من شرق السودان تتقدّم الإرادة الوطنية في مسار جديد يعزل الردة ويفتح أفق الدولة

من شرق السودان تتقدّم الإرادة الوطنية في مسار جديد يعزل الردة ويفتح أفق الدولة
  • 31 ديسمبر 2025
  • لا توجد تعليقات

عبدالله الصادق الماحي

أعادت تصريحات قائد حركة تحرير شرق السودان، إبراهيم دنيا، تشكيل المشهد الوطني بحدة غير مسبوقة، إذ جاءت في لحظة انسداد سياسي واستقطاب حاد بين ثلاثة معسكرات واضحة الملامح: معسكر يتدثر بعباءة الجيش بينما يخضع عمليًا لأجندة الكيزان، ومعسكر آخر يراهن على صيغ قبلية أو تكتيكية لكسر شوكة مشروع الردة عن ثورة ديسمبر دون امتلاك رؤية وطنية جامعة، وقوى مدنية ثالثة عالقة في منطقة رمادية وعاجزة عن إنتاج مسار وطني متماسك يلبي تطلعات الشارع ويجمع الصف المدني. في هذا الفراغ الثقيل، خرج حراك شرق السودان بموقف صريح وحاسم: لا للحرب، لا للاصطفاف خلف أطرافها، نعم لوحدة السودان القائمة على العدل، مع استعداد لحماية هذه الرؤية بالقوة. كانت تلك لحظة فاصلة كسرت سقوف الصمت وكل المحظورات السياسية الراهنة.

لا تكمن أهمية حراك الشرق وخطورته علي الاوضاع القائمة، في جرأة خطابه فحسب، بل في الرؤية التي يستند إليها؛ رؤية مستقلة وواثقة، تتواجه مباشرة مع مشروع للردة قائم على تضليل الوعي، يتغذى من موارد الدولة ويوظف مؤسساتها لإجهاض حلم ثورة ديسمبر، ويصر على فرض الردة بحجج تخفيف أعباء الحرب عن مواطن مغلوب على أمره. في المقابل، قدّمت كتلة الشرق نموذجًا مختلفًا: مشروعًا سياسيًا متقدمًا ومسلحًا، لكن اكبر مصادر قوته في الإرادة الجماهيرية الواسعة التي تسنده، وبما يميزه من الاستقلالية والطرح الواضح والجريء، ما يؤهله لفرض معادلة جديدة تتجاوز ثنائيات الحرب الزائفة والاصطفافات القسرية.

لكل هذه المميزات أصبح حراك الشرق أكثر إرباكًا وخطورة على مشروع الكيزان من مشروع “تأسيس” القائم على حمية قبلية وقهر مسلح، ومن الخطاب المدني الذي لا يزال خجولًا وهشًا، ومن خطابات التحالفات التكتيكية المؤقتة بلا أفق.

جاء حراك كتلة الشرق مختلفا لأنه لم يطرح نفسه كأداة في يد المركز، ولا كذراع في حروب الآخرين، بل تقدم كقوة سياسية واجتماعية مستقلة، تمتلك رؤيتها الخاصة، وتستند إلى قاعدة شعبية متماسكة، وتتحرك بثقة عالية في مواجهة مشاريع الهيمنة وإعادة إنتاج الاستبداد.

لكن وهذا مهم ايضا، ان رؤية كتلة الشرق تتقاطع، في جوهرها، مع جزئيات من معظم المشاريع الوطنية الحية المطروحة، سواء مشروع الجيش (القح)، أو صمود، أو حتى بعض أطروحات “تأسيس”، باستثناء مشروع الردة. من هنا جاء الذعر، وتصاعد الاستفزاز والتهكم الذي تجاوز حدود اللياقة تجاه قيادة الجيش، في مؤشر واضح على قوة تأثير هذا الصوت الجديد واختلافه، بل وخروجه على ما ظلت تشكلة آلة الردة من صياغات مزورة للواقع حتى انها بدأت تحتلف بالنصر.

إن أي محاولة لتفجير حراك الشرق أو قمعه بالقوة، لن تكون سوى إثارة لعش الدبابير، ستؤدي لإشتعال كل الشرق تحت اقدام الحكومة النازحة، وسيتجاوز أثر ذلك حدوده الجغرافية، ويؤدي لفتح مواجهة واسعة العواقب، لا تحتملها قيادة الجيش ومن يدعمون خيار الحرب الان في هذه المرحلة.

ما تم في شرق السودان شكلا ومضمونا، يتجاوز أثره حدود الإقليم، ويفتح الباب أمام بقية الأقاليم لتحرير إرادتها من سطوة خطاب الوصاية والعسف الذي تتغذى عليه مشاريع الردة، ومن قهر السلاح العشائري الأخرس الذي تقوده جحافل “تأسيس”. إنه تطور نوعي يضيّق الخناق على قوى الردة ومشاريع القهر، ويدفع باتجاه معادلة وطنية جديدة، اساسها العدل والمساواة وإرادة الشعب. وهو ما يتوازي مع مشروع الدولة المدنية، ويجليه كمشروع وطني أشمل وأوفق للسودان، اساسه الانتخاب، والحكم الفدرالي الدستوري، والدولة التي يتساوى فيها الجميع. من هنا فقط، يبدأ الطريق الجاد لكسر الردة وبناء السودان الجديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*