السيد علي الميرغني: يا لحاق بعيد

السيد علي الميرغني: يا لحاق بعيد
  • 04 ديسمبر 2022
  • لا توجد تعليقات

د. عبد الله علي إبراهيم

يثير إشفاقي ذلك الرهط من شباب الجلابة الذي يخلع عروبته وإسلاميته (أو الإسلاموعروبية كما يسمونها) ويعرض بهويته الأفريقية “الخالصة” في عرصات البلد. ووقلت إنهم يثيرون إشفاقي لا حنقي لأنهم ضحايا سياسات عربية وإسلامية نزعت من وجدانهم تلك المعاني نزعاً وألجأتهم إلى هويه أفريقية ظنوا بها خلاصهم من العروبة والإسلام وما هو كذلك. فقد هدت كاهل هؤلاء الشباب سياسات للدولة في السودان جعلت هوية الجماعة العربية الإسلامية هي هوية الدولة الوطنية حصرياً مع أنها دولة تستوطنها هويات عديدة.
وقد بلغت هذه السياسة ذروتها على يد الإنقاذ على أنها لم تستنها أول مرة. وضاعف من جفاء هؤلاء الخلعاء للإسلاموعربية عروبة “الكفيل” التي عانوا منها في مواضع هجرتهم ببلاد العرب التي حقنتهم بالمرارات. وترشح هذه المنطويات الآن على صفحات الإنترنت. وما يشفقني عليهم أنهم من فرط ضيقهم بذلك كله نسوا أنهم حين يهربون من الإسلاموعربية إلى افريقيا فإنما يهربون إلى هوية معطونة في العروبة والإسلام كالطحنية والعسل. فاللسان العربي أوسع انتشاراً في افريقيا من موطنه الباكر في آسيا. ومن الجهة الأخرى لا يغلب الإسلام في قارة مثل أفريقيا. فمما يشفق على هؤلاء العارضين بهوية افريقية “خالصة” هو استعدادهم الذهني المحير لإسقاط العروبة والإسلام في توخيهم أفريقيا. وأتمني ان تكون كلماتهم في هجاء الإسلاموعربية هي كلمة قيلت في لحظة غضب.
كنت عرضت مراراً على هؤلاء الخلعاء أرشيفاً لعناية جيلنا ومن سبقنا بهويتهم الأفريقية في سياق النضال ضد الاستعمار وفي سبيل استقلال اقتصادي واجتماعي وثقافي للقارة. وزدت بأن عرضت عليهم حتى ما صدر بحق افريقيا عن الدولة السودانية الموصومة بالتواطؤ مع العرب دون أفريقيا. وهو كثير ومشرف بكل المقاييس. وأعدت عليهم القول أننا حين لقينا افريقيا لم نلقها جسداً واحداً بل جسدين متنازعين جداً حول خطة التحرر الوطني ومعاداة الاستعمار: كتلة الدار البيضاء التحررية وكتلة منروفيا الجانحة للاستعماريين. وكنا في الأولى ونحن في أسوأ أحوالنا. ثم عرجت على الحركة القومية الجنوبية، التي ترغب في احتكار الصفة الأفريقية، وقلت إنها لم تعرف في الغالب من أفريقيا سوي الرعيل الرجعي الاستعماري. وقد اضطرها إلى ذلك نهجها الانفصالي الذي حببها إلى أشرار أفريقيا لا أخيارها.
وقد نبهتني مقالات قرأتها للدكتور محمد وقيع الله مؤخراً في الصحافة أن عناية الجلابة بأفريقيا وأفريقيا الشتات كانت ايضاً شغل جماعة يقظة من ناشطي الحركات الإسلامية. ففي هذا المقالات، التي اتسمت بصبر شديد على البحث، رصد وقيع الله تأثير دعاة من مسلمي السودان على تكوين المرحوم مالكوم إكس (1925-1965) الزعيم المسلم بين الأمريكان الأفارقة والذي بث العزة بالسواد والأفريقانية بينهم بما لا يوازيه سوي المرحوم مارتن لوثر كنق. فقد تربي مالكوم على يد المرحوم أليجا محمد، زعيم جماعة “امة الإسلام” الذي تلقي بعض إسلامه من الشيخ ساتي ماجد، الداعية الدنقلاوي الذي قدم إلى أمريكا في 1904. ثم تعرف مالكوم على الداعية السلفي السوداني احمد حسون وتفقه على يديه. وحسون هو الذي غسل جثمان مالكوم بعد اغتياله وجهزه لتقاليد الرحيل المسلمة. وكان مالكوم قد تعرف أيضاً علي السيد أحمد صديق عثمان (الحلفاوي) الذي أبنه عند قبره. وقصة حوارات أحمد مع مالكوم شيقة. وقد ترجم وقيع الله خطاباً أرسله مالكوم إلى أحمد يسال فيه عن تفسير بعض الآيات. ومنها “يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً”. وقال وقيع الله إن مالكوم ربما استشعر في الآية تحيزاً ضد السواد وهو الذي كان يبث العزة به في أهله. وقد جاء أحمد بصيغ مختلفة لشراح الآية طمأنت ملكوم على دينه.
وتصادف وأنا أقرأ مقالات وقيع الله النبيهة أن كنت أقلب صفحات كتاب المرحوم عبد الرحمن مختار المعنون (خريف الفرح). ولم أكن مستعداً للمفاجأة التي عثرت عليها فيه. فقال عبد الرحمن إن المرحوم السيد علي استدعاه يوماً من عام 1960 وهو على أهبة السفر لأمريكا. وتدارس السيد علي مع عبد الرحمن حركة الحقوق المدنية التي قادها مارتن لوثر كنق وتزايد اعتناق السود للإسلام. وتنبأ السيد أن الإسلام سيبلغ مداه في أمريكا ويغلب في عام 2000. ولم يستبعد أن يسود عليها أفريقي أمريكي بالانتخاب. كما طلب من عبد الرحمن أن ينتقي له كتباً عن حركة السود تلك. قد أفاض في الحديث عن مارتن لوثر كنق. وزكي له تعدد الزوجات (؟) إذا كان جاداً في دعوته لتكاثر السود في أمريكا حتى يفاخر بهم الأمم. وقد سأل عبد الرحمن أن يلتقي بمارتن لوثر نيابة عنه وقد حمله رسالة له. وقال عبد الرحمن أنه فعل وأحسن مارتن لوثر استقباله ووعد أن يكون السودان أول بلد يزوره متي سنحت له الفرصة لزيارة أفريقيا.
وهل غادر الشعراء من متردم؟

IbrahimA@missouri.edu

التعليقات مغلقة.