الرغبة!!

طيف أول:
عندما يصبح المهرجون تائهين بلا مسرح أو جوقة، عندها سيعلو الصوت الذي كتمه الألم ليقول كلمته.
وماعبر عنه الفريق مالك عقار، نائب رئيس المجلس الانقلابي، في تصريحاته التي تدعو للسلام والسمو فوق الضغائن والخلافات، والعمل من أجل إيجاد وسيلة لتعافي المجتمع السوداني من جراحات الحرب وآثارها على ترابط النسيج الاجتماعي ورتق الصلات مجددًا، يكون اول صوت عسكري يشعر بالمواطن منذ بداية، وهي تصريحات تعد مرآة تعكس رغبة السلام الذي يُناقش داخل المكاتب المغلقة للسلطة الانقلابية ، سواء عبّر عنها بصورة مباشرة أو غير مباشرة. لكنها تأتي بلسان عسكري فصيح، خالٍ من مشاعر الانتماء “المخلوطة” لدى القيادات فتصريحات عقار، تسهل قراءة اتجاهات القائد بلسان نائبه،أن المؤسسة لا تُعدّ لمرحلة جديدة في الحرب، لكنها أصبحت تفكر بإيجابية في سبل التخلص من ورطتها.
وقال عقار: “إن الحرب في السودان تقترب من نهايتها”، مشددًا على أهمية المصالحة الوطنية لتجاوز آثارها المستمرة. فالرجل يعكس رغبة المؤسسة العسكرية الخالصة في تحقيق السلام، تلك الرغبة التي لا يستطيع البرهان التعبير عنها مباشرة، وربما يبقى بعيدًا عن كل التصريحات التي تكشفها، بل ويحاول تغطيتها
ولم تكن تصريحات عقار هي الأولى، فالرجل لم يكن يغازل حمامات السلام بهزّ أغصانها، بل كان في كل تصريح عن السلام وكأنه يعدد المرات التي نوى فيها الجيش سلك طريق السلام، لكنه خضع آسفًا لمنع وعرقلة الفلول. فمن قبل، عندما قررت المؤسسة العسكرية الذهاب إلى التفاوض، كان أول من صرّح بذلك مالك عقار، عندما قال إن الحكومة السودانية متمسكة بالحل التفاوضي، عندها خرجت قيادات عسكرية وإسلامية ونفت ذلك، وأعلنت استمرار الحرب.
وفي مارس من العام الماضي، كان لعقار تصريح شهير قال فيه إنه لا يوجد ما يمنع من الجلوس مع قوات الدعم السريع في حال التزامها بتنفيذ اتفاق جدة، وجاء ذلك في تعميم صحفي عقب لقائه الرئيس الجيبوتي
وفي أغسطس من ذات العام، قال عقار إن الحكومة السودانية لا ترفض المفاوضات، لكنها طالبت بتنفيذ ما اتُّفق عليه في منبر جدة.
والآن، تكون المعادلة أن “يطبطب” البرهان والكباشي على الجماعات الإسلامية في الميدان، ويتولى عقار مهمة تبشير الشعب السوداني بالتفاوض.
والبرهان، المطمئن للفلول بالعزاءات، يثبت يوميًا أنه ماضٍ في مهمته، حيث أصدر بالأمس قرارًا بإعفاء النائب العام، وشملت الإقالةطيفور وعدد من مساعديه
وهي مجموعة كيزانية ماكرة، لها أدوار سيئة في النيابات.
وقد تخصص النائب العام في إصدار أوامر القبض على المدنيين، فبالرغم من أنه كان على رأس لجنة للتقصي عن جرائم الدعم السريع، إلا أن اللجنة تركت مهمتها الأساسية وتفرغت للنيل من القوى المدنية، مما أكد أنها لجنة سياسية تنفذ رغبة التنظيم في التخلص من خصومه باستغلال المناصب العدلية. وأصدر طيفور أوامره بالقبض على عدد من قيادات القوى المدنية السياسية والثورية، ووجّه لهم اتهامات تتعلق بتقويض النظام الدستوري، وإثارة الحرب ضد الدولة، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في مقدمتهم رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، بذريعة التعاون مع قوات الدعم السريع
وتعدّدت القرارات التي أصدرتها النيابة بحق مدنيين وناشطين وأعضاء لجان المقاومة، وشهدت فترة الحرب اعتقالات واسعة وسط المواطنين بحجة التعاون مع الدعم السريع، وكلها استخدمت كأدوات للترهيب والقمع وتصفية الحسابات، ولم تكن منصات العدالة عادلة في السودان ومازالت
وقرارات قائد الجيش بإعفاء هذه المجموعة الكيزانية، التي لها تاريخ غير مشرف في النيابات، تُعدّ ضربة قاسية في ظهر النظام القمعي الباطش، الذي استخدم الحرب لتصفية حساباته السياسية بالقتل والاعتقال والتعذيب.
وبهذا، يكون ما يعكسه مالك عقار في خطاباته هو أثر الفعل على القرار العسكري، المتمثل في جوهره بالتخلص من القيادات الإسلامية، وهي الخطوة الأهم في طريق السلام. فلا أمن ولا استقرار ولا سلام في السودان بوجودهم.
طيف أخير:
#لا_للحرب
أطلقت شبكة أطباء السودان نداءً عاجلًا لمواطني مدينة الفاشر، بالتوجه الفوري إلى المستشفى الجنوبي للتبرع بالدم، لإنقاذ أرواح المصابين جراء القصف المدفعي الذي نفذته قوات الدعم السريع.
غمضُ العين عن شرّ ضلالٌ *** وغضّ الطرف عن جورٍ غباءُ