سوف يأتي

سوف يأتي
  • 07 أبريل 2021
  • لا توجد تعليقات

عمر الدقير

بين ٦ أبريل الانتفاضة و ٦ أبريل الاعتصام إلى ٦ أبريل الحالي – وما قبل ذلك من سنوات الحكم الوطني – تسرّبت أعمار السودانيين وكأنهم يحملونها على آنيةٍ مُثقّبةٍ كالغرابيل!!

لقد ظلّت أجيال السودانيين المتلاحقة تحلم بتأسيس دولةٍ تُحوِّل تنوعهم إلى نعمةٍ، لا نقمة، بإحسان إدارته استناداً على قواعد المواطنة والحرية والسلام والقانون والعدالة .. دولة توفِّر لكافة أهلها حياةً حرةً كريمة وتوجه البوصلة صوب المستقبل والتنمية والبناء وانجاز النهضة .. لكن للأسف جاءت رياح الواقع بما لا تشتهي سفينة الحلم، وكأنّ قصة ذلك الحلم تماثل ما اجترحه خيال الكاتب الآيرلندي صاموئيل بيكيت في مسرحيته الشهيرة “في انتظار غودو” التي أضحت تعبيراً شائعاً عن الانتظار العقيم، لأن خلاصتها هي انتظار الذي يأتي ولا يأتي.

ما يحدث الآن هو مخاضٌ عسير لميلاد وطنٍ يليق بشعبٍ جديرٍ بالحياة الكريمة .. ومرحلة الانتقال بطببيعتها مرحلة قلقٍ واضطراب، كونها مرحلة فارقة بين الماضي الذي لم يغادر تماماً، وبين المستقبل الذي لم يأتِ بعد.
ومع ذلك – ورغم واقع الحال المُثقَل بكل صنوف المعاناة – لا مجال لليأس والتراجع ولا خيار غير الأمل وشحذ الإرادة لتحقيق الأمل .. لا ينبغي أن نفكر في المستقبل بالتشاؤم ولكن بالتفاؤل الحذر المحسوب، والمقرون بثقافة الشفافية والمساءلة والمحاسبة وإعلاء شأن الروح النقدية اللازمة لتصحيح المسار.
 
غودو الذي ينتظره السودانيون هو تلك اللحظة التي يكون فيها هذا الوطن محرراً من الفقر والجهل والمرض والفساد والظلم والحروب ونزيف الدم في الجنينة، وغيرها، وقنابل الغاز على وجوه المحتجين على سوء الحال سلمياً، ومُحصّناً ضد مهدِّدات وحدته وسلمه الأهلي وأمنه المجتمعي، وصالحاً للإقامة بكل شروط الكرامة الانسانية.

وعلى عكس غودو مسرحية بيكيت، فإن غودو الذي ينتظره السودانيون ليس فرداً أو حزباً أو أية مجموعةٍ كانت .. إنه حاصل جمع جهود ثوارٍ وحالمين وعلماء ومفكرين ومثقفين وعاملين في مختلف الحقول، مُتسامين فوق الشجون الصغرى، وشرط قدومه أن تنتظم جهودهم جميعاً في سياق مشروع بناء وطني استراتيجي ليقهروا التحديات كلها تحت شعار واحد هو: الوطن الحلم.
 
وأيّاً كان الأمر، فإنّ غودو الوطن الحلم قادمٌ – لا محالة – بإرادة الشعب السوداني وعقول شبابه وسواعدهم، قادمٌ مع صرخة كل وليد وطلوع كل برعمٍ وفسيلة .. قد تعوقه في الطريق الكمائن التي ينصبها سياسيون وجنرالات، لكنه حتماً سوف يأتي.
 
٦ أبريل ٢٠٢١

الوسوم عمر-الدقير

التعليقات مغلقة.