من أين اكتسب العساكر ثقافة العنف تجاه المتظاهرين؟

من أين اكتسب العساكر ثقافة العنف تجاه المتظاهرين؟
  • 12 يناير 2022
  • لا توجد تعليقات

ألم يستوقفك مشهد لمجموعة من العساكر تنهال على شاب او امرأة او طفل بالضرب والركل وكأنهم وحوش وليس ادميين؟! ألم تستنكر روحك قتل العسكر للابرياء العزل في المظاهرات؟!! ألم يقودك كل ذلك إلى السؤال عن الدافع الذي يجعل هؤلاء البشر بهذه الوحشية؟ تعال بنا نطوف قليلا.

في الثلاثينات من القرن الماضي وبرعاية عصبة الامم (الاسم الذي سبق مسمى الامم المتحدة الحالي) تم تبادل خطابات فكرية بين اينشتاين وسيغمويد فرويد تحت عنوان (لماذا الحرب؟)، ناقشا فيها بشاعة الواقع العالمي الذي يسيطر عليه العنف/الحروب وتختفي فيه روح الحوار بين بني البشر، وذلك في أعقاب الحرب العالمية الاولى.

يشخص فرويد نزوع البشر نحو العنف/الحرب كنتيجة لسيطرة غريزة القوة او الغريزة التدميرية، ويصف حماس البشر للعنف بأنه نتيجة لسيطرة فكرة تدمير الاخر من أجل حسم الصراع معه، ويقول ( كمبدأ عام فإن صراعات المصالح بين الناس تسوى باستخدام العنف، هذا صحيح للمملكة الحيوانية بأسرها، وهي المملكة التي لا يملك الناس استبعاد أنفسهم منها. )

يرى فرويد (ان إفلات الإنسان من الغرائز التدميرية يمكن ان يتم بفعل الثقافة، لأن الثقافة تعمل على تقوية العقل الذي يتحكم في الحياة الغريزية، محدثاً انعطافة أساسية في وجود الدوافع العدوانية.) ويتساءل فرويد: ( إذا كان الذين يحوزون الثقافة والعقل يتحولون الى بشر مسالمين، فكم من الوقت يتعين علينا أن ننتظر قبل أن يصبح باقي البشر مسالمين أيضا؟ )

هذا التشخيص الفرويدي الذي مضى عليه قرابة القرن لهمج السياسة والعسكر ابان عالم الحرب العالمية الاولى، ليس بعيدا عن واقعنا السياسي الحالي الذي تسيطر فيه الغريزة التدميرية على مجموعة من العساكر لايتورعون عن استخدام أقصى درجات العنف والقتل للعزل من الشباب والنساء، بلا اي هدف نبيل سوى إشباع روح الانتقام والعدائية داخلهم، فالشاهد ان الجنود الذين يمارسون العنف المباشر على المتظاهرين هم من طبقات دنيا في المجتمع، طبقات تعاني في ظل الشمولية من غياب العدالة ومن ضعف الخدمات ومن غياب الدولة وظلم القانون، ورغم ذلك يملك هؤلاء الجنود غريزة عنف تتجاهل كل هذه المعاناة وتجتهد في إشباع غرائزها التدميرية.

هذه الظاهرة هل يتم علاجها بالثقافة كما قال فرويد، ام يتم حسمها بالعنف المضاد كما هو حال الحسم في صراعات المصالح لدى المملكة الحيوانية التي تشمل بني الانسان؟ هذا السؤال مهم، والإجابة العقلانية عليه تستبعد تماما خيار العنف المضاد، فخلال قرابة القرن منذ خطاب فرويد اعلاه لاينشتاين تعلمت البشرية الكثير من الدروس، تعلمت من مساؤي العنف وتكاليف الحروب الفادحة ونتائج الصراع العنيف على المصالح، وقادها كل ذلك إلى بناء مجتمع دولي رافض في صورته العامة للظلم والعنف ومشجعا لثقافة السلام والاستقرار.

تبادل الناس في مختلف انحاء العالم عبر الوسائط الإلكترونية العواطف المشتركة التي ترفض العنف كوسيلة لحسم الصراعات وتعتبر مستخدميه من المجرمين، وتدعم الحوار كوسيلة راقية وسليمة لحسم الصراعات، وحيث ان العسكرية تملك السلاح وهو العنوان الأبرز للعنف، تراجع دور العسكر في ثقافة الحكم والسياسة حول العالم وتقدم دور المدنيين، واصبحت الدولة المدنية التي تؤمن بالحوار كوسيلة لحل الصراعات مقدمة ومفضلة على الدولة العسكرية التي تؤمن بالسلاح كوسيلة لحسم الصراعات، وأصبح انتماء الناس للدولة المدنية مساوي لعقلانيتهم وثقافتهم ورقيهم، بينما أصبح ايمان البعض بالعسكرية دليل على الهمجية والسادية، فهل ينتصر الهمج في السودان على العقول المتفتحة بالعدالة والحرية؟ كلا ولا، والمستقبل سيشهد.

يوسف السندي
sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.