الثلاثاء - 6 جمادي الثاني 1447 هـ , 25 نوفمبر 2025 م

” حميدتي” يعلن عن هدنة إنسانية لثلاثة أشهر

ليرحمك الله يا مكي

ليرحمك الله يا مكي
د. محجوب آدم

أعتز، ككل دفعتي في عبري الوسطى، بأننا زاملنا الهرم النوبي مكي، وإن لم يكن له يومئذٍ قدم في الفن.. أو لم نكن نعرفه كما ينبغي للزملاء.. وافتننت كغيري بما وصلني بعدئذٍ من فنه وابداعه، ويوم بلغني وأخي مندق أن لإحدى أغانيه تسجيلاً عند صديقنا خليل في دشنة بأداء صبية صغيرة من فركة استحقت بروعتها في صيف 73 أن ننتقل كل ليلة إلى حي دشنة للاستماع إليها.. ونظل نرددها في العودة إلى فركة.. أما مكي فلم التقه بعد التخرج إلا لماماً وعرضاً؛ بعد أن اتخذ كل منا طريقه..  ثم شرفتنا بيئة الجامعة الإسلامية بسَمْتها، والتزمنا بهيبة المعلمين ووقار أئمة المساجد.. حتى عندما كدت أفتتن ذات ليلة بأداء واحدة في رقصها في إحدى قرى السكوت، والتفت نحوي حسين ألالا أثناء إحدى وصلاته: وهمس قائلاً: أليست هذه فلانة؟ قلت: إني فلان.. قال بحسرة: ما الذي أجلسك بجانبي يا شيخ في هذه اللحظة.. فتجنبت الاقتراب من حلقات الغناء.. ولم أرفع عن نفسي الوقار إلا في حفل عرس في قريتنا.. فلما باشرت مع الشباب رقصهم فوجئت ببعض طلبتي في الحلقة فتقهقرت إلى الخلف..
لقد أخذ مني التدريس وتحضير الحصص وخطب المنبر أجمل أيام حياتي.. وأجمل ساعات اليوم عندي ما أقضيها ليلا مع القراءة والكتابة.. وسمعني بعض أصدقائي وأنا أتباهى بمشوار حياتي.. كما الآن.. وأقول لهم: إنكم لو عشتم بعض ما نجده في حياتنا من سعادة لتركتم ما أنتم عليه وسابقتمونا فيما نحن فيه..
أخشى أني انغمست في الخروج عن النص واستطردت في تركيبة شخصيتي كما أعيشها أو كما يظن الناس بي.. وتركت ما بدأت به وقصدت أن اعتذر به لأخي كاره حين توقع مني أن أكتب عن دفعتي مكي وأشاركهم التأبين، فلم يكن عندي ما أقوله مما ينتظره الناس، وإن انتابني من الحزن مثلما انتاب كل معارفه وأصدقائه والنوبة جمعاء.. فقد كان الفقد أليماً.. كان فقد قامة سامقة أعطت أكلها لأجيال الأمة وما بخلت.. وغنَّى عنَّا ولنا أشواقنا وأحلامنا وأحزاننا، وعطَّر برائع شدوه وإيقاعاته ليالينا فرحاً وبهجة.. فغنينا بغناه، وبهرنا بشعره ولوحاته.. وما يسطر من علمه ومعرفته.. وتصدَّى لمفردات لغتنا التي تعبِّر عن هويتنا.. وحفظها بمعجمه من الاندثار، وتقديراً للجهد العظيم الذي بذله مع صاحبه خليل في تصنيفه.. وما انجزاه من صرح باذخ.. وتنويهاً لما بذلا فيه من الجمع والتقصي، وترتيب مادته؛ وجب علينا أن نعلن عن تقديرنا بفضله الجليل بما أنجز ..
وقد أحسن صديقنا د. صلاح خليل في تغطيته لفعالية التأبين في مركز التسامح، وأخذ بقلوبنا نحو الليلة الحزينة الدافئة ، وأمتعنا بجمال سرده لنبضات وجعه النبيل ودفق مشاعره ، وكذلك فعل الرائع دوماً أخي كاره، وتوَّج به زحمة حضوره وتفاعله في لجنة التأبين وأوقفنا على مجريات الفعالية ؛ فلهما ولبقية من نابوا عنا في ترجمة أحزاننا كل حبنا وتقديرنا ..  وليتغمده الله بواسع رحمته وعظيم مغفرته ويجزيه عنا خيراً عما أحسن فيه ويلطف به فيما قصّر ويجزيه عفواً وغفراناً..

لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

حجز اسمكم المستعار سيحفظ لكم شخصيتكم الاعتبارية ويمنع الآخرين من انتحاله في التعليقات
دخول سجل اسمك المستعار
حجز اسمكم المستعار سيحفظ لكم شخصيتكم الاعتبارية ويمنع الآخرين من انتحاله في التعليقات
التعليق كزائر سجل اسمك المستعار نسيت كلمة المرور
حجز اسمكم المستعار سيحفظ لكم شخصيتكم الاعتبارية ويمنع الآخرين من انتحاله في التعليقات
التعليق كزائر سجل اسمك المستعار نسيت كلمة المرور