البرهان… وفلسفة إنكار الظل: محاولة لإخفاء الشمس تحت أصبع

البرهان… وفلسفة إنكار الظل: محاولة لإخفاء الشمس تحت أصبع
  • 05 ديسمبر 2025
  • لا توجد تعليقات

مؤيد الأمين

في زمن تتكدّس فيه الحقائق على قارعة الطريق كأكياس قمح مهملة، يخرج الفريق عبد الفتاح البرهان على السودانيين والعالم بوجهٍ يفيض طمأنينة، ليخبرهم ـ بكل ثقة العالمين ـ بأن لا وجود للكيزان في الجيش.
تصريح لا يمكن إدراجه إلا في خانة الكوميديا السياسية السودانية، تلك الكوميديا التي لا تحتاج إلى كاتب نصوص، لأن الواقع نفسه يتولى المهمة.

فالبرهان ـ في كل مرة ـ يطلّ علينا كمن يؤدي دوراً مسرحياً حفظه عن ظهر قلب، يكرر المشهد ذاته:
نفي، ثم نفي، ثم نفي آخر، وكأن الجمهور لا يرى نفس الأسماء التي تتنفس داخل الأجهزة الأمنية، ولا يسمع نفس الأصوات التي كانت تصرخ في تسعينات الخرطوم، ولا يلاحظ نفس الوجوه التي عادت للظهور كأن الزمن توقف.

*إنها محاولة فلسفية عجيبة لـ اختراع واقع بديل:*

واقع يقول إن الظل موجود دون شمس، وإن الصوت يتردد دون فم، وإن الكيزان يحكمون… دون أن يكونوا موجودين!

*الكيزان: سرٌّ في العلن… وعلنية تتخفّى*

المفارقة أن وجود الكيزان لم يعد يحتاج إلى تقارير، ولا إلى وثائق، ولا حتى إلى تسريبات “واتساب”.
وجودهم مُعلَن، منشور في القرارات، وفي التعينات، وفي لغة الخطاب التي لم تتبدل قيد أنملة.
وجود يسمعه السودانيون في كل منبر، ويرونه في كل منصب، ويتتبعونه في كل تحركات الأجهزة الأمنية التي أعيد تشكيلها على مقاس قديم… يعرفه الجميع.

ومع ذلك، يواصل البرهان حديثه كأن الشعب أصيب بفقدان الذاكرة الجماعي، وكأن الرباعية الدولية (أمريكا، السعودية، الإمارات، مصر) لا تمتلك من المعلومات إلا ما يقرؤه المراهقون في ملصقات الفيسبوك.

بل يبدو في خطابه كمن يحاول أن يستعطف الرباعية قائلاً:
“صدقوني… ليس معي أحد!”
بينما يقف خلفه ـ في العلن ـ كل أولئك الذين يريدنا أن نصدق عدم وجودهم.

*السخرية التي تفرض نفسها*

المشهد برمته يشبه رجلاً يمسك بميكروفون، يقف على منصة، وحوله جمهور، ثم يقول لهم:
“أنا لا أتحدث… هذا وهم!”

السخرية لا تأتي من تصريحات البرهان فحسب، بل من إصراره على التعامل مع السودانيين كأنهم لا يعرفون هوية الممسكين بزمام الأجهزة الأمنية، ولا جدول تحركات عناصر الحركة الإسلامية، ولا التحالفات التي تُدار في الخفاء والعلن.

إنكاره يبدو كمن يحاول إخفاء فيل داخل غرفة صغيرة ثم يصرّ على أن الغرفة فارغة.
المشكلة أن الفيل يتنفس، ويصدر ضجيجاً، ويهدم الجدران… ثم يأتي البرهان ليقول:

*“لا شيء هنا… أنتم تتخيلون!”*

*فلسفة الإنكار السياسي*

في فلسفة السلطة، هناك نوع من الإنكار يسمّى الإنكار البنائي، وهو حين تبني خطابك كله على نفي معلومة واضحة، حتى وإن كانت الشمس فوق رأسك.
لكن البرهان تجاوز هذا النوع إلى الإنكار التزييني:
إنكار لا يغيّر الواقع، بل يحاول فقط تجميله من أجل الخارج.

يريد البرهان أن يقول للرباعية:
“أنا الرجل المناسب لترتيبات اليوم التالي، فقد تخلصت من الكيزان.”
بينما يعرف الجميع أن الكيزان موجودون أكثر من الكهرباء في خطوط الشبكة القومية.

*ختاماً:*

*الحقيقة لا تستطيع وضع النقاب*

الحقيقة، مهما حاول السياسيون تغليفها، تظل تخرج رأسها من بين الأصابع.
والحقيقة هنا أن وجود الكيزان في الأجهزة الأمنية ليس مجرد “احتمال” أو “تحليل”، بل واقع مكشوف، معلن، متحرك، فاعل، ويديره أشخاص يعرفهم السودانيون واحداً واحداً.

أما إنكار البرهان فهو مجرد محاولة لتقديم عرض سياسي جديد…
عرض لا يضحك السودانيين، لأنهم تعبوا من الضحك،
ولا يخدع الرباعية، لأنها ترى ما يحدث بدقة الأقمار الصناعية.

إنها كوميديا سودانية بلمسة فلسفية:
سرّ مكشوف في العلن… وحاكم يصرّ على ادعاء أن لا أحد يقف خلفه.

الوسوم مؤيد-الأمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*