التوقيع الإلكتروني( 1 )

التوقيع الإلكتروني( 1 )
  • 27 أغسطس 2025
  • لا توجد تعليقات

ناصر إسماعيل عبيد إبراهيم محامي ومستشار قانوني

مقدمة

لقد طرأت على العالم تغيرات على الجانب التقني والمعرفي بشكل سريع وقد شمل ذلك وسائل الإتصالات والأجهزة والوسائط التي جعلت من العالم قرية صغيرة، وقد أدى هذا التطور في نقل المعلومات إلى إستخدام الحاسب الآلي والشبكة المعلوماتية في مختلف المعاملات مثل التعاقدات التجارية مثل إبرام العقود الإلكترونية عبر شبكة المعلومات الإلكترونية على المستوى الفردي والحكومي، وقد إهتم رجال القانون بمعرفة هذه التطورات وطبيعتها وحجيتها القانونية، مما جعل موضوع دراسة التصرفات التي تتم خلال إبرام العقود والصفقات التجارية بواسطة الشبكة المعلوماتية من الأهمية بمكان من حيث الزيادة المطردة في إستعمالها والحوجة إليها على المستوى الفردي والجماعي والحكومي، ومن أهم هذه التصرفات التوقيع الإلكتروني، فلابد من إيجاد وسائل تحمي هذه التصرفات، لأنه لم تعد الوسائل التقليدية كافية لحماية هذه التصرفات، لأن التوقيع العادي أو توثيق العقد لم يعد له وجود ولا يمكن إستخدامه في المعاملات التي تتم عبر الشبكة المعلوماتية، مما جعل الحاجة ملحة لإيجاد بديل الذي يتمثل في التوقيع الإلكتروني الذي يعتبر بديل للتوقيع العادي في إثبات هوية المتعاملين عبر الشبكة العالمية.

وقد أدى إستخدام التوقيع الإلكتروني في التعاملات التجارية دون أن يقابله تنظيم تشريعي وقانوني إلى ظهور جدل في الفقه والقضاء، من حيث مدى إمكانية قبوله في الإثبات والتعبير عن إرادة المتعاقدين في التصرفات المختلفة، وقد شجع إنتشار التعامل بالتوقيع الإلكتروني كثير من المجرمين للعبث به لغياب التشريعات والقوانين التي تحميه وتكفل الضوابط والشروط اللازمة لإضفاء صفة المصداقية على هذه التعاملات خاصة لما تتميز هذه الجرائم عن الجرائم العادية، مما يجعل دراسة هذا الموضوع من الاهمية بمكان من حيث التأكيد على ضرورة حماية التوقيع الإلكتروني وتجريم كل الأفعال التي تؤدي إلى تهديدها والنيل من مكانتها كوسيلة مشروعة.

ماهية التوقيع الإلكتروني وصوره

أصبح التوقيع الإلكتروني مع ظهور الوثائق الإلكترونية، يلعب دور كبير في إثبات حجية هذه الوثائق وإضفاء الحماية القانونية لها، وحتى يؤدي هذا التوقيع وظائف التوقيع التقليدي، سعت التشريعات الوطنية والدولية إلى توضيح مفهومه وأشكاله وصوره.

تعريف التوقيع الإلكتروني:

مصطلح إلكتروني في اللغة يعني إسم منسوب إلى إلكترون، حاسب إلكتروني، حاسبة إلكترونية ويسمي كمبيوتر ، وإصطلاحاً: تعني أي وسيلة تتصل بالتقنية الحديثة وذات قرارات كهربائية أو رقمية أو مغناطيسية أو لا سلكية أو بصرية أو ضوئية أو أي قدرات مماثلة لذلك.

أن صفة الإلزام لأي عقد أو مستند تتطلب بالضرورة قيام الأطراف بالتوقيع عليه، وقد مر التوقيع بمراحل ترتبط بحركة تطور المجتمعات الإنسانية، فبدأ الناس بالتوقيع المكتوب، حتى وصلوا إلى التوقيع الإلكتروني.

أولاً: تعريف التوقيع التقليدي: يعرف بأنه علامة أو إشارة تميز شخصية الموقع، وتعبر عن إراته في الإلتزام بمضمون السند الموقع وإقراره له، ويتسم هذا التوقيع بسهولة تمييز صاحبه، فهو غالباً ما يدمج مع إسم الموقع، ولا يوجد تعريف قانوني عام للتوقيع، لذا فإن معظم القوانين الوطنية تتبني مبدأ أن التوقيع هو أي علامة أو إشارة ستكون كافية إذا ثبت بها إتجاه نية الموقع إلى الإلتزام بهذا المستند.

ثانياً: خصائص التوقيع التقليدي:

من خلال ما ذكرنا من تعريفات للتوقيع الإلكتروني يمكن الإشارة إلى خصائصه وهي:

· تحديد هوية الموقع حيث يساعد التوقيع المكتوب على تمييز الشخص صاحب التوقيع.

· نسبة المستند للموقع، أي لشخص معين يؤكد إرتباطه بالمستند.

· الموافقة، حيث أن وجود التوقيع الخطي على مستند معين يدل على قبول الشخص صاحب التوقيع على محتوى المستند.

التوقيع الإلكتروني:

تعددت تعريفات التوقيع الإلكتروني بتعدد الجهات التي عرفته وهي كالآتي:ـ

أولاً: تعريف التوقيع الإلكتروني في الفقه القانوني:

حيث كانت معظم التعريفات الفقهية تدور حول فكرة إظهار شكل التوقيع وبيان خصائصه، رغم ذلك لم يتفق الفقهاء على تعريف واحد، وذلك تبعاً للزاوية التي ينظر بها كل فقيه.

فقد عرف التوقيع الإلكتروني على أنه إتباع إجراءات محددة تؤدي إلى نتيجة معينة معروفة مقدماً، تكون بديل للتوقيع التقليدي.

كما عرفه نظام التعاملات الإلكترونية في المملكة العربية السعودية في المادة الأولى الفقرة (14) بأنه: بيانات إلكترونية مدرجة في تعامل إلكتروني أو مضافة إليه أو مرتبطة به منطقياً تستخدم لإثبات هوية الموقع وموافقته على التعامل الإلكتروني وإكتشاف أي تعديل يطرأ على هذا التعامل بعد التوقيع عليه.

كما عرفه القانون الأردني بأنه ما يوضع على محرر إلكتروني ويتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو غيرها ويكون له طابع يسمح بتحديد الشخص الموقع ويميزه عن غيره.

كما عرف بأنه عبارة عن إجراء يقوم به المرسل بحيث يتم ربط هويته بالوثيقة الموقع عليها ويمكن لمستلم الوثيقة التحقق من صحة التوقيع.

كما عرف في التشريع الفرنسي بأنه التوقيع الضروري لإكتمال التصرف القانوني، وهو يحدد هوية صاحبه ويعبر عن رضا الأطراف بالإلتزامات الناشئة عن هذا التصرف.

كما عرفه القانون الأمريكي بأنه التوقيع الذي يصدر في شكل إلكتروني ويرتبط بسجل إلكتروني.

كما عرف في القانون المصري بأنه ما يوضع على محرر إلكتروني ويتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات، ويكون له طابع يسمح بتحديد شخص الموقع وتمييزه عن غيره.

وعرفه نظام التعاملات الإلكترونية السعودي بأنه بيانات إلكترونية مدرجة في تعامل إلكتروني أو مضافة إليه أو مرتبطة به تستخدم لإثبات هوية الموقع وموافقته على التعامل الإلكتروني وإكتشاف أي تعديل يطرأ على هذا التعامل بعد التوقيع عليه.

كما عرف القانون السوداني التوقيع الإلكتروني في المادة الثانية من قانون المعاملات الإلكتروني السوداني لسنة 2007 بأنه: يقصد بالتوقيع الإلكتروني التوقيع الذي يتم إنشاءه أو إرساله أو إستقباله أو تخزينه بوسيلة إلكترونية ويتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات يكون لها طابع متفرد يسمح بتحديد هوية وتمييز شخصية الموقع عن غيره.

يتضح لنا من التعريفات السابقة أنها لم تشير إلى صور التوقيع الإلكتروني، بل إجازت أن يتخذ التوقيع الإلكتروني أي شكل سواء كان في هيئة صور أو حرف أو رمز أو رقم أو إشارة أو حتى صوت، بشرط ان يكون له طابع منفرد يسمح بتمييز شخص صاحب التوقيع وتحديد هويته وإظهار رغبته في إقرار العمل القانوني أو الرضا بمضمونه، كما أن التعريفات لم تربط التوقيع بشكل مادي محدد بل أشارت إلى أنه مرتبط بسجل إرتباط منطقي حتى يتسع التعريف لما يستجد من تطورات تكنولوجية قد تفرز صور وأشكال جديدة من التوقيع الإلكتروني.

التمييز بين التوقيع الإلكتروني والتوقيع التقليدي (الكتابي):

يتفقان من حيث أنهما من أهم الآليات التي يعتد بها في إثبات التصرفات القانونية، ويحوي كل منهما الحقيقة التي يريد المشرع أن يحميها، ويختلفان في الآتي:

أولاً: أغلب التشريعات حددت صور التوقيع التقليدي وهو إمضاء أو بصمة أو ختم، أما التوقيع الإلكتروني لم تحدد التشريعات صور معينة له، بل أجازت أن يتخذ أي شكل كما سبق.

ثانياً: الوسيط في التوقيع التقليدي هو دعامة ورقية، أما في التوقيع الإلكتروني فهو وسيط إلكتروني من خلال أجهزة الحاسب الآلي.

ثالثاً: التوقيع الإلكتروني يمكن من خلاله معرفة مضمون المحرر وتأمينه من الإضافة أو الحذف.

رابعاً: التوقيع التقليدي أو الكتابي له وسائل متعددة، أما التوقيع الإلكتروني لا يتم إلا بوسيلة واحدة فقط تضمن سلامة المحرر من التعديل.

خامساً: أطراف التوقيع الكتابي طرفين فقط الموجب والقابل، أما في التوقيع الإلكتروني ثلاثة أطراف الموجب والقابل ومزود الخدمة الإلكترونية.

سادساً: التوقيع الإلكتروني طبيعته غير مادية وغياب الطابع الشكلي وقت العقد، أما التوقيع الكتابي فهو ذو طابع مادي ويحدد هوية وشخصية الموقع.

سابعاً: يتم التأكد من صحة التوقيع الكتابي باللجوء للقضاء وبواسطة مختصين وسهولة تزويره، أما التوقيع الإلكتروني يتم التأكد من صحته تلقائياً أثناء عملية التوقيع، مما يسهل إكتشاف التزوير في الكتابي ويصعب في الإلكتروني.

المطلب الثاني: شروط صحة التوقيع الإلكتروني وصوره

هناك شروط معينة يجب أن يتضمنها التوقيع الإلكتروني وهو لا يأخذ صورة واحدة، وله صور متعددة.

أولاً: شروط صحة التوقيع الإلكتروني:

نصت على ذلك المادة (14) من نظام التعاملات الإلكترونية السعودي بهدف ضمان أمان وفعالية التوقيع الإلكتروني:

1/ أن يكون إستخدام الأداة التي يتم فيها إنشاء التوقيع مقصور على الموقع وحده، وأن تكون آمنة لتحديد هوية الموقع وصلته بالتصرف.

2/ أن تخضع هذه الأداة المستخدمة لسيطرة صاحب التوقيع، وأن تكون الأدوات المستخدمة تحت سيطرته لأنها هي التي تميزه عن غيره، كما يجب أن تكون هناك صلة بين التوقيع والتصرف القانوني الذي وضع التوقيع بسببه، ودون ذلك لا يكون له أي أثر قانوني ولا حجة قانونية.

3/ إمكانية معرفة أي تغيير يمكن أن يحصل للتوقيع الإلكتروني، أي وجوب المحافظة على صحته بالصورة التي صدر بها.

صور التوقيع الإلكتروني:

أغلب التشريعات لم تحد نوع معين من التوقيع بما في ذلك النظام السعودي حيث لم يحدد نظام التعاملات الإلكترونية السعودي صور التوقيع الإلكتروني بشكل صريح، بل ترك المجال مفتوح كي يتسع لما يستجد من تطورات تكنولوجية قد تفرز أشكال وصور جديدة من التواقيع الإلكترونية، وكما تختلف أشكال التوقيع التقليدي أيضاً تختلف أشكال التوقيع الإلكتروني وهي:

أولاً: التوقيع الرقمي أو الكودي:

ويسمى التوقيع بواسطة المفتاح، ويسمى رقمي لأنه يحتوي على رقم سري لا يعرفه إلا صاحبه ويتم إعداده من خلال تحويل المحرر والتوقيع المرفق به من الكتابة العادية إلى أرقام حسابية، مثال له بطاقة الإئتمان.

ثانياً: التوقيع بالقلم الإلكتروني:

أي إستخدام قلم إلكتروني ضوئي يكتب على شاشة جهاز الحاسب الآلي ببرنامج معين لإلتقاط التوقيع والتحقق من صحته بالإستناد على حركة القلم على الشاشة وللتأكد من صحة التوقيع يقوم البرنامج عن طريق مقارنة التوقيع الموجود مع التوقيع المخزن وإلتقاط التوقيع وكتابته في مكان مخصص على شاشة الحاسب الآلي بواسطة قلم إلكتروني حساس ومقارنته بالتوقيع المخزن.

ثالثاً: التوقيع بالخواص الذاتية (البيومتري):

هذا النوع من التوقيع الإلكتروني يعتمد على الخصائص الذاتية للإنسان مثل البصمة بكل أنواعها حيث يتم تخزين البصمة عن طريق إدخال المعلومات لذاكرة الحاسب الآلي.

رابعاً: التوقيع بإستخدام البطاقة الممغنطة المقترنة بالرقم السري:

هذا النوع يمكن أن يصنف ضمن التوقيع الرقمي وهو من أكثر الصور شيوعاً ولا يتطلب جهد أو خبرة، ويستخدم أكثر في القطاع المصرفي، مثال لها البطاقات المغناطيسية والبطاقات الذكية.

مما سبق يتضح لنا أن هناك مجموعة من الصور التي يمكن الإعتماد عليها في توقيع المحررات أو الوثائق الإلكترونية بإستخدام آليات متنوعة مثل القلم الإلكتروني والبطاقات التي ذكرناها، وتختلف هذه الأشكال للتوقيع الإلكتروني من حيث الآليات المعتمدة ودرجة ومستوى الأمان والحجية، حيث يعد التوقيع الرقمي هو الأكثر أماناً.

ونرى أن هذا التنوع في أشكال التوقيع الإلكتروني يثير كثير من التساؤلات حول الحجية القانونية في الإثبات لهذا التوقيع، تتعلق بطبيعة الشروط الواجب توافرها لتحقيق هذه الحجية في التشريعات المختلفة.

توصيات:

قبل استخدام التوقيع الإلكتروني نوصي بالآتي:

1- اختيار مزود خدمة موثوق: تأكد من اختيار مزود خدمة موثوق به لتقديم خدمات التوقيع الإلكتروني.

2- فهم الشروط والأحكام: اقرأ وأفهم الشروط والأحكام الخاصة بخدمة التوقيع الإلكتروني التي تستخدمها.

3- التأكد من الأمان: تأكد من أن نظام التوقيع الإلكتروني الذي تستخدمه آمن ويتوافق مع المعايير المطلوبة.

أثناء استخدام التوقيع الإلكتروني يجب:

1- استخدام كلمات مرور قوية: استخدم كلمات مرور قوية وفريدة لحسابك الخاص بخدمة التوقيع الإلكتروني.

2- الحفاظ على سرية المعلومات: احتفظ بسرية المعلومات الخاصة بك وعدم مشاركتها مع الآخرين.

3- التحقق من هوية الأطراف: تأكد من هوية الأطراف التي تتعامل معها إلكترونيًا.

بعد استخدام التوقيع الإلكتروني يجب:

1- حفظ السجلات: احتفظ بسجلات لجميع المعاملات الإلكترونية التي تمت باستخدام التوقيع الإلكتروني.

2- التحقق من صحة التوقيع: تأكد من صحة التوقيع الإلكتروني في كل معاملة.

3- التحديث المستمر: قم بتحديث نظام التوقيع الإلكتروني الخاص بك بانتظام لضمان الأمان والموثوقية.

كما نوصي بالآتي.:

1- الامتثال للقوانين: تأكد من امتثالك للقوانين واللوائح المتعلقة بالتوقيع الإلكتروني في بلدك.

2- التدريب والتعليم: قم بتدريب نفسك وفريقك على استخدام التوقيع الإلكتروني بشكل آمن وفعال.

3- الاستفادة من المزايا: استفد من مزايا التوقيع الإلكتروني في تسهيل المعاملات وتقليل الوقت والجهد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*