د. عبدالمحمود أبو، يودع الدكتور فيصل محمد موسى بهذه الكلمات:((رجل العلم والتواضع يترجل))

البروفيسور فيصل محمد موسى، تميز بصفات كثيرة أبرزها ثلاث: الانتماء الصادق للأنصارية، والتواضع، والعلم الواسع؛ فهو عالم تاريخ وفيلسوف يحلل الأحداث بمنهج محكم.
غادر هذه الفانية فجر الأربعاء 27 محرم 1447هـ الموافق 23 يوليو 2025م ووري جسده الطاهر في مقابر البكري في بقعة الإمام المهدي؛ الذي عرفه فأحبه وآمن به واتبع نهجه؛ إنني أودعه بهذه الكلمات:
أولا: ولد فيصل في أم درمان وترعرع فيها فأحبها؛ فوالده تعود جذوره إلى الجابراب ريفي شندي، وأسرته أنصارية عريقة، وهو من كبار تجار أم درمان، ربى أبناءه فأحسن تربيتهم فبرز منهم النطاسي البروفيسور عبدالرحمن محمد موسى، والمتخصص في المالية والاقتصاد عبدالحميد محمد موسى، الذي عمل مديرا ماليا في أكبر المؤسسات السعودية، والبروفيسور فيصل الذي أصبح مؤرخا مرموقا ، درَّس وحاضر في الجامعات السودانية والليبية.
ثانيا: أصدر البروفيسور فيصل عددا من البحوث والكتب وأشرف على رسائل علمية كثيرة في درجة الماجستير والدكتوراة؛ ومن مؤلفاته: بيت المال في المهدية، والمهدية في جنوب السودان، وموجز تاريخ أفريقيا الحديث والمعاصر، وشارك في كثير من المؤتمرات العلمية، وكتب في المجلات العلمية المحكمة.
ثالثا: إيمانه بالمهدية والأنصارية إيمان العجائز؛ وهو مثلٌ يضرب لمن وقر الإيمان في قلبه إيمانا لا يدخله الشك؛ وسبب المثل أن الإمام فخرالدين الرازي؛ مرَّ ذات يوم في موكب له مع طلابه بامرأة من عجائز نيسابور، فسألت: من هذا؟ قالوا لها: إنه الإمام الجليل الفخر الرازي؛ الذي وضع ألف دليل على وجود الله، فقالت: سبحان الله! أو يحتاج الله للأدلة على وجوده؟ لولا أن عنده ألف شك، لما وضع ألف دليل، فعندما بلغ الإمام الرازي مقولتها، قال: اللهم إيمانا كإيمان عجائز نيسابور! فصارت مثلا.
رابعا: البروفيسور فيصل خدم كيانه بجناحيه الديني والسياسي، كما خدم وطنه؛ فقد كان عضوا في اللجنة السرية التي قادت العمل المعارض ضد نظام مايو، وكان عضوا في المجلس الاستشاري لحزب الأمة قبل المؤتمر العام الأول، وعمل في لجان كثيرة في حزب الأمة، وعمل مديرا لقصر الشباب والأطفال في عهد الديمقراطية الثالثة، وفي هيئة شؤون الأنصار عمل أمينا للدعوة والارشاد في محلية المهدية والثورات، قبل المؤتمر العام الأول، فصُعِّد عضوا في مؤتمر السقاي؛ وعمل مستشارا للحبيب الإمام في كثير من الملفات التي تدخل في مجال تخصصه، وهو عضو في هيئة ملازمي الإمام عبدالرحمن حتى وافته المنية.
خامسا: من كلماته عن الإمام المهدي عليه السلام: قال: أنه “سمح بقراءة بعض المؤلفات الإسلامية التي اتفق العلماء على صحتها، مثل: الصحيحين «مسلم والبخاري» وإحياء علوم الدين للغزالي، وكتب الشعراني، والسيرة الحلبية لعلي برهان الدين الحلبي، وروح البيان لإسماعيل حقي البروسوي، وكتاب العناية القصوى في دراسة الفتوى للبيضاوي، والعرف الوردي في أخبار المهدي لجلال السيوطي. وقد سد الفراغ الفكري الذي أحدثه حرق الكتب بالإسراع بتعميم منشوراته التي تحمل أفكاره، وتوضح اجتهاداته الفكرية في مجال تطبيق الشريعة الإسلامية، وخاصة في مجال القضاء والفتيا؛ حيث أنه اجتهد في إصدار كثير من الأحكام الشرعية، ومعظمها تعازير في الأحكام والآداب الخاصة بتنقية المجتمع من العادات وممارسات الرذيلة، كما حرر ردا مفصلا على من أسماهم علماء السوء”.
جمع البروفيسور فيصل بين العلم والتحلي بمكارم الأخلاق؛ فقد كان متواضعا يلاطف الصغير، ويحترم الكبير، ويجالس بسطاء الناس، ويتناول معهم وجباتهم دون تكبر، وكان كريما وصولا لأرحامه، يتفقد أحوالهم، ويشارك في كل المناسبات والأنشطة، ويجلس حيث ينتهي به المجلس، كان من الموطئين أكنافا الذين يألفون ويؤلفون.
سادسا: أكرمه الله بإبن بار هو الدكتور الطبيب: محمد فيصل محمد موسى، وهو اختصاصي وعمل نائبا لمدير مستشفى أم درمان، ظل بارا بوالديه عطوفا بهم، فنعم الابن الصالح ثمرة الغرس الصالح، نعزي ابنه د. محمد في هذا الفقد الجلل الذي سيترك فراغا كبيرا له، ولكنه رُبِّيَ على الصبر والرضا بقضاء الله، ويمتد عزاؤنا لإخوته البروفيسور عبدالرحمن محمد موسى وعبدالحميد محمد موسى، ولشقيقاته ولكل أفراد الأسرة الصغيرة والممتدة؛ نسأل أن يربط على قلوبهم ويلزمهم الصبر الجميل.
سابعا: نتضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يرحم عبده فيصل محمد موسى وأن يكرم نزله ويرفع مقامه مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. وأن يبارك في أسرته، وكيانه ،وأحبابه، وأصدقائه، وعارفي فضله.
إنا لله وإنا إليه راجعون.