من اسمه؛ حسنُ الهندام، شديد العناية بتفاصيله الصغيرة، و“شياكته” تسبق حضوره وتضيئها تلك الابتسامة ذات «الفلجة» المحببة، التي ظلت إحدى علاماته الفارقة. ابتسامةٌ تُشعرك أنك صديقٌ قديم، حتى إن التقيته للمرة الأولى، وأنك في أمان مهما كان الحديث ثقيلًا أو الخبر محفوفًا بالقلق.
ظل ناقدًا للمجتمع باتزان، موجّهًا بأدب عبر زاويته الشهيرة «بهدوء». لم يبحث عن مجدٍ عبر المهاترات، ولا عن مكاسب شخصية ببيع قضية أو مساومة على مبدأ.
ورغم السنوات والمسافات، لم ينقطع تواصلنا. ظلّ وفيًّا لطقوسه الناعمة، يكرمني — ضمن كثيرين — بزاويته التذكيرية الصباحية «لعلّنا بها ننجو». تصلني كل يوم كما لو كانت وصلة سرّية بينه وبين محبيه. ظلّ يكتبها حتى صباح الأربعاء الماضي؛ رسالة قصيرة، شفيفة، لا تختلف عن روحه الجميلة.
وعندما وصلتني تلك الرسالة، بدا لي — دون أن أدري — وكأنه يستأذن الرحيل بعدها بيومين… يستأذن بالهدوء ذاته الذي عاش به، وكتب به، ورحل به.
رحم الله حسن الزين.
مضى الرجل، لكن ظله سيبقى طويلًا فوق كل الذين أحبوه، وكل الذين تعلّموا منه أن الكتابة يمكن أن تكون قوة… إذا قيلت بهدوء.