نهاية الصراع العدمي على السلطة

نهاية الصراع العدمي على السلطة
  • 06 مارس 2021
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

لم تنهض ماليزيا لانها دولة ديمقراطية، لم تنهض سنغافورة لانها بلد الحريات، ولم تنهض الصين لانها بلد حقوق الإنسان، بل نهضوا جميعا لانهم إمتلكوا القدرة على إدارة الصراع السياسي بين الأطراف المختلفة واتقنوا فن إدارة الجماهير والقدرة على امتصاص مفاهيم الخلاف العدمي وافراغها من قيمتها، مما جعل الصراع حول السلطة عندهم غير مكلف وغير مستهدف لبنية الدولة ولا وجودها، وهذا هو ما ينقصنا، ينقصنا فن إدارة الصراع وإدارة الجماهير وتحويل الصراع حول السلطة من صراع عدمي إلى صراع أفكار ومفاهيم لا يتجاوز خطوط الوطنية واحترام الآخر في الوطن والعمل معه لتفادي المصير المظلم للجميع.

الثورة الإلكترونية التي غزت العالم حملت معها للأجيال الجديدة مفاهيم عالمية حول جدوى السياسة وغايتها، وانها مجرد مهنة للحفاظ على الوطن وتحقيق أحلام وتطلعات الجماهير من توفير للخدمات وبسط للعدالة وضمان للسلام والاستقرار، شعارات الحرية والديمقراطية التي يرفعها البعض وهو يمارس الإقصاء والفصل السياسي من الخدمة والاعتقال، هو فساد سياسي وقيمي وطريقة مثالية لتعميق جذور الصراع وتحويله من صراع سياسي لا يصل مرحلة تهديد الوطن إلى صراع عدمي نتيجته النهائية انعدام أطراف الصراع وبقاء طرف وحيد منتصر، ولكن في بلاد بلا خدمات ولا عدالة ولا سلام ولا استقرار.

تفكيك مفهوم الصدام التاريخي المزمن على السلطة بين أطراف العملية السياسية يحتاج لقيادة على قمة هرم الدولة تعمل من أجل العمل المشترك ومن أجل تقريب الجميع لا البعض، وإشراك الكل لا البعض، وهذا يحتاج كاريزما خاصة وشجاعة ونفاذ بصيرة، ليس في هذا الأمر مجاملة، فإما أن يشارك الجميع في بناء وطنهم او سيبحثون عن وطن آخر، عبر الانفصال او الحرب او الانقلاب، كل الأسباب التي تقود إلى تمزق الأوطان أساسها في الصراع العدمي بين الأطراف السياسية، أساسها في المفهوم الذي يجعل الخلاف نفسه غاية وليس نتيجة يمكن القفز فوقها وتجاوزها من أجل الغايات الوطنية المشتركة بين أطراف الصراع نفسها مثل الوحدة الوطنية والازدهار الاقتصادي.

القيادة المشتركة للفترة الانتقالية بين الجيش والمدنيين اذا لم تفلح في إيقاف الصراع العدمي الذي قاد إلى انقلاب نميري وانقلاب البشير والى الحروب في السودان، فليس متوقع ان ينجز ذلك بعد الانتخابات، لابد من تسوية سياسية الآن وليس في المستقبل تضمن مشاركة الجميع بلا استثناء في تحديد مصير الوطن، لا يمكن إعادة شريط التاريخ الطويل من الإقصاء والقصور في لم الشمل وجمع الكلمة وتوحيد المصير، لن تصفق الجماهير الآن للقادة الذين يدعون إلى الوحدة السياسية بلا استثناء، بل قد تحصبهم بالحجارة، ولكن الجماهير في المستقبل حين تعيش في وطن مزدهر نتيجة لهذا القرار الشجاع ستذكرهم وتصنع لهم تمثالا، والأهم ان التاريخ سيذكرهم كرجال صنعوا مجد أمة كما فعل مانديلا في جنوب أفريقيا وجورج واشنطن في أميركا. فهل قادة الانتقالية قادرين؟! ام قدرنا أن نستمر في الصراع العدمي ونهدر الفرصة تلو الاخرى في الاستقرار والبناء؟!


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.