نظريات الإعلام والدبلوماسية في لقاء واشنطن

نظريات الإعلام والدبلوماسية في لقاء واشنطن
  • 20 نوفمبر 2025
  • لا توجد تعليقات

كمال إدريس

بلا شك، يمكن وصف أسلوب سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز خلال زيارته التاريخية إلى واشنطن بأنه نموذج تطبيقي لعدد من أهم نظريات الإعلام والدبلوماسية الحديثة. هذه الزيارة التي سيكون لها ما بعدها أكدت الدور السعودي المحوري في مكافحة الإرهاب على الصعيد الدولي.إن ما قدمه سموه خلال اللقاء الكبير في البيت الأبيض يشكل مادة دراسية صالحة للتدريس في كليات الإعلام والعلاقات الدولية والدبلوماسية العامة والبرتوكول وتحليل الخطاب السياسي، فقد جمع اللقاء بين هدوء القوة وقوة الهدوء، وهو الأسلوب الذي يصنع القادة المؤثرين حقاً على النطاق الدولي.طريقة الحضور ونبرة الخطاب والسلوك الدبلوماسي وحتى الإيماءات، صنعت هالة حول الضيف الكبير، بدون أن يكون هناك رجل ظل أو ملقن (كما كان ملاحظاً بالنسبة للرئيس الأمريكي الذي كان يتم تلقينه عبر أوراق صغيرة كانت تمرر إليه عبر طاقمه)، وهو ما لم يحدث من جانب الضيف.يمكن استخلاص حزمة من النظريات التي فرض بها سمو ولي العهد حضوره بها على اللقاء، فمن نظريات الإعلام، بدت نظرية وضع الأجندة التي تقول: أن القائد لا يُخبر الجمهور بما يفكرون فيه، لكنه يُخبرهم بما يجب التفكير حوله، فهو لم يساير الأسئلة التي حاولت استخراج ردود فعل انفعالية، بل فرض إطارًا جديدًا للنقاش، وأمًن على أن الإرهاب قضية فكرية وثقافية وليست أمنية فقط، وبهذا نقل مركز النقاش من الخطر إلى جذور القضية، وهي ممارسة واضحة لنظرية وضع الأجندة.كما استخدم سموه بأسلوب هادئ وواثق نظرية التأطير التي تعتمد على كيفية تقديم الموضوع وليس على الموضوع نفسه، وأكد على أن المملكة شريك فكري وأخلاقي في مكافحة الإرهاب، وأن الفكر المتطرف منتج ثقافي يجب تفكيكه، وأن الخوف ليس سلاحاً تفاوضياً. هذا التأطير جعل الإعلام الأمريكي يتحول الى التعامل معه كشريك.وكان اللقاء مليئاً بالرسائل الاتصالية من سموه عبر لغة الجسد والإيماءات، والابتسامة وتوزيع النظر، بما يوضح الاستخدام الأمثل لنظرية الاتصال غير اللفظي، والتي أخرجت اتصالًا بصرياً مباشراً وواثقاً، ونبرة صوت ثابتة، وكذلك نظريات القيادة التي بدت في هدوء ردة الفعل، وبالطبع مع غياب التوتر أمام ترامب (الذي عادة ما يتعمد اختبار ضيوفه).ولا يخفى استخدام سمو ولي العهد لنظريات دبلوماسية خلال اللقاء، مثل الدبلوماسية العامة حيث استطاع أن ينفذ بواسطتها إلى أدوات القوة الناعمة في الولايات المتحدة، كالإعلام والكونغرس والرأي العام الدولي.وأيضا دبلوماسية الصورة من خلال الظهور الهادئ والواثق والصريح. ونظرية الدبلوماسية التحويلية التي تعتمد على تقديم رؤية للتحالف المبني على المساواة والشراكة وقيادة مبادرات ضد التطرف.على مستوى الدبلوماسية، كانت رسالة سموه واضحة: السعودية شريك قوي في السلام، وفي محاربة التطرف، وليست خصماً مؤقتاً، بما يخلق ثقافة تعاون جديدة بين الدول في ملفات مكافحة الإرهاب، عبر بناء تفاهمات عميقة، وليس مجرد اتفاقات سطحية.تؤكد زيارة سمو ولي العهد إلى واشنطن أنها تجاوزت كونها زيارة بروتوكولية رفيعة المستوى، إلى لحظة استراتيجية تعكس تصوّراً جديداً للدور السعودي في مكافحة الإرهاب على الصعيد الدولي كقوة فكرية تسعى إلى معالجة المشكلة من جذورها.

الوسوم كمال-إدريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*